أخيراً !! سقط رهان أقانيم الاستعمار والصهيونية والرجعية العربية على صمود نظام الدكتاتور حسني مبارك أمام الضربات الموجعة والقاتلة التي وجهتها ثورة الشباب في مصر العروبة لرأس هرم السلطة الفاسدة، التي سقطت بالضربة القاضية، بعد ثماني عشرة جولة - بعدد الأيام التي كابر فيها النظام المباركي منذ الخامس والعشرين من يناير الماضي، حتى الحادي عشر من فبراير الجاري- أبلى خلالها شعبنا العربي في أرض الكنانة بلاءً حسناً، مجدداً الصورة الحقيقة للوحدة الوطنية التي رسمت معلمها خلال العهد الناصري الميمون، والتي حاول النظام الرسمي المصري تشويهها بل وتمزيقها ليس في عهد مبارك المخلوع، وإنما منذ الخامس عشر من مايو 1971م عندما قاد المقبور أنور السادات ثورته الرجعية المضادة للمشروع الحضاري الناصري .
ومع تحقق باكورة انتصارات الثورة الشعبية في مصر الحبيبة، بالإطاحة برأس النظام الفاسد؛ فإن التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري في اليمن، يتقدم بأصدق التهاني والتبريكات، إلى كافة قياداته وقواعده وأنصاره ،على مستوى الساحة اليمنية، وإلى كافة قيادات وجماهير الشعب العربي على مستوى الوطن العربي الكبير .
وقبل هذا؛ فإن التنظيم بالأصالة عن قيادته ونيابة عن كل الناصريين في اليمن، يزف أحر التهاني والتحيات لكل قوى الشعب العربي في مصر، بمناسبة الانتصار العظيم الذي تحقق لهم بالإطاحة برأس نظام مبارك الفاسد، ويشد على أيدي شباب مصر، وكل القوى الوطنية - السياسية والاجتماعية - معلنا مؤازرتهم من أجل المضي قدماً ،لاستكمال مراحل الثورة الشعبية المجيدة، حتى تتحقق كل أهدافها. ويدعو التنظيم قوى الثورة إلى الاستمرار في حماية مكتسباتها من خطر محتمل للمصادرة من قبل الأعداء الذين يتربصون بها الدوائر، كما سبق لهم أن حاولوا إجهاض ثورة 23 يوليو، التي كشفت وصدت بالإرادة الشعبية وطليعتها الثورية الواعية كل المؤامرات، حتى صعود روح الشهيد القائد جمال عبد الناصر إلى الملكوت الأعلى .
إن الانتصار الذي حققه أبطال مصر، لا يحسب لأهلنا في بلاد النيل فقط، وإنما هو إضافة عظيمة لتاريخ أمتنا، ونبراس يضيء درب الكفاح العربي لكل المجاهدين في سبيل تحقيق أهداف النضال العربي في كل الأقاليم العربية، التي تعاني من اضطهاد النظام العربي الرسمي العميل، سواءً في بلدان العروش الملكية التقليدية، أو بلدان الكروش في الجمهوريات التي يعمل حكامها جاهدين من أجل وأدها من خلال وسيلتين: أولاهما تأبيد الحكام الفاسدين على كراسي السلطة، وثانيهما توريث الكراسي للأبناء والأقارب، الذين تربوا على قيم العمالة والتبعية للاستعمار والصهيونية في مطابخ صناعة العملاء في بريطانيا وأمريكا والأردن، وبالتالي تحويل الجمهوريات إلى ملكيات متعفنة، وإقطاعيات مسورة بسياج الأسرية والمناطقية الضيقة الحاقدة على قوى الشعب العامل .
وإذا كان شعبنا في تونس الحبيبة قد حسب له قصب السبق في إشعال فتيل الثورة الشعبية العربية، فإن انتقال شرارة الثورة إلى مصر، وانتصارها على نظام رجعي عميل، يحمل قيمة عظمى مشتقة من مكانة مصر في تاريخ الأمة وموقعها ودورها الرائد للشعب العربي من الخليج إلى المحيط . فحقائق التاريخ العربي تشير إلى أن مصر دائماً ما تقود الأمة العربية سواءً نحو العلا أم نحو الانحطاط . ويكفي للتدليل على ذلك أن نتمثل دور مصر خلال القرن الماضي . إذ أن نهوض مصر إبان الثورة العربية الناصرية قاد نهوضاً موازياً على مستوى الوطن العربي، إن لم يكن على صعيد الأنظمة الحاكمة، فعلى صعيد الشعب العربي عامة، وفي كافة المجالات السياسية والفكرية والأدبية والفنية .
وبعد الردة الساداتية، التي سلمت مصر للاستعمار والصهيونية، برز الانحطاط في كافة المجالات السياسية والفكرية والأدبية والفنية أيضاً، ولم يقتصر ذلك الانحطاط على مصر فحسب، وإنما عم كل الأقاليم والمجتمعات العربية .
لذا فإن انتصار الثورة الشعبية في مصر اليوم إنما هو مؤشر على ثورات ارتدادية يجب أن تحدث تغييرا جذريا في التركيبة السياسية والفكرية في كل الوطن العربي، يطيح بالنظام الرسمي عن بكرة أبيه .
وثمة بديهية لا تتغير، هي أن اليمن - أرضاً وشعباً - هو واحد من جدران رجع الصدى لما يحدث في مصر . فالثورة اليمنية - بكل مراحلها - هي الوليد الشرعي للثورة العربية الناصرية التي انطلقت من مصر .. وبناءً على ذلك فإن المحللين السياسيين يتنبؤون بأن الشارع اليمني هو المرشح الثاني - أو على الأقل الثالث بعد الجزائر - للانتفاض على الظلم والقهر والاستبداد والأسرية والشللية الفاسدة، سيما أن نفس المقدمات المهيئة للثورة في مصر متوفرة في اليمن كما في أي إقليم عربي آخر .
قد يكون ثمة اختلاف نوعي بين مكونات وسمات المجتمع المصري، ومكونات وسمات المجتمع اليمني، على المستوى الثقافي، والتركيب المجتمعي القبلي والمذهبي وحتى السياسي، وهذا ما تستغله سلطة وحزب الفساد الحاكم في اليمن وتوظفه لإدامة لأحكام سيطرتهما، بيد أن هذا الاختلاف لا يعني استحالة إمكانية التغيير الثوري في اليمن،وهنا يجب أن تعي القوى السياسية والاجتماعية الخيرة والتواقة للتغيير الثوري هذا الاختلاف، وتُعمل العقل والعلم من أجل ابتكار أساليب نضالية حديثة تلائم الواقع اليمني .
وإننا إذ نؤمن بإمكانيات الشارع اليمني على الثورة ضد الفساد ومظلته، فإننا ندعو أحزاب المعارضة أن تستغل الفرصة، وتقدم نفسها قائداً للشارع، وتضع سقفاً عالياً - بدون حد أدنى- تتعين من خلاله ماهية التغيير الثوري المنشود، الذي يحقق مطالب وطموحات الجماهير المظلومة والمقهورة في لقمة عيشها المصادرة وفي حقها في الاختيار الحر لقيادتها السياسية، القادرة على رد الاعتبار لها مما قد أصابها من إهانات واحتقار لإرادتها، لما يربو عن ثلث قرن،منذ أن أجهضت المؤامرة القذرة والعمالة والخيانة، المشروع النهضوي الذي كان القائد الخالد إبراهيم الحمدي وأخوته الناصريون قد بدؤوا إرساء دعائمه في الساحة اليمنية، كرد فعل علمي وعقلاني على عرقلة عجلة المشروع الحضاري العربي الناصري، وتدمير منجزات الثورة الناصرية ليس في مصر فحسب، وإنما في كل الأقاليم العربية .
إن المهمة التي تنتظر أحزاب المعارضة اليمنية لهي مهمة صعبة بسبب تعقد التركيبة السياسية والاجتماعية اليمنية - كما أسلفنا - وبالتالي فعلى هذه المعارضة أن تعمل على تثبيت وتوسيع دائرة الثقة الجماهيرية بها، من خلال قيادتها للشارع الثائر بفعل تأثير الثورة الشعبية في مصر، ما لم فإن الشارع - حتماً - سيتجاوزها ولن تستطيع بعد ذلك اللحاق به. بل وقد لا يسمح لها الشارع الثائر أن تدركه .. وربما لن يعترف بها البتة إذا ما استطاع بتنوعه وفكره المستنير أن يتجاوز مثبطات العمل الحزبي التقليدي ويبتكر أدوات وكيانات سياسية تنسجم مع أهدافه وطموحاته .