Home News Arabic and International

" ولايات السلطنة الأمريكية "

" ولايات السلطنة الأمريكية "

تماماً كما ظل الوطن العربى كله ، ردحاً طويلاً من الزمن خاضعاً ومقسماً الى ولايات وإيالات وخيانات تابعة للسلطنة العثمانية ، يعين ولاتها ويعزلون بفرمان يصدر عن الباب العالى فى القسطنطينية .. فإنه يجرى على قدم وساق ، وبتخطيط محكم وخطوات لم تتراجع أبداً ، إعادة هذا الوطن الى حالته التى كان عليها قبل المشروع النهضوى العربى الذى قاده جمال عبد الناصر .. ولكن يتعين هذه المرة أن يكون مقسماً الى ولايات وإيالات وخيانات تابعة للسلطنة الأمريكية ، يعين أيضاً ولاتها ويعزلون بفرمان يصدر عن الباب العالى فى واشنطن ، ولا نقول ـ حتى الآن ـ عن الباب العالى فى تل أبيب !! .
وتماماً كما دخل القائد العثمانى " جمال باشا السفاح " الى دمشق ليحتلها ويكسرها ويخضع الشام كله . وفى سبيله لذلك أجرى أنهاراً من الدم فى شوارعها ، وقطع رؤوس الشهداء وعلقها على مداخل الشوارع والحارات ، حتى اكتسب لقب السفاح عن جدارة .. فإنه وبتطابق مذهل ، دخل القائد الأمريكى " بول بريمر " بغـداد ليحتلها ويكسرها ويخضع العراق كله . وفى سبيله لذلك فقد أجرى فى شوارعها أنهاراً من الدم مازالت تفيض حتى كتابة هذه السطور . وقطع رؤوس الشهداء ودفن جثامينهم فى مقابر جماعية غطت أرض العراق كله .
هـذا هو المستقبل الذى ينتظرنا ، وذلك هو الخطر الداهم الذى سوف يحدق بنا .
وأول الخطر و" أخطره " هو فقد الثقة بالنفس وبالقدرات ، والإستلاب والخضوع والخوف والإتباع ، والتنحى عن المبادرة ، والقعود عن أى فعل .. حينها تخور القوى ، ويزوغ البصر ولا يعود قادراً على إبصار فريضة المقاومة ، وهدف الخروج من شرنقة العجز .
والمشهد الحى الذى يجسد تلك المعانى هو مشهد دحر العدوان الصهيونى على الأرض العربية فى لبنان فى يوليو 2006 . لقد جاءت المفارقة الصادمة حين حشد العدو قواه ليكسر ذراعاً لهذه الأمة مقاوماً ونبيلاً ، هو " حزب الله " الذى تصدى للعدوان بكل البسالة والبطولة ونبل الشهادة دون الوطن . حتى تمكن هذا الذراع المقاوم من أن يخط فى تاريخ هذه الأمة الأبية صفحتين ، واحدة حين تصدى للعدوان ونازله منازلة الموت على مدى أربعاً وثلاثين يوماً متصلة ، والثانية حين أجبر العدو على أن يعترف علناً وصراحة أنه الطرف الذى هزم فى المنازلة ، والذى أجبر على أن يجر أذيال الخيبة والعار ، وينسحب منهزماً من أرض تحرك وحشد قواه ليحتلها .. وكان ذلك هو الجانب الأول من المفارقة الصادمة .
بينما كان الجانب الثانى منها ، أن معظم حكام الولايات العربية التابعة للسلطنة الأمريكية حاولوا كسر هذا الذراع المقاوم ، فانطلقت ألسنتهم وأبواقهم تتهم الأبطال المقـاومين بأنهم " مغامـرون يريـدون توريـط العـرب فى حـرب لم يستعـدوا لها "
                                                ( 2 )

ـ كأنهم استعدوا أو حاولوا أن يستعدوا أو سوف يستعدون لمثل هذه الحرب ـ وأن هؤلاء المقاومون يحاولون اغتصاب السلطة " الشرعية " فى لبنان ـ كأن السلطة فى لبنان ليست فى  قبضة أمراء الحرب والخيانة فيه ، فما زال أبنائهم وتابعيهم وبقايا الحرب الأهلية منذ ثلاثين عاماً يصولون ويجولون ولا يرعـووا من الإستقواء علناً مرة بالعدو الصهيونى ، ومرة بالعدو الأمريكى ، وثالثة بالأمم المتحدة الأمريكية !! . هؤلاء الذين هم سلالات من ذبحوا المقاومة الفلسطينية فى لبنان ، يستديرون اليوم ليذبحوا المقاومة العربية فى لبنان .. هنا كانت المفارقة صادمة للشرفاء ، مجللة رؤوس الخونة وأمراء الولايات والإيالات والقبائل بعار أسود لا ينمحى .. وكان لابد للمعتدين ولحكام الولايات العربية التابعة للسلطنة الأمريكية من أن يلعبوا لعبة قديمة جديدة ، لكنها تطفح اتساخاً وقذارة من لاعبيها ومن الذين روجوا لها ، ومن الذين تفرجوا وهم صامتون .. تلك هى لعبة الشحن المذهبى العقيم المغرض . ومن ثم ، لم يكن غريباً أن يحاول هؤلاء المعتدون والخونة الذين حازوا " شرف " استقبالهم ، صرف النظر عن العدوان الصهيونى الهمجى البربرى الوقح ، باطلاق حناجر وأبواب الإعلام المرتزق ، للتخويف من خطر " الهلال الشيعى " الذى رأسه إيران ، ومن طلائعه " حزب الله " .. وفجأة تطـفـو على السـطح قـضية فاسـدة ومغـرضة ومدسوسة ، هى قضية السنة والشيعة ( ! ) .
ولم تنطلى اللعبة القذرة ولاعبيها المتسخون بوحل الخيانة ، على جماهير الأمة العـربية وفى القـلب منها الجماهير العـربية فى لبنان .. وضم إطار المقاومة الباسلة كل أطياف الشعب اللبنانى بما فيه الإخوة المسيحيون ، فى مشهد تاريخى ارتفع بالجميع الى ذرى أعلى من أى انتماء مذهبى أو طائفى .. وبدا الوطن هو الإنتماء الأعلى والأكبر .. والأقـدس . 
وجرت حوارات ونقاشات وثرثرات طويلة وعقيمة ، فى طول الوطن العربى وعرضه حول هذا المشهد ودروسه ودلالاته . الى أن صدر عن العدو الصهيونى ، ماعرف بـتقرير " لجنة فينوجراد " التى بحثت وفحصت ودققت كل شاردة وواردة تخص هذا المشهد ، ثم أعلنت دون لبس أو مواربة :
" إنه مما لا يقبل أى شك ، أن الجيش الإسرائيلى قد هزم فى محاولته غزو جنوب لبنان فى يوليو 2006 نتيجة أخطاء جهل وعدم كفاءة من كل من رئيس الوزراء ووزير الدفاع " . لقد طال الخطأ والجهل المؤسستين المدنية والعسكرية . هنا فقط ابتلع حكام الولايات العربية التابعة للسلطنة الأمريكية خجلهم وخيانتهم ، وتواروا عن الأنظار .. ولآنهم يعلمون أن السبب الرئيسى للهزيمة التى أقر بها العدو ، هو مالم يصرح به تقرير فينوجراد ، ألا وهو الصمود الأسطورى للمقاومة الشعبية العربية فى لبنان . ، وبسالتها ، ووتائر قتالها العصرية العالية ، وأدارتها رفيعة المستوى للمعركة بكل أبعادها العسكرية والسياسية والنفسية .

                                       ( 3 )
المشهد الآخر فى سياق أداء حكام الولايات العربية التابعة للسلطنة الأمريكية ، هو المؤتمر الذى نظم وعقد مؤخراً فى مدينة " شرم الشيخ " فى مصر ، خاصاً بالعـراق .
وكانت تعليمات الباب العالى فى واشنطن ألا يتردد فى أجواء المؤتمر أو فى جلساته تعبير " الإحتلال الأمريكى للعراق " ، أو أى حديث مباشر أو غير مباشر عن جدولة انسحاب قوات الغزو والإحتلال من العراق .. وقـد كان . وكانت تعليمات الباب العالى ألا تثار بأى شكل أو مناسبة ، مسألة دخل البترول العراقى " من يبيع ومن يقبض ثمن ما تم بيعه ، وكيف ينفقه ؟ " .. وقد كان . وكانت التعليمات ألا تثار بأى شكل أو مناسبة ، مسألة " شبه الدولة " الكردية القائمة حالياً فى شمال العراق ، باعـتبار أن ذلك هو بداية التقسيم الفعلى له .. وقد كان . وكانت التعليمات أن يجرى التعامل مع وفد النظام الحاكم الآن فى العراق بأمر الإحتلال باعتباره نظاماً شرعياً يمثل العراق ، ولا يمثل قوات الإحتلال فيه .. وقد كان ، حتى أن الناطقين باسم المؤتمر كانا وزيرى الخارجية فى كل من مصر والعراق .
وكانت التعليمات أن الحديث الذى يوجه الى كل من سوريا وإيران ، أو ما يدور فى الجلسات التى يشاركان فيها ، يجب ألا يتجاوز طلب إغلاق كل منهما حدودها مع العراق ، لمنع المقاومين من الدخول إليه ، دون أى تطرق لموضوع المحكمة الدولية مع سوريا ، ولا لموضوع ملف إيران النووى .. وقد كان ، رغم المحاولة المفضوحة لوزيرة الخارجية الأمريكية لدق إسفين بين سوريا وإيران ، حين التقت وزير الخارجية السورى على انفراد ، بينما التجاهل كان كاملاً للوفد الإيرانى .

وكانت التعليمات ألا يتم التعرض للموقف الإسرائيلى مما عرف فى التاريخ السياسى للمنطقة بـ " مبادرة السلام العـربية " .. تلك المبادرة التى رفضها العدو بمجرد إعلانها ، وما زال يرفضها حتى الآن وسوف يظل ، رغم الترجى المهين والمذل الذى هم " العرب المعتدلون " غارقون فيه حتى شواشى رؤوسهم ، ولم يـقبل العــدو الفاجـر منهـم ، أى رجاء أو وفـود أو وساطات أو " تـسويـق " أبـله ( !! ) .. ليس لأن مبادرة الإستسلام العـربية فى غير صالحه ، ولكن لأنها لا تمنحه كل ما يتمنى .. وما يتمناه هو إسرائيل من الفرات الى النيل .. وليس أقل . وقد وعـى هــذا العــدو الدرس ، فعـلى قـاعـدة رفضـه الدائم ، يهرول إليه حكام الولايات العربية التابعة للسلطنة الأمريكية .. فلماذا العجلة ، والضعـف العربى يـقـربه يـوماً بعـد يـوم من هـدفـه الأعـلى والإستراتيجى ، مجاناً ، أوبكلفة لا تذكر .. وأيـضاً قـد كــان .
وكانت التعليمات أن يتم " تعـميد " وتكريس مصطلح " عرب معتدلون " ومصطلح " عرب متطرفون " ، وحمل المعتلون رايتهم بكل الخجل والإحساس بالجرم .. بينما حمل " المتطرفون " رايتهم بكل الفخر والشرف حيث هم متطرفون سافـرون ، ضد الهجمة الأمريكية الصهيونية السافـرة . 
                                          ( 4 )

لماذا إذاً ـ والحال هكذا ـ كان التنظيم للمؤتمر وعـقـده ، وأى عهد نصت عليه الوثيقة التى صدرت عنه بإسم " وثـيقة العهـد " ؟ .. من قال أو رفـض أو جرؤ على أن يعـترض على أى أمر تـم .. لا أحــد . هل تعاملت وزيرة الخارجية الأمريكية مع الوفدين السورى والإيرانى باعتبارهما وفدان مدعوان للمؤتمر ومشاركان فيه ؟ .. لم يحدث .. فما الذى حدث إذاً ؟ عومل هذين الوفدين كأنهما وجـدا فى شـرم الشيخ مصادفة حـين كانت وزيرة الخارجية الأمريكية تـمر من هناك ( ! ) . فلم تعـرهما الإهتمام الواجب ، وانصرفت الى حكام الولايات تـدبر معهم شئون ولاياتهم .
من الذى مول المؤتمر وأطعـم الوفـود وأسقاها ؟
إنه أنبوب النفط العراقى الذى يمتد من كركوك فى شمال العراق الى واشنطن على الجانب الآخر من المحيط الأطلسى ، ليصب ذهباً وماساً وخضوعاً فى خزانة الباب العالى ، ثم يتسرب التافه منه الى الولايات تحت مسمى " المعونات الأمريكية " . تلك المعونات التى تعود الى مانحها فى نفس سنة منحها .. والتى مجرد منحها لهو المبرر الأعلى للتوقيع على ما يطلبه الباب العالى ، دون مناقـشة أو اعـتراض .. أو تأخـير !! .

يا أبناء أمتـنا الأبــــية ..
هذين مشهدين فقط من مشاهد لا تحصى ، تجرى فوق الأرض العربية منذ سبعاً وثلاثين عاماً بعـد رحـيل رائـد المقاومة العـربية جمال عـبد الناصر .
لكن كـبد الحقيقة هـو أن التاريخ لم يحفظ أبداً لعدوان ولا لظلم ولا لخيانة ، دواماً .. بل أن دورات التاريخ تشهد كلها بانتصار الحق والعـدل فى النهاية ، وإلا لما حفـظت البشرية ذاتها ، ولا تنامت وتتابعت الحضاة الإنسانية ، ولا تكرست وترسخت أخـلاق وأنساق قـيم للخـير وللتحضر .. لقـد كان الشـر فى دورات التاريخ نـتوءاً واستـثـناءاً مؤقـتاً .. وهـكـذا بكل الأمل والثقة بالله والنفس والأمة ، وبطاقاتها وقدراتها التى بلا حد ، وبخبراتها فى النضال والمقاومة ، والتحدى والتصدى نؤكــد قانون المقاومة العـربية :
" إن العـدوان قائم ، والمعركة مستمرة ، وعلينا مسئولية المواجهة " .

                                     " الأمانة العـامة  المؤتمر الناصرى العـام "