Home News Locally

2006 سنة الحسم في اليمن

2006 سنة الحسم في اليمن

من المقرر أن تشهد الجمهورية اليمنية في شهر سبتمبر عام 2006 أول انتخابات رئاسية تنافسية في تاريخها قد تحسم قضايا كثيرة تمر بها البلاد.

ويخطئ من يظن أن الرئيس الحالي علي عبدالله صالح لن يرشح نفسه في الانتخابات المقبلة، كما يخطئ من يظن أن الرئيس لن يواجه منافسة قوية أو أنه يمكن أن يمضي باليمن بنفس المنوال الذي سارت عليه طوال السنين الماضية.

ويحاول الكثير من اليمنيين التكهن بما سيحدث على ضوء زيارة الرئيس الأخيرة للولايات المتحدة الأميركية حيث يفكر بعض رموز المعارضة اليمنية بالتمني أن أميركا أًصبحت ضد نظام الرئيس علي عبدالله صالح وستعمل على تغييره بجرة قلم، كما يظن بعض المقربين من السلطة أن واشنطن أصبحت في جيب الرئيس وربما أنها منحته الضوء الأخضر للتراجع عن قرار التراجع عن ترشيح نفسه وستعمل على دعمه وحمايته لعشرين سنة قادمة، والحقيقة ليست هذه ولا تلك.

الوحيد الذي يعرف حقيقة الموقف الأميركي هو الرئيس علي عبدالله صالح نفسه الذي أجتمع بالرئيس بوش على انفراد في أكثر من صالة من صالات البيت الأبيض وطاف به بوش في غرف خاصة لم يدخلها أي زعيم عربي حتى الآن، ولكنه في  الوقت ذاته امتنع عن الإشادة علنا بما يسمى في اليمن بالديمقراطية وما يسمى بالحرية، ولم يظهر حتى الرغبة في عقد مؤتمر صحفي إلى جانب الرئيس اليمني عقب المحادثات، بناء على توصية أجهزة أخرى لها رأي آخر بشأن اليمن قائم على وقائع محسوبة لا مجال للحديث عنها في هذه المساحة. كما أن التراجع عن قرار عدم الترشيح تم التمهيد له قبل مجئ الرئيس إلى واشنطن في لقاء صحفي جرى معه في اليابان ولم يكن نتيجة لزيارة واشنطن، فواشنطن لا يهمها من يرشح نفسه ومن لا يرشح نفسه بل يهمها من ينفذ السياسات التي لا تتصادم مع مصالحها، ولن تتعامل إلا مع من يستطيع أن يفرض نفسه محليا ويجد قبولا شعبيا، ومازال الرئيس علي عبدالله صالح يمثل أمرا واقعا لا تستطيع واشنطن أن تتجاهله رغم أنه يستمد قوته من ضعف الآخرين.

ولمعرفة ما جرى خلال زيارته لواشنطن لا أخفي على القارئ الكريم أني لا أثق بما صرح به الإعلام اليمني عن زيارة الرئيس، لأن المبالغات كانت مثيرة للسخرية خصوصا في موقع حزب المؤتمر الحاكم الذي اعتمد في التغطية على مندوب في مدينة جبن للحديث عن زيارة الرئيس لواشنطن. أما المعلومات المتسربة من الجانب الأميركي فكانت قليلة وكان علينا أن نعصرها عصرا كي نحلل مضمونها. وقد كنت على موعد بعد انتهاء الزيارة مباشرة مع سعادة السفير الأميركي في صنعاء الذي حضر اجتماعات البيت الأبيض والخارجية الأميركية واللقاءات الأخرى التي عقدت في بلير هاوس مع الرئيس علي عبدالله صالح. وكان السفير متشجعا جدا لعقد اللقاء والحديث عن نتائج الزيارة، على أن تتولى مسؤولة اليمن في الخارجية الأميركية ترتيب وقت المقابلة في اليوم التالي لانتهاء الزيارة. وبعد التواصل مع المسؤولة المختصة أوضحت لي بمنتهى الدبلوماسية أن السفير يحتفل بعيد ميلاد زوجته ومن الصعب عليه إجراء حديث صحفي قبل يوم واحد من عودته إلى صنعاء، ولكنها أحالتني إلى الناطق باسم الخارجية الأميركية.

موقف مسؤولي الخارجية كان معروفا تماما بالنسبة لي و كنت أفضل أن أسمع من السفير الأميركي نفسه لأنه الشخص الذي يعايش القضية اليمنية في الميدان ويهمني سماع رأيه، وقد أعتبرت أن تغيير رأيه في اللحظة الأخيرة وتفضيله عدم الحديث تصريحا كافيا يلخص الكثير مما جرى خلف الغرف المغلقة لأن ما لا يقال يحمل أحيانا معان أكثر صدقا مما يقال.

ولذلك سأكتفي هنا بما رواه مسؤول أميركي عما جرى في سياق تعليقه على موضوع تعاون اليمن في الحرب على الإرهاب وفي القضايا المتعلقة بالديمقراطية والإصلاح السياسي والإقتصادي، حيث قال " مشكلتنا مع الحكومة اليمنية أنها تتعاون في الحرب على الإرهاب ليس لأنها راغبة في ذلك وإنما لأنها لا تجد مفرا من التعاون، وهناك فرق في رأيه بين من يتعاون عن رغبة ومن يتعاون على مضض". وقال إن الأمر ينطبق على موضوع الديمقراطية والحريات والإصلاح السياسي والاقتصادي. ولم يكشف عن مستوى التعاون في الحرب السرية الدائرة على الإرهاب لكنه قال من السهل عليك أن تعرف مستوى هذا التعاون بقياسه على مستوى الإنجاز في موضوعي الديمقراطية والإصلاح. وقد وصل التعاون إلى ذروته مع وكالة الاستخبارات الأميركية عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر لأن الرئيس اليمني أراد حماية بلاده من ضربة مشابهة لما تعرضت له أفغانستان ولكن الصدق في التعاون بدأ يتراجع رويدا رويدا منذ ما بعد الحرب على العراق.

المسؤول إياه لم يكن يتحدث بغرض النشر ولذلك أجد نفسي مضطرا إلى عدم الكشف عن اسمه، ولكن كلامه يتضمن معلومات كانت غائبة عن كثير من المتابعين، وهو في موقع يجعلني أثق بأن ما يقوله صحيح إلى درجة كبيرة، وقد سألته في سياق الحديث عن تكهناته لمستقبل العلاقات اليمنية الأميركية فقال إن الرئيس علي عبدالله صالح عائد إلى بلاده وليس أمامه سوى خيار واحد وهو الإصلاح السياسي والاقتصادي، وعلى ضوء نجاحه في الإصلاح سوف تتحدد معالم العلاقة أما التراجع عن الإصلاح فيعني أن الطوفان قادم وستكون الولايات المتحدة أول الخاسرين لأن الفوضى في اليمن لن تكون خلاقة وإنما ستجعل من اليمن قاعدة جديدة للقاعدة.

الولايات المتحدة على ما يبدو ليست مع تفتيت اليمن أو انفصال الجزء الجنوبي من البلاد لتأسيس دولة تشتبك في صراعات مسلحة مع الجزء الشمالي وتزلزل استقرار المنطقة، ولكنها أيضا ترغب في رؤية الجنوبيين راضين عن مستوى مشاركتهم في الحياة السياسية والاقتصادية وإدارة دفة البلاد بحكم أن ثلثي مساحة اليمن أرض جنوبية ومن الإجحاف بحق الجنوبيين إشعارهم بالحزن والأسى على مافرطوا فيه أو ما يعتقدون أنهم فرطوا فيه، إضافة إلى أن حرب 1994 قصمت ظهر الوحدة الوطنية، ويحتاج الترميم إلى تضحيات كثيرة للحفاظ على الوحدة.

وجود رئيس جنوبي يحكم اليمن من الحلول المطروحة لتطمين الجنوبيين وإشراكهم جديا في صنع القرار، وإلغاء النعرات الإنفصالية للأبد. ولكن لنكن واقعيين ونعترف بأن القرار السيادي في البلاد مازال مرتبطا حتى الآن بشخص الرئيس علي عبدالله صالح بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة ويسيطر على قوات الأمن والاستخبارات مباشرة ويتحكم في مفاصل صنع القرار وليس من السهولة أن يقدم السلطة على طبق من فضة أو ذهب لأي شخص آخر سواء كان من الجنوب أو من الشمال.

ولكن يمكن التوصل مع الرئيس علي عبدلله صالح بالتعاون مع القوى الوطنية في البلاد إلى حل وسط يعتمد على جدية الرئيس في الإصلاح بما يكفل استمرار القرار السيادي في يده. ولا يتضمن الحل التنازل عن السلطة بقدر ما يقتصر على التنازل عن بعض صلاحياته الواسعة التي لا تترك له مجالا لتنسم لحظات الحياة الطبيعية المريحة ولا تترك للبلاد مجالا لممارسة  حياة طبيعة يتخذ فيها أشخاص آخرون القرارات غير السيادية بسرعة وسلاسة. نريد من الرئيس أن يدرس التجربة التركية في الديمقراطية الحقيقية و يترك لنا نحن اليمنيين مهمة تنظيف شوارعنا وتنمية بلدنا وترتيب بيتنا وتحسين الخدمات الصحية والتعليمية والقضائية وكل أمر لا يتعلق بالسيادة والأمن والجيش على أن ندفع له ثمنا محددا مقابل ذلك، وهذا الثمن هو نسبة معينة من الثروة تكفي للصرف على الأمن والجيش والقصر بحيث يكتفي بها الرئيس ولا يتدخل في شؤؤننا الأخرى بل يترك لنا حرية انتخاب رئيس وزرائنا بأنفسنا بحيث نستطيع محاسبة رئيس الوزراء على كل الاخفاقات، كما نريد الحق في انتخاب أمين عاصمتنا وكل محافظي المحافظات كي نتمكن من محاسبتهم إذا أخفقوا أو إذا أفسدوا وبهذه الطريقة يكون ولائهم لنا وليس للرئيس وسوف يحاولون بجد العمل على إرضاء ناخبيهم قبل إرضاء الرئيس لأن الناخبين هم أصحاب القرار في إبقائهم في مناصبهم. وبهذا الحل نريح الرئيس من اتهاماتنا له بالإخفاق وندير شؤون أنفسنا بأنفسنا وفقا لنظام متفق عليه يقي اليمنيين من مخاطر المواجهات والصراعات التي تلوح في الأفق وستؤدي حتما إلى تفتيت البلاد.

وإذا لم يكن لدى الرئيس استعدادا للتنازل عن جزء من صلاحياته اليومية التي تنهكه وتنهكنا فلن نصدق أبدا بأن لديه الاستعداد لتبادل سلمي حقيقي للسلطة أو لإصلاح البلد حتى لو ظل مجلس الوزاء مجتمعا ليل نهار لأن الخلل ليس في مجلس الوزراء وإنما في الآلية التي يعمل بها مجلس الوزراء.

الأوضاع في اليمن تزداد سوءا يوما بعد يوم وتحتاج إلى مشرط جراح يعالج مكامن الخلل، وهذا الجراح قد يكون الرئيس نفسه وقد يكون زعيما غيره ولكن الانتظار لن يطول وسيكون العام المقبل هو عام الحسم لكثير من القضايا، ونتمنى أن تكون الانتخابات الرئاسية سلمية وحقيقية تعبر عن أراء الناخبين.  ونتمنى أن يسبقها حسما اقتصاديا وإصلاحا سياسيا ينتشل البلاد من مخاطر الفساد الذي لا يمكن مواجهته إلا بإرادة سياسية قوية. 

 

كاتب ومحلل سياسي يمني مقيم في واشنطن

[email protected]