الرئيسية المقالات مدارات اليمن : جمعة الشهيد إبراهيم الحمدي
اليمن : جمعة الشهيد إبراهيم الحمدي
د. مخلص الصيادي
د. مخلص الصيادي

قدمت حركة الشارع اليمني الثائر على نظام "علي عبد الله صالح" معنى دقيقا لطبيعتها تجلى في اختيارها لأسماء جُمعها، والحق أن التسميات التي أطلقت على هذه الجمع، من يوم انطلاق هذا الحراك الشعبي قبل ثمانية أشهر، تستأهل دراسة خاصة، تكشف الصلة بين الأسماء المعتمدة للجمع، والاستهداف المرتقب من هذه الجمع، بل والمعاني التي تشع من هذه التسميات.

وقد تكون مثل هذه الدراسة متاحة في وقت لاحق، لكن استوقفتني الجمعة الأخيرة من شهر سبتمبر، والتي أخذت تسمية "النصر لشامنا ويمننا"، فقد رأيت فيها معنى مختلفا، وروحا كنا نتطلع إليها من بعيد، ولا نكاد نلمحها، قصورا منا كمراقبين، أو اختلافا في تقدير الأولويات بين الحراك الشعبي، وبين من يتابع هذا الحراك عن بعد.
لكن حين جاءت تسمية الجمعة الأولى من هذا الشهر باسم " جمعة الشهيد الرئيس إبراهيم الحمدي"، بانت تجليات التسمية على أوضح صورها، فنصر الشام واليمن، ليس مجرد شعار يجمع بين حراك شعبين في بلدين، وإنما تعبير عن انتماء وانحياز إلى خيار الوحدة والقوة والتاريخ والهوية بين هذين الشعبين وهذين الإقليمين، ولا يقتصر الأمر على اليمن والشام/ وإنما يمتد إلى الأمة كلها.
 فالشهيد الحمدي كان مشروع نهوض وثورة وتغيير في اليمن والمنطقة كلها، كان مشروع ارتباط بالأمة العربية وتطلعاتها، كان مشروع عدالة اجتماعية، وتنمية، واستقلالية.
وقد يكون معروفا أن الحمدي في مرحلته كان يمثل الوجه الناصري القومي في اليمن، وكان يعتبر جزءا أصيلا من حركة هذا التيار وتطلعاته، لكن حينما تسمى جمعة من جمع الثورة الشعبية اليمنية باسمه فإن هذا يعني أن مكانة الحمدي وما يمثله من رمز ومشروع واستهداف تغير ارتفع ليكون ممثلا للحراك الثوري اليمني كله.
من المؤكد أن حراك الشارع اليمني وثورته، ليست من صنع القوى الناصرية أو القومية، وإن كان وجودها فيه غير منكور، لكن في حراك هذا الشارع كل أطياف الحياة السياسية اليمنية التي تعارض وترفض نظام على عبد الله صالح وما يمثله هذا النظام في الداخل اليمني وداخل الإقليم العربي ، وعلى المستوى الدولي.
وحين تعلن جمع باسم الحمدي يعني أن هذه الثورة تتطلع إلى مشروع الحمدي الوحدوي، إلى الهم الذي كان يحمله الحمدي ويتطلع إلى تحقيقه، إلى مفاهيم العدل والحرية والتقدم والانتماء إلى هذه الأمة ودينها وعروبتها، ويكفي هذا التطلع عنوانا يوفر تلاحما حقيقيا قويا بين أطراف هذا الحراك الثوري .
واعتماد هذه التسمية، يعني إضافة إلى ما سبق، موقفا من حكم على عبد الله صالح، لأن صالح هو الذي عمل مع المقدم أحمد حسين الغشمي على اغتيال هذا القائد غدرا في 11 أكتوبر 1977، تنفيذا لتوجيهات خارجية وارتباطات إقليمية، كانت تخاف من خطورة ما يحمله الحمدي على المنطقة كلها، وكانوا يرون أن الحمدي جاء في غير الزمن الموافق له ـ كانت الردة قد ضربت أطنابها في مصر ـ وبالتالي فإن التخلص منه يكون بذلك ليس فقط ضروريا، وإنما يسيرا، وهكذا كان.
وإطلاق جمعة باسم الحمدي هو كذلك استعادة لأرواح الشهداء الذين سقطوا دفاعا عن خيارات الحمدي من رفاقه الذين أرادوا أن ينقضوا على قاتله، ففشلوا فكان مصيرهم القتل، وأنا هنا أشير إلى الشهداء الواحد والعشرين، العسكريين والمدنيين الذين قتلهم نظام على عبد الله صالح اثر فشل ثورتهم في الخامس عشر من اكتوبر عام 1978،
أنا أتحدث هنا عن الشهيد عيسى محمد سيف، وسالم محمد السقاف، وعبدالسلام محمد مقبل، وإخوانهم من قادة التنظيم الناصري من المدنيين والعسكريين وقد بلغ تعدادهم واحدا وعشرين شهيدا.
ولعل هذه المعاني كانت واضحة دائما للقوى الدولية والاقليمية، لذلك بنيت كل مبادراتها على فكرة إبقاء النظام، وتغيير القيادة التي تصر الحركة الشعبية على تغييرها استباقا ومحاولة لإجهاض الثورة، ويمكن أن يقال الكثير عن التواطؤ الدولي الإقليمي راهنا مع نظام صالح.
إن الشعب اليمني يقدم الحمدي نموذجا مناقضا لشخص صالح ولحكمه ولقيمه، ويؤكد إصراره على هدم نموذج صالح وإعلاء نموذج الحمدي، وكفى بهذا وضوحا للثورة وحركتها، وقواها. فتحية للشعب اليمني، وتحية لخياراته الثورية.
الشارقة
7/ 10 /2011 د. مخلص الصيادي

إقراء أيضا