مطلع السبعينيات، وفي شارع تعز الوحيد: شارع ٦٢سبتمبر، عرَّفني صديقي أمين قاسم محمد برجلين؛ الأول استقبلنا بهدوء وسلم علينا بطريقته الحنونة والمحببة إلينا، إنه الوالد الأستاذ هاشم علي عابد أطال الله بعمره. قال صديقي: هذا الأستاذ هاشم رئيس تحرير صحيفة »مأرب«.
أما الرجل الثاني، فقد شدني إليه بوقفته العسكرية وبمئزره المشدود، وشاربه الرجولي، وسلامه الحار، وبنبرة صوته التي ظلت ترن في أذني الى اليوم، وستظل كذلك ما حييت. قال صديقي: وهذا المناضل عبدالقوي العربي (تغمده الله بواسع رحمته، وألهم أهله ومحبيه وكل شرفاء هذا الوطن الصبر والسلوان).
هكذا كان لقائي الأول بذينك الرجلين اللذين ارتبطت حياتي بهما الى الآن، وإلى آخر عمري بإذن الله.
بعدها ظل تواصلي مع الأول في الخارج، وانقطعت مع الفقيد الراحل، ولكن بمجرد العودة، ورغم السنين الطويلة، ورغم معرفتي به وأنا صغير السن، إلا أني فوجئت أن هذا القائد وهذا الفدائي، وهذا العربي الأصيل مازال يذكرني ويذكر اسمي.
ومن أول أيام الوحدة كان رمزاً لنا بالصمود، وبالتمسك بالمبادئ، ونكران الذات، ورفض الخضوع، ورفض المتاجرة بالمبادئ أو بالقيم، رغم العروض التي قدمت له.
كان الفقيد عبدالقوي العربي دائم الحضور لاجتماعات اللجنة المركزية، رغم بعد المسافة، وتقدم العمر والمرض، إلا أنه كان يسبق الجميع لحضور الاجتماعات، ومازال صوته يدوي في آذاننا؛ صوتاً يرفض التخاذل، يرفض أنصاف الحلول، يرفض المجاملات، يرفض المتاجرة بمبادئ التنظيم، أو التنازل عن أي موقف من المواقف التي يؤمن بها.
ظل عبدالقوي العربي مخلصاً للتنظيم وللمبادئ الناصرية والفكر الناصري الذي ضحى بكل ما يملك في سبيله. بل إن حياته كانت دائماً مهددة بسبب المبادئ التي يؤمن بها. ظل وفياً لكل إخوانه من مناضلي التنظيم، رغم اعترافي أنا وكثير من الإخوة بتقصيرنا تجاه الوالد الفقيد عبدالقوي العربي. ولن أبحث عن عذر لي ولإخواني عن هذا التقصير.
رحم الله الوالد المناضل عبدالقوي العربي، ونسأله أن يسكنه فسيح جناته. إنا لله وإنا إليه راجعون.