Home News Locally

اليمن الفيدرالية في ربيع الشرق أوسط الكبير

اليمن الفيدرالية في ربيع الشرق أوسط  الكبير

عبق من الذكريات الرصينة يجمع قهوة أمي بنكهتها العدنية وهبات نسائم أطلنطية يزدهي بها صباح اليوم الأول من كانون ومعاً يقرأن حكاية شعب حاك مجداً  بين الحقيقة والأسطورة.
عصفاً في الذاكرة يتجلى في مداه مشاعل شعب تشع بفجر يومٍ هب فيه اليمانيون هبات السباع لاقتحام الحاجز التاريخي انتقالا بيمننا من واقع عشناه فعلاً إلى واقع ما كنا نعيشه إلا حلماً وأملاً يلوح في الأفق البعيد.
اتحاد الطلبة في جامعة تعز في هذا اليوم من كل عام يدعونني وزملائي في برلمان إقليم تعز لمشاركتهم طقوسهم الاحتفائيه وتعلم أمي أنه يوم لن أحضر فيه جلسة البرلمان فتقبلني وفي وجهها الرضى وكفيها مرفوعان للدعاء.
الذهاب إلى الجامعة في هذا الصباح الندي من العام 2010م يبعث في الأعماق مشاعر أخرى تجمع ما بين الغبطة والحسرة سيما وإن تذكرت سنوات الحلم تلك التي انتزعنا فيها قدراً من العلم تحت هراوات العسكر ووطأة المخبرين من أعضاء هيئة التدريس الجامعية وأكيداً يأتي اعتقادي أن الأجواء العسكرية التي خيمت لعقود على أقاليم دولتنا الاتحادية بجامعاتها ومؤسساتها وحياتها العامة انقشعت عند ذاك التحول الجذري والانتقال التاريخي من دولة الحاكم العسكري الأوحد إلى دولة الحاكم المدني والأقاليم المدنية هذه المجبولة بنظام الشفافية والحكم الجيد وفي ظلها تجسد الديمقراطية الحقة وفقاً لبديهيات الأشياء.
شيء من القلق المشروع شاب اعتقادي إذ رأيت طقماً عسكرياً كالذي رأيته في المنام يمر متبختراً على مقربة من سور الجامعة والطلبة المارون يصوبون نحوه نظرات ازدراء!!. انه منظر يتعارض وحقيقة الدولة المدنية ويتمادى في مخيلتي موغلاً في شتات الماضي ليعثر بين أنقاضه عن سؤال وإجابة، وثيقة تعود للعام 2006م تحمل في طياتها لقاءاً صحفياً جمع صحيفة البلاغ الأهلية بالأستاذ /عبدالله سلام الحكيمي رئيس دولتنا الاتحادية. كنت أنا طالباً في كلية الحقوق أحلم وزميلتي ليلى وآخرون من رفاق الحلم بدولة اتحادية مدنية كالتي يحلم بها الأستاذ وهو مطارداً خارج وطنه من أجهزة المخابرات التابعة للجنرال صالح.
الأستاذ أكد حينها أن من ثبت علاقته مع أجهزة المخابرات من القضاة وأعضاء هيئة التدريس الجامعية وجب فصلهم فوراً وقد كان يبدو أن حديثه  للبلاغ أشبه بسجال غير مباشر مع الجنرال صالح في وقت كان الأستاذ ينوي الترشح للرئاسة حاملاً لوطنه برنامجاً سياسياً يكسر الحاجز التاريخي للحكم بنظام اتحادي ديمقراطي برلماني هذا الذي نعيشه اليوم حقيقةً لا حلماً .
اليوم وقد تحقق الحلم في ظل حقيقة أكيده تم إلغاء وزارة العدل أداة التدخل المخل بنزاهة واستقلالية القضاء  ومعها الغيت المحاكم الاستثنائية وأسقطت الأحكام  الظالمة بحق سجناء الرأي والتعبير والنشر وفي المقدمة منهم سجيني الرأي /يحيى الديلمي، ومحمد مفتاح.
وأصبح القضاء سلطة مستقلة تدير شئونها بنفسها لتكون عن جدارة الجهة المخولة لإدارة العملية الانتخابية بالبلد.
وفي ظل الحقيقة الأكيدة تم إلغاء ملكية الدولة لوسائل الإعلام  وتهاوت بالتالي وزارة الإعلام وتبخر شيء أسمه قانون الصحافة وليس هناك من عقوبات مفروضة على حرية الرأي والتعبير والنشر وأدركنا روعة أن ترى رئيساً للدولة من إقليم تعز ونائب له من إقليم عدن ورئيس للحكومة من إقليم حضرموت ومن إقليم صعده هذه المثخنة بطعنات النظام السلفي الدموي السابق يصعد يحيى بدر الدين الحوثي رئيس للسلطة التشريعية وجميعهم تم انتخابهم من الشعب.
بل وتتجلى عظمة كانون العظيم أن ترى إمراه ترأس مجلس القضاء الفدرالي وقد كان قبلاً لايسمح للمرأة أن تتولى القضاء.. لذا ما عاد ممكن بعد هذا التقدم المذهل والتحول الجذري أن نسمح بتواجد رجالات الأمن على مقربة من أسوار الجامعات بل وفي كل مظاهر حياتنا العامة  ولن نقبل بعد طول عناء وتضحيات جسام أن يتصل القضاة وأساتذة الجامعات بأجهزة المخابرات.. كلا أيها الأستاذ الرئيس هيهات هذا أن يكون.
فالمظاهر العسكرية وسلطة المخابرات والإرهاب والاغتيال السياسي جميعها  من شيم النظام البائد لعصابة قطاع الطرق تلك التي ظلت لعقود حاكمة شمال اليمن ومحتلة جنوبه الأغر.
 
2
في المساء من يوم أمس يبدو لمتابعي شاشة (إرم) قناة شباب حضرموت المهندس حيدر العطاس رئيس إقليم حضرموت في محاضرته للطلبة كما لو أنه يقارن بين نظامنا الاتحادي البرلماني الحديث ونظام عصابة أثرياء الحرب التي استنزفت ثروات حضرموت وغيرها من الأقاليم لما يمكنها من صمود أطول في وجه ربيع التغيير في المنطقة العربية ومقاومة أصلف للشرق الأوسط الكبير هذا الذي لم يكن سراباً  أو ضرباً من الوهم فلدولتنا الفدرالية دوراً محورياً في السوق شرق أوسطية بعد أن اجتث ربيع التغيير أنظمة الحكم الاستبدادية تلك التي قهرت شعوبها في عالم الشرق أوسط الممتد من اليأس إلى اليأس.
مقارنة العطاس ترتبط بالذهن بمقارنات كان يعقدها الجنرال المخلوع بين نظام عصابة هو يرأسها  والنظام الملكي القديم لآل حميد الدين واضعاًًً في مقارناته وجود شبكة الانترنت والهاتف النقال في عهد حكمه وانتفائها أبان حكم آل حميد الدين  في الخمسينيات من القرن العشرين .
مسافة البون شاسعة ولا تجوز المقارنة بين نظام تحقق في ظله مبدأ المشاركة الشعبية الفعلية للسلطة وبين نظام عصابة تحالف فيها الحاكم والقاتل والمفتي وأحقاد القبيلة عصابة واحدة تخطط وتنفذ وتعزي بل وتصلي على قتلاها جنابة.
لا تجوز المقارنة بين نظاماً مستمداً من جذور هويتنا وشخصيتنا الوطنية المتكونة عبر تاريخنا القديم والوسيط  والمعاصر وبين عصابة الجبل التي استماتت في بسط نفوذها خلافاً لمنطق التاريخ والجغرافيا.
لا وجه للمقارنة بين نظام دولتنا الاتحادية المدنية هذه التي جعلت من اليمن ملجاً آمناً لكل المنادين بالحرية والحقوق العادلة لأوطانهم وشعوبهم ودوحة جاذبة للمستثمر المحلي والأجنبي وبين نظام صنعاء البائد هذا الذي حول اليمن مرتعاً خصباً للإرهاب والارهابيين يأويهم ويعيد تصديرهم إلى هنا وهناك من بلدان العالم وبالقهر السلطوي نهب عشرات المليارات من الدولارات واكتنزها في بنوك الخارج واغتصب عقارات وأراضي وممتلكات نقدية وعينية لم يكن من السهل استرجاعها لولا أن لجأنا إلى القضاء الدولي .
إن نظام دولتنا الاتحادية المدنية لم يكن الطريق إليها معبداً أو مفروشا بالورود بل كان أشبه بعملية جراحية كبرى استأصلنا فيها إمراض مزمنة ترسبت عبر تاريخ متلوم بالمأساة .
من هنا كان الأحرى برئيس إقليم حضرموت المهندس حيدر العطاس وهو يحاضر الطلبة أن يعلق بشي من التركيز على ذاك الذي  حدث في كانون ومواكبة هذا التحول التاريخي من تضحيات جسام بدأت سلسلتها بصبيحة اليوم الثاني من أسبوع العصيان المدني عندما حوصرت جامعة صنعاء بالجحافل العسكرية لسلطة تلفظ أنفاسها الأخيرة وهي على شفير الفناء وكيف أن طلبة الجامعة وقادة الفعل السياسي والمدني ومواكب الشعب شقوا الخطى وسط القصف الرهيب إلى قصر الرئاسة لتداول النظام السياسي وسلطة الشعب من ديكتاتور أرعن لايؤمن بالسلم ولا يجنح إلا للذخائر.
 لقد كان يوماً تاريخياً عصيباً ذاك المتوج بقافلة السندس الأخضر لثوار رومانسيين قتلوا على امتداد الطريق المؤدي إلى وطن التقسيم العادل للسلطة والثروة وطن يملك فيه الشعب سلطته الفعلية هذا الذي نعشقه اليوم حتى الثمالة .
 
3
الأستاذ يحيى بدرالدين الحوثي رئيس البرلمان الفدرالي في خطابه يوم أمس  أمام المفوضية الفدرالية  لصيانة الدستور استعرض أوراق من ملف صعده  التي أذاقها النظام الأسبق حرباً عدوانية أشبه بالابادة وبإشراف الجنرال المخلوع نفسه وكيف أن تلك الحرب العدوانية الظالمة قد خالفت بالمطلق أعراف وقوانين ومعاهدات الحرب وبالمقدمة منها إتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها فضلاً عن مبادئ الشريعة الاسلامية والمبادئ الانسانية؟؟ الأستاذ وقد قال صواباً كان عليه أن يذكر بمن إستبسلوا في الدفاع عن صعدة قتلاها وسجناءها أولئك الذين سكنتهم رصاصات الحقد التاريخي من سلطة ظلامية تأبى أن ترى النور لتحصد أرواح رواد التنوير والتغيير في البلد من أمثال الشهيد محمد عبدالملك المتوكل سليل المملكة المتوكلية هذا الذي سطر بدمه جملة عظيمة هي (الحرية وحق تقرير المصير) والمناضلة الحقوقية أمل الباشا صاحبة المقولة المشهورة (أيتها الديمقراطية كم أرتكب الديكتاتور بإسمك من جرائم) وله أن يذكر بشيء من الفخر أولئك الذين قتلوا وفوق هاماتهم يرفرف علم دولتنا الاتحادية وقدموا مشهداً كربلائياً رائعاً تحقيقاً للأمل الذي  أزهر في جوانحهم وغير مجرى التاريخ.......
 
 ملاحظه’’ هذا المقال شاركت به في مسابقة تقيمها منظمة همزا الامريكية في الشرق الاوسط ولم يحالفه الفوز، وهو عبارة عن حلم مؤجل  يتحقق في العام2010م .  أهديه إليكم مع خالص التحية والتقدير