الرئيسية المقالات مدارات المدينة الفاضلة في ساحة التغيير
المدينة الفاضلة في ساحة التغيير
غيداء الصبري
غيداء الصبري
الأحلام في بلادنا تعيش مرحلة اغتيالات لا متناهية .
لذا قد يستغرب البعض عنوان الموضوع! لكنني اليوم أقول أنها الحقيقة التي لا يستطيع أحد حجبها فمن خلال مروري المستمر من ساحة التغيير سواءًَ بالعبور إلى منزلي القريب من الساحة أو عند ذهابي للمشاركة مع جنود الله استوقفتني أحداث عده نبدأها من حراس الحارات اللذين كانوا بالأمس يعيثون في الأرض فساداً وتم تعينهم بطريقة أو بأخرى من قبل الحزب الحاكم ليتشدقوا اليوم بعبارات لا تمت لهم ولتفكيرهم الضحل بصله كلمات عن الحرية وعن الفساد وعبارات مطاطة لتشويه وجه الاعتصام .. الوحدوي نت
للأسف الشديد في حارتي توجد عماره كبيرة يباع فيها الخمر وكم شكا السكان من هؤلاء الناس لكن دون جدوى والسبب أن زبائنهم من ذوي مكانات مرموقة في الدولة وهم ذاتهم اليوم يضعون الحواجز لحراسة الحارة..
من يحرسها ومن من يحرسها لست أعلم..!!؟؟؟
بالأمس عدت من العمل سيراً على الأقدام لأرى كم حاجزاً قد صنعته الحكومة عبر المرتزقة من عقلاء الحارات وإذا بي أرى أطفال قد وزعت عليهم العصا الخشبية بمختلف أشكالها منها الملون ومنها المدبب من الأمام.. الخ، تلك الحواجز فيها منافذ ضيقة يمر من خلالها أهالي الحي حد قولهم وحين اقتربت كان هناك صوت من خلفي ينادي الطفل وسرعان ما بدأ الطفل بردة فعل عدائية..
أشهر العصا وكان يصرخ في وجهي (أمش من الشارع الثاني هانا مسدود) وكنت أقترب أكثر وأكثر وهو يزداد في الصراخ وحين وصلت أخبرته أني أريد العبور حاول جاهدا منعي فقلت له البيت الذي أريده داخل هذا الحاجز وعليكم أن تسهلوا حركة الناس والنساء خاصة فبدأ بقذف القنابل من فهمه الذي لازال صغيراً جداً عن هذه الحوارات.. النساء هن أساس البلاء هن يدخلين السلاح والسكاكين وكل شيء لعند هولاء لأنهم مش شجعان يرسلوا النسوان ..
حاولت التعامل بعبط وقلت له قم أنت بتفتيش النسوان رد بصوت عالى عيب أحنا ما نفتش نسوان .. أخبرته أنت ما زالت طفل ولا أعتقد بأن النساء سيمانعن بالذات وانك تسهل مرورهن .. لم يرقه كلامي قط وكان يبحث عن انفعال يجعل صوته عاليا أو أكثر ذكوريه وقال لي لن نسمح لك بالخروج من هنا عند عودتك قلت له لا عليك سأختار حاجزاً أخر وأستمريت في المشي وأنا أسمع من يكبره بكثير يقول له (لا تكونش تتحاكي أمسك الصميل وأضرب في الرأس ) – هذه هي لغتهم - .. أي عقلاء هؤلاء اللذين يدفعون الأطفال لمثل هكذا تصرفات ويسدون على المعتصمين السلميين كل المنافذ لمنع دخول احتياجاتهم ولعرقلة إسعافهم للمستشفيات ولأسباب كثيرة يعلمها الجميع في ظل هذا النظام .

تجاوزت أكثر من حاجز منها مبنية بشكل أسوار ومنها أحجار مبعثرة هنا وهناك ومنها كائنات بشريه وأخيراً وصلت إلى المدينة الفاضلة كما أحببت أن أسميها هناك فقط تنفست الصعداء رغم الحشود و الازدحام إلا أني كنت أرى أناس مسالمين مبتسمين كلما تقدمت كلما أفسحوا لي الطريق وكلما تعاملوا معي باحترام أكثر.
على الرغم من تنوع مشاربهم فمنهم المثقفين ومنهم الأميين ومنهم القبليين ومنهم الباعة المتجولين .. كثيرين جدا ومختلفين أكثر لكنهم اجتمعوا لهدف واحد فجمعتهم أخلاق واحدة ..
لم أشعر بهذا الأمان وهذا الحب لأبناء اليمن قبل اليوم كنت أرى مجموعة منهمكة في تنظيف المكان ومجموعة تقدم الطعام، تجد هنا من يطبب الجرحى وهنا من يعلق الشعارات التي توقفني إجبارياً لقرأتها تارة لعمقها وتارة لألفاظها الجميلة .. حتى المفقودات لها مكان في هذه الساحة فمن فقد شيء يجده، والموقف الطريف حين سقط تلفون أحد الزملاء وإذا بأحد الشباب يتبعه لإعطائه إياه.. للحظات لم أكن مستوعبه ما يحدث أنها فاضلة بكل المقاييس.

في تلك المدينة مشاعر الإيثار كانت سيدة الموقف ففي صباح اليوم الدامي وأثناء عمليات الإسعاف كان هناك تدرج في عمليات الإختناق منهم من كانت حالته صعبة جداً ومنهم المتوسطة لكن ما كان ملفت للإنتباه أنه كلما دنونا من أحد المصابين يقول أنا أفضل أنقذي الذي بجواري وعندما نذهب للذي بجواره وهو أسوأ حالاً يخبرنا بأن هناك من حالته أشد أنقذيه ثم عودي .. هؤلاء هم شباب التغيير..
 هؤلاء هم شباب اليمن القادم.

الدماء أيضا كان لها نصيب كنت أسمع النداء في الميكرفونات من يملك فصيلة دم سالبة يتوجه للمستشفى الميداني .. ونداء أخر عبر تلفوني بالتوجه للمستشفيات للتبرع بالدم كنت ممن يحملون الزمره السالبة وحين وصلت للمستشفى الميداني أخبروني بأن عدد المتبرعين هائل جداً .. وحين ذهبت للمستشفى التي أعاقني الوصول إليها تلك الحواجز التي صنعها أغبياء الحارات أخبرني بأن ثلاجة المستشفى ممتلئة وبأن من حضروا للتبرع كانوا أكثر مما هو مطلوب فتركت رقمي للتواصل معي في حين احتياجهم ..
كنت حزينة لعدم تمكني من التبرع وسعيدة لمسارعة اليمنيين لإجابة النداء.. هؤلاء هم شباب التغيير.

  المساكن المجاورة للساحة التي تزعم وسائل الإعلام الحكومية بأنهم متضررون لم يتوانوا أبداًَ في مساعدة الشباب وأستطع أن أذكر أبسط تلك المساعدات المتمثلة برمي البصل للمعتصمين حين تم مهاجمتهم بالقنابل المسيلة للدموع بإعتباره علاج فاعل .. وتعبئة زجاجات صغيرة بالخل وتوزيعها على المعتصمين لمواجهة تلك القنابل .. هؤلاء هم شباب التغيير.
الزامل المرابي كان حاضراً وبقوة وخلال تجولي كنت أراهم يسيرون ذهاباً وإياباً يلفظون بكلمات رائعة تعطي المعتصمين دفعات معنوية قوية ويتوعدون بالويلات لكل من يحاول الهجوم عليهم .. كنت أسمع نداءات بين فترة وأخرى (مطلوب 50 متبرع لحراسة الجهة الشمالية) وينطلق 500 متبرع .. كنت أستمع لطلقات الرصاص وأرى شباب التغيير يخرجون من الخيام و يتجهون نحوها فاتحين صدورهم لا بثنيهم عن الشهادة شيء ..

ترى ما الذي دفع بهؤلاء الشباب اللذين يحلمون بمستقبل جميل وحياة مشرقة للشهادة في هذا المكان ولفتح صدورهم بهذا الطريقة المليئة بالشجاعة والإقدام .. وما الذي دفع فتيات بسن الزهور للعمل كممرضات متطوعات في هذا المكان ؟؟
تجرأت وسألتهم وكانت الإجابة أجمل .. اليمن يستحق أكثر .

إقراء أيضا