الرئيسية المقالات مدارات اليمن في مفترق الطرق
اليمن في مفترق الطرق
د‌. علي عبد القوي الغفاري
د‌. علي عبد القوي الغفاري

الأوضاع الحالية في بلادنا لا تسر أحداً غير أعداء الحرية والديمقراطية والوحدة ، فقد أصبحت الحياة في العاصمة صنعاء وفي بقية المحافظات لا تطاق ، وكما لو أن البلاد فعلاً في حالة حرب التي إن إستمر الحال أو الوضع هكذا فكل شئ محتمل ووارد ، ولا ندري إلى أين سيكون مصير اليمن الذي توحد لتوه قبل عشرين عاماً ، ولا ندري من أجل من بدأ تقسيم اليمن ؟ فها هي محافظة صعدة في شمال الوطن قد أختارت لها يوم الخميس 23 مارس الماضي محافظاً جديداً من أحد أبنائها ، ومحافظات أخرى أوشكت على تسيير أمورها بعد حادث خنفر في جعار الذي أودى بحياة ( 150 ) من الأبرياء ، وبدون شك فإن اليمن الموحد على إمتداد العقدين الماضين عانى ولا زال يعاني كل أنواع الحرمان جراء أوضاعه الإقتصادية والإجتماعية والمعيشية ، ذلك ليس بسبب التخلف الناتج عن موروثات الماضي ولكن بسبب تفشي وتوسع الفساد المالي والإداري في كافة مؤسسات الدولة وغياب مبدأ الثواب والعقاب وكذا دولة المؤسسات وأسباب أخرى الكل يعرفها على مستوى الداخل والخارج ، الأمر الذي أقلق بعض من أبناء اليمن الغيارى وأدى بهم إلى المطالبة بالإصلاحات التي بكل أسف لم يتحقق منها شئ بل كانت الغلبة لمزيد من الفساد ، مما أدى إلى المطالبة بالتغيير .

ومنذ قيام الوحدة بفضل صانعيها في الحزبين الحاكمين حينذاك والقوى الوطنية في الشطرين ودماء الشهداء التي سالت بهدف تحقيق الحلم الكبير الذي تحقق في 22 مايو 1990م ، إلا أن حفل الزفاف الوحدوي لم يستمر طويلاً ، فقد دخلت البلاد في حرب صيف 1994م ، والتي على إثرها دخلت البلاد في أزمات وتحديات سياسية وإقتصادية متتالية ، شارك زعماء البلاد في صنعها ، وبسبب تلك الأزمات المتوالية تم الإعلان عن إنشاء أحزاب اللقاء المشترك الذي ضم عدداً من الأحزاب السياسية الفاعلة في الوطن ، وبقيام تحالف المشترك تغيرت موازين القوى ، ودون شك فقد كان لحرب صيف 1994 م أثرها حيث لم تخمد نيرانها ، فقد خرج الحزب الإشتراكي وقيادته من المعادلة في السلطة والثروة ، وكانت الوحدة المباركة قد قامت على أساس التساوي ووفقاً للدستور والديمقراطية والتعددية الحزبية ، غير أن قيادة الحزب الإشتراكي بعد الحرب غادرت المسرح مما جعلها تطالب بفك الإرتباط والإنفصال عن الوطن الأم ، لعب الحراك السلمي في جنوب الوطن دوره الفاعل في ذلك رغم أ ن الحزب الإشتراكي هو الذي وافق يوم 21 مايو 1990 م ، على الوحدة الإندماجية والفورية هروباً من الظروف التي كان يعيشها جنوب الوطن جراء إنهيار الإتحاد السوفيتي ( السابق ) وتفكك المعسكر الإشتراكي كلياً ، فضلاً عن مخلفات حرب 13 يناير 1986م بين الرفاق في الحزب الإشتراكي اليمني .

وخلال الأعوام الماضية واجهت البلاد تداعيات شتى أهمها تنظيم القاعدة الذي واجهته الحكومة بكل قوة وكذا الحروب الستة التي خاضها الجيش المركزي للدولة مع جماعة الحوثي في شمال الوطن والتي كان من نتائجها أن كانت الغلبة للحوثيين على جيش الدولة ، وما كان يخطر ببال مسؤول أن تتمكن مجموعة من الخارجين على النظام والقانون الإنتصار على الدولة التي إستخدمت كل عتادها وقواتها العسكرية البرية والجوية .

هذه الأحداث والتطورات شكلت أبعاد حقيقية لمدى مكانة الدولة وماهيتها وقدرتها على الصمود والثبات إلى أن جاءت تسوماني ثورات التغيير التي إندلعت في المنطقة بداية في تونس الخضراء ومروراً بمصر الكنانة متدحرجة بنيرانها إلى اليمن السعيد ، وليبيا والبحرين والأردن وسوريا ، ونظراً للظروف الإقتصادية الخانقة في بلادنا وإرتفاع مستوى المعيشة وإنتشار البطالة وعدم إستيعاب الدولة لخريجي المعاهد والجامعات فقد خرج شباب التغيير إلى ساحة جامعة صنعاء وفي أنحاء اليمن يطالبون بإسقاط النظام ثم برحيل الرئيس علي عبد الله صالح الذي يكن له شعبنا التقدير والإحترام وأنه كان على إمتداد السنوات الماضية صمام أمان الوحدة اليمنية ، غير أن الوضع اليوم أمام الحشود الغفيرة التي طالبت وطالبنا معها خلال السنوات الماضية بضرورة إدخال الإصلاحات الإقتصادية والسياسية والإجتماعية ولأن هذه المطالب التي أجمع عليها عامة أبناء الشعب لم تؤخذ في الإعتبار ، ذلك أدى إلى تفاقم الأزمات بمختلف مسمياتها على نحو سريع ، فسارع شباب التغيير إلى الإعلان عن قيام ثورة التغيير السلمية التي تضم في صفوفها كل أطياف المجتمع اليمني من طلبة وعمال وأساتذة ومن الجيش وأصحاب مهن مختلفة بما في ذلك أحزاب التحالف المشترك ، ومما يندى له الجبين إرتكاب المجزرة الدموية على يد القناصة يوم الجمعة 18 مارس 2011م ، التي أضرت بسمعة اليمن محلياً وإقليمياً ودولياً ، بل كانت هي القشة التي قصمت ظهر البعير ، حيث أن تلك المجزرة قد ساهمت إلى حد كبير في تأجيج عواطف مشايخ اليمن الكبار وقادة الجيش وعدد من الوزراء في الحكومة وعدد من سفراء اليمن في الخارج ، كل هؤلاء قدموا إحتجاجاتهم وإستقالاتهم وتضامنوا مع شباب التغيير وأنضموا إلى صفوفهم ، وما حدث في صعدة وتسلم فارس مناع أمور محافظة صعدة وعما قريب محافظات مجاورة بل أن محافظات في جنوب شرق اليمن هي الأخرى بدأت تتداعى وهي في طريقها للإنفصال ما كان يمكن حدوث ذلك لولا غياب الدولة ، كل هذا ينذر بالشؤم والعواقب التي قد لا يحمد عقباها ، والجديد هو إصابة ما يزيد عن 1300 متظاهر في مدينة تعز يوم الأحد 3 أبريل الجاري ومقتل ما يزيد عن 17 شخصاً ومثله في الحديدة مساء اليوم نفسه وكذا يوم الإثنين 4 / 4 / 2011م .

 وهكذا فإن الأوضاع في صنعاء بل في أنحاء اليمن لم تعد تبشر بالإطمئنان لعدم إستقرار الأوضاع السياسية والإقتصادية ، والمؤسف أن الرئيس علي عبد الله صالح قدم كما قدم المشترك والخيرين من أبناء الشعب مجموعة من المبادرات بهدف إخراج البلاد من أزماته ، جميعها لم يكتب لها النجاح ، وهكذا فإن البلاد لم تعد تمر بأزمة واحدة ولكن بمجموعة من الأزمات هي في غاية من الخطورة وأصبحت اليمن كما سماها مسؤول بريطاني ومراكز البحوث " دولة فاشلة " ، مما يتطلب من الجميع حكاماً ومحكومين ، سلطة ومعارضة ، العمل على إنقاذ اليمن من أزماته ومما هو مرسوم ومخطط له ، وكما سبق أن قلنا أن الوقت لا زال متسعاً وإن كانت الأمور لم تعد ترضي أحداً في الداخل والخارج بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية التي بدأت تطالب بنقل السلطة سلمياً ، وأعتقد جازماً أن الرئيس علي عبد الله صالح بإمكانه وبحكم مهارته ودهائه السياسي أن يرفق بشعبه وأن يخرجه إلى بر الأمان بحيث يجنب اليمن الفتنة والدمار ، وهذه الدعوة هي كذلك لمشايخ البلاد وعقالها وعلمائها وأساتذة الجامعات وأولاً وأخيراً إلى ثورة الشباب السلمية أصحاب المصلحة الحقيقية في الثورة ، وعلى اليمن واليمنيين الإتعاظ بالسوابق والإستفادة من الدروس من تونس ومصر والحرب الأهلية الجارية الأن في ليبيا الشقيقة التي أكلت الأخضر واليابس !

أسأل الله سبحانه أن يحكم الأخ الرئيس وعقال اليمن أنفسهم وأن تسموا مصلحة اليمن على المصالح الذاتية ،،،

حفظ الله اليمن وجنبها الفتنة التي إن حدثت لا سمح الله ، ستؤدي إلى تقسيم وتمزيق اليمن إلى مخاليف وليس إلى دويلات !

والله من وراء القصد ...

* رئيس المركز اليمني للدراسات الدبلوماسية والعلاقات الدولية..

    

                               

إقراء أيضا