الرئيسية المقالات مدارات عن تهامة والعمة لول..
عن تهامة والعمة لول..
هاشم العزعزي
هاشم العزعزي

بعد منتصف ليلة البارحه رن جرس هاتفي الجوال ( من هذا اللي يتصل في هذا الوقت ؟ ) رفعت الهاتف فشاهدت على الشاشه رقم يبدأ ب 04 ( مكالمة من تعز !! يالطيف الطف ...لكن الرقم غير معروف .. ربما يكون شخص معروف ووربما غلط ) ترددت في فتح الهاتف لكن ( ربما تكون مكالمة مهمه ...إن شاء الله خير ) بعد التردد قررت فتح الهاتف وبصوت منخفض ( الوووه - الوووووووه ) جاء من الطرف الاخر صوت إمرأة حزين ، متوجع ، متألم تخرج الكلمات من حلقها بصعوبه :

* انت ...انت ..

= نعم ...انا .اي خدمة ؟

* اني ام نعمان ، عمتك لول ، عرفتني ؟

= ام نعمان ؟ من هو نعمان ؟

* نعمان إبن الحاج راوح ، كنا زماااان إحنا وخالتك سلام جيران في شارع العواضي ، احنا اللي كنا ساكنين بعمارة النجاشي ووو... لم ادعها تكمل كلامها ، لطمت رأسي بكفي وبصوت عال ( بس ..عرفتك ..أم نعماااااان ... ينساكي الموت ياعمه لول ) قفز سريعاً من مخزون الذاكره ذكريات ففي عام 1980 م كنت في معسكر خالد بن الوليد عسكور ( حسب تسمية خالتي لكل من هو في الجيش او الامن ) كنت كل خميس ادخل تعز لقضاء الاجازه الاسبوعية عند خالتي سلام ( اخت امي) ، كانت جداً تحبني وخصوصاً إذا لم اطلب منها فلوس ، ولكي احافظ على هذا الحب كنت _ مهما كان إحتياجي للفلوس _ لا اطلبها ، كانت بنت خالتي تحصل يومياً عشرين ريال من والدها ( خالي ) مقابل تقشير وتقطيع البطاط والبصل والخضروات في البيت والذهاب به لمطعم والدها خالي محمد سعيد الله يرحمه الله ( كان معه مطعم 23 يوليو الواقع تحت سينماء 23 يوليو بباب موسى ) كنت عندما ادخل تعز طفران استلف من بنت خالتي ، وفي اخر الشهر استلم الراتب وأعطيها حقها وفي شهر طلعت السلفه 500 ريال وهو مبلغ كبير أعطيتها نصف المبلغ لكنها رفضت أقسمت بالله بأن لا تأخذ إلا المبلغ كاملا ، طنشتها ، توسلت ، صاحت ، هددت ، بكت ، إشتكت لخالتي ولخالي ولإخوانها كان ردهم ( من قال لك تسلفوووه ) نسيت ان الرفاهية لن تستمر اكثر من عشر ايام وبعدها سيهاجمني الطفر وهذا ماحصل ، لجأت اليها ( اشتي حق القات والدخان وحق السينماء ، واخر الشهر بدفع السابق واللاحق ) لكنها رفضت ( انتم عسكر سرق ) هددتها بالضرب ، ترجيتها ، اقسمت لها بدفع السابق واللاحق ومافيش فائده ، بالصدفه جاء نعمان كان حينها عسكور في الامن فسأل عن سبب الصياح ( مالك تصيح ؟ صوتك يسمع للشارع ) اخبرته بنت خالتي بالتفاصيل ، قال لها ( اعطيه على ضمانتي ) ردت ( والله لو يقل بقشه ما اعطيه ، انت انديله ) اقسم بالله انه لايملك غير عشره ريال قالت ( خذ من أمك ، امك معها بياس ) لقطت الكلمه من فمها فقلت لنعمان ( إطلع خذ من أمك ، قلها سلف ، قلها إننا مزنوق واخر الشهر بستلم المرتب وبدفع لها ، قل لها إننا صاحبك وأعز عليك ) سحبنا على جنب وبصوت منخفض قال :

* أمي زعلانه مني ، امس الليل طردتنا من البيت ...

__ ليش ؟ ايش حصل ؟

* امس رجعت البيت سكران

__سكران ؟

* رحت امس الليل لبيت المدير /كان عنده إثنين شباب من حارتنا ، كانوا الثلاثة يشربون وسكي فأجبرونا _حتى لا افضحهم _ اسكر معاهم ، شربت قلص خلانا ارجع البيت مدوخ ، المهم أن امي إكتشفت انني سكران وعلى طول وجهت لوجهي لطمه طيرت السكره من دماغي وبعد اللطمه طردتني من البيت الحمد لله أن الوالد كان في الورشه ...

__ تستاهل ضرب بالجزمه

* غلطه لن تتكرر

__ هااااااا . تشتي مني نصيحه

* نعم

__ إطلع الان اعتذر لها ، قبل رأسها وقدميها وإقسم لها بأن لاتشرب مره اخرى ....

وافق نعمان لكن بشرط اطلع معه للعمارة لمقابلتها وإقناعها بقبول الاعتذار ، طلعت معه ، ً نفذ نعمان النصيحة وفوق ذلك بكى فبكت معه فهو وحيدها من الذكور ..وو بعد دقائق من المصالحة والبكاء واكل العتر ، حكيت قفى رأسي ، كان الوقت بعد الظهر ، فهمت معنى حكوك القفى في هذا الوقت، غابت من امامنا دقائق ثم رجعت بما ئة ريال ( روحوا إشتروا لكم قات ) قلت لها ( هذه المائة مصروف اليوم ، باقي مصروف بكره الجمعه ..لكن بشرط سلف لاخر الشهر ) ابتسمت واعطتنا مائة اخرى ثم قالت (لما تكون تحتاج فلوس لاتستحي ، كن ارسل بنت خالك ) شكرت الله ، فقد فتح لي باب السلف .. اخر الشهر كنت وفياً وفي الشهر الثاني واللي بعده كانت ترفض تستلم السلف بحجة ( العساكر يرحمو ا لله ، مابوش معاهم إلا الفشره ) ذات مرة سألت نعمان لماذا امك استلمت سلفة الشهر الاول وترفض تستلم اللي بعده ؟ نقل السؤال لوالدته اجابت بأنها اعطته لبنت خالتي لانها اخبرتها بأن عندي لها خمسمائة ريال ... ياااااه كم هي عظيمه هذه المرأه وكم هي رحيمه وطيبه وكريمه ... واعود الى الاتصال بلهفه سألتها عن صحتها وعن الحاج ، عن نعمان ،عن البنات وعن وعن وووووو ساعة ونصف محادثه اختلطت فيها ذكريات جميله وحزينه بالسياسة والحرب ( القذائف تجزع فوقنا ، واحياناً تسقط فوق البيوت .الحوثين يضربوا المقاومة والمقاومة تضرب الحوثين واحنا في الوسط .كل يوم فجائع . منقدرش نخرج من البيوت إلا في الظهر عندما يكونوا مخزنين ، اولاد الكلب لما يكونوا مخزنين في الظهر يكونوا اصحاب ) هكذا قالت ، لكن ايش اللي خلاها تذكرنا بعد كل هذه المدة ؟ إعتقدت بأنها تحتاج مساعدة ، قالت بأنها منذ شهرين وهي تبحث عن رقم هاتفي ... ولكن لماذا ؟ بحزن وألم قالت :

* يقولوا أن في تهامة مجاعة

__ نعم توجد مجاعة وخصوصاً في الشريط الساحلي .....

* أين الحكومة و التجار .... و وسمعت عبر الهاتف اصوات مزعجه ، مرعبه ( أيش هذه الاصوات يا ام نعمان ؟ ) اجابت ( مثل كل ليله ، قوارح ، حرب ، الضؤ والدخان حق القذائف يدخل للبيوت ، بيوتنا قدها مخزقه من الرصاص ) وبصوت عالي سألتها ( ليش جالسين في البيت ؟ هذا خطر عليكم ، لماذا لاتنقلوا الى مكان آمن ) اجابت ( أين نرح ؟ اللي خرجوا من بيوتهم تبهذلوا ، نموت في بيوتنا ولا البهذله ، اني جالس في بيتي مع عمك راواح واولاد نعمان ، قد نحنا متعودين عل القوارح ، والله مانسيب بيتنا ، اولاد الكلب سرق ، سرقوا كل البيوت اللي خرج منها اصحابها ) لكن ..حياتكم ياعمه لول ..قطعت كلامي ( احنا مؤمنين بالله ، كل شئ بإرادة الله ...اذا كان اصحاب تعز يموتون بالمدافع والرشاشات .. اصحاب تهامه الطيبين .المسالمين ..يموتون من الجوع والامراض لكن قلي ايش عملتم لأصحاب تهامه ؟ ) مع اعجابي الشديد بإيمانها وإستغرابي لسؤالها عن تهامه لان الموقف الذي هي عليه يعفيها عن اي اهتمام بغيرها واولادها والاوضاع الخطيرة التي تعيش فيها .. مجيباً عن سؤالها ( ايش عملتم لتهامه ) قلت لها بإختصار ( عملنا اللي نقدر عليه لكن الكارثة كبيره ) كانت الاصوات المزعجه والمرعبه مستمره ... بهدؤ اعصاب وتوجع الكلمات قالت ( إسمع ... معي مائة الف ، الله يرزق نعمان ..باكر عندما يكون المتحاربين مخزنين شخلي واحد من العيال يرح للكريمي يرسل لك المائة الالف ..تشتري بها دقيق لفقراء محتاجين او دواء لمرضى ..شركن عليك ...كل خير يا ابني عندالله مايضيع ) ياااااااه ما اعظمك يا ام نعمان ، اهتز جسدي وخرجت من عيوني الدموع ( انتي يا ام نعمان احوج بأي مبلغ في هذه الظروف ..اعتبري أن الله سجل لك هذا الاجر ).

إقراء أيضا