Home News Locally

الوحدوي نت تنشر ورقة الاستاذ عبد الباري طاهر حول المواجهات

حرب صعدة .. واقع أليم .. وماض دام .. وأسئلة فاجعة !

حرب صعدة .. واقع أليم .. وماض دام .. وأسئلة فاجعة !


ليس من المبالغة في شيء القول أن الحروب تغطي التاريخ اليمني . وإليها ـ أي الحرب ـ ترجع جل أسباب التمزق والشتات ، وانهيار الحضارة ، وخراب السدود ، واندثار العمران ، والعودة دائماً إلى عصور ما قبل الدولة .
تتضافر العوامل الداخلية مع الخارج لتصنع الانهيار والخراب , فالدولة المركزية التي أشادها كرب آل وتر في القرن السابع قبل الميلاد . وغطت الأرض اليمنية بل تجاوزتها في الربع الأخير من القرن الثالث الميلادي قد انهارت وتفككت . وكانت الصراعات الدينية : المسيحية اليهودية ، والقبلية المتحالفة مع الأحباش أتباع بيزنطة أو الفرس عامل جوهري وأساس في تمزيق أول وحدة يمنية ، وانهيار الحضارة والسدود ، وبالتالي الزراعة والتجارة ركنا الحضارة والدولة في العهود السبائية والمعينية والقتبانية والحضرمية والحميرية التي وحدت اليمن كلها وفي عهد الملوك التبابعة .
وفي العصور الإسلامية ظلت روابط الكيان الحضاري قائمة في اللغة والثقافة والمأثورات الشعبية والقيم والتقاليد " التكوين النفسي " رغم اندثار الكيان الواحد .
اللافت أن هذه الكيانات المزروعة في أكثر من منطقة كانت تحكم بإسم اليمن ، وتتصارع مع الكيانات المنافسة على هذه الشرعية .
وعلى مد النفوذ إلى المدى الذي تصل قوة هذا الكيان أو ذاك . ويلاحظ أنه رغم تسيد منطق القوة والغلبة في الكيانات الوحدوية التي حكمت اليمن إلا أن الانتصار كان دائماً حليف " القوة " المعبرة عن الأماني والإرادة الحقيقية لغالبية القبل والفئات والشرائح . وقصة خطبة علي بن محمد الصليحي في جامع الجند والتي وعد فيها بالخطبة القادمة في عدن مشهورة وموثقة أيضاً . فالمزج بين القوة والتحالفات الواسعة . والتعبير عن التوجهات الشعبية العامة هي التي انتصرت سواء في القرن السابع قبل الميلاد أو الربع الأخير من القرن الثالث الميلادي ، وبالأخص في عهد الملك التبعي أسعد الكامل ، وربما تجلت بصورة رائعة في عهد الصليحي 455 الذي كانت معارفه الواسعة ومعرفة أحوال اليمن طريقة إلى التوحيد بأكثر من القوة .
وكان الحج بالناس عشرات المرات هي طريقته المثلى لإقامة الدولة الصليحية . وينتقد المؤرخون النزوع إلى القوة والإفراط في ممارستها في الوحدة الثالثة على يد المتوكل على الله اسماعيل . وكان التصارع الدامي بين أولاده وأحفاده سبب في عودة التمزق حتى مجيء الإحتلال العثماني الأخير 1849م والإستعمار البريطاني 1839م .
وحدة الـ 22 من مايو 90م كانت مختلفة نوعياً عن كل الوحدات السابقة . فقد قامت على أساس اندماج كيانين شطريين ، ولكن الوحدة مثلت مصالحة وطنية كبرى بين الإتجاهات الفكرية والسياسية والحزبية وألوان الطيف المجتمعي . وقامت على شرط ومضمون التعددية السياسية والثقافية والحزبية واحترام حرية الرأي والتعبير والمعتقد حسب دستورها .
صحيح أن الوحدة لم تحقق بالقوة ولا بحرب تحرير ولا بانقلاب وإنما تمت عبر التحاور السلمي الديمقراطي . ولكن الخلل الحقيقي في هذه الوحدة الديمقراطية أن العصا كانت خبيئة وراء الظهور . كما أن القسمة على إثنين قد أبقت جذوة الصراع متقدة ، وغيبت الإرادة العامة للناس . كما أنها أيضاً قد أضعفت المشاركة السياسية للاتجاهات الفكرية والحزبية الأخرى . واهتم كل فريق بتقوية مواقعه على حساب المطالب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية . وفي حين توافق الطرفان على الأخذ بأفضل ما في تجربة الشطرين فقد جرى تخلي الاشتراكي عن أفضل ما في التجربة وحرص المؤتمر على الأخذ بالأسوأ فالأسوأ .
وفي حمى الصراع حرص الشريكان المؤتمر والاشتراكي على تقوية الروابط مع الإسلام السياسي وشيوخ القبائل والنافذين على حساب البناء ومؤسسات المجتمع المدني الحديثة .

حرب 94 كانت ارتداداً عن النهج السلمي الديمقراطي ونكوصاً عن المشاركة والحوار ، ومثلت عودة لتقاليد الغلبة والقهر وحكم القوة . وقد انتصرت الوحدة بالقوة على الوحدة بالحوار وتوسيع نطاق المشاركة السياسية والشعبية .

أثمرت الحرب الكريهة انفراد قبيلة وأسرة وحزب وشخص بالحكم . وهذا التفرد عبر التاريخ سبب جوهري في اذكاء نار التصارع والتمزق والإحتراب والإستقواء بالخارج .
التاريخ وتجارب الحياة ومنطق العقل كلها تؤكد أن التضييق على الحريات ، وإغلاق أبواب التحاور ، وامتلاك السلطة والمال والإعلام واليقين واحتكارها يفتح الباب واسعاً أمام الصراع الأعمى . وحكم الغلبة والقهر يخلق معارضة من نوعه وعلى شاكلته . فلكل فعل رد فعل مساو له في القوة ومضاد له في الاتجاه .

فالتمرد ات القبلية والثارات ، وحوادث الخطف والاغتيال ، وحروب صعده وما قبلها قد تضاعفت بعد حرب 94 ويتوقع إن لم تعالج آثار وجراح 94 وتوقف الحرب في صعده وتعالج آثارها الكارثية والمدمرة أن يتواصل المسلسل الدامي ويتسع .

الأسباب والدوافع للحرب
تقع مدينة صعدة المدينة التاريخية والزراعية والمعروفة أيضاً بصناعة السيوف والحديد وأدوات الحراثة تقع في محيط قبلي قوي وبالغ التعقيد . فصعدة أساساً مركز " قضاعة " خولان بن عامر وقضاعة القبيلة المرجحة لأغلبية قحطان أو عدنان ، فإن نسبت إلى اليمن كانت القحطانية هي الأغلب ، والعكس إن نسبت إلى عدنان فهي موقع خلاف وتنازع ، وتحدق بصعدة من الشرق قبيلة يام ـ الإسماعيلية ـ شديدة البأس . وقد كانت هذه القبيلة في القرون الوسطى أداة الحرب والفيد والنهب لنجران والمخلاف وتهامة اليمن وصولاً إلى المخاء .

ويحيط بها من الشمال بلاد سنحان ووادعة وعبيدة ومن الجنوب قبايل ذو محمد وذو حسين وتتداخل في الغرب مع حاشد . وحاشد وبكيل هما القبيلتان الأكثر ارتباطاً بالحروب والفيد والنهب في القرون الوسطى خصوصاً في صنعاء ومناطق إب وتعز .

وقد انتشر المذهب الزيدي العقلاني بفكره المعتقدي الإعتزالي الداعي لحرية الإختيار ، وتزكية العقل . وعلى مدى القرون الوسطى ، وتحديداً منذ القرن الرابع أصبحت صعدة ومحيطها مركز معارضة الخلافة الإسلامية مما فرض عليها المواجهة الدائمة والمستمرة مع المركز في صنعاء أو تعز أو عدن ومع الخلافة الإسلامية باستمرار . وكان لانهيار سد الخانق ، وتراجع التجارة والصناعة أصبحت الحروب المبررة دينيا " بمبدأ الخروج " سمة عامة للمناطق القبلية . وللتركيبة القبلية العتية والمحاربة لا ينبغي في قراءة تاريخ صعدة أن نقف عند تخوم لحظة من اللحظات سلبية كانت أم إيجابية . بل لا بد من القراءة العميقة والموضوعية لهذه المدينة التي جسدت بحق " يمن الحكمة والإيمان " في القول المأثور . فهذه المدينة اشتهرت وعبر تاريخها الطويل بأنها ذاكرة حكمة دباغة الجلود ، وصناعة النصال والسيوف . وممر تجاري مهم . كما أن قوافل الحج من مختلف مناطق اليمن تمر بها . وحتى القحطانية والعدنانية عندما نقرؤها ببعدها التاريخي كثقافة وتفاخر بالانجاز الحضاري والمكانة المائزة . وليس لعرق أو مباهاة قبائلية جوفاء أو تطاحن دام كما يراد لها في التوظيف البدائي والمتخلف . فصعدة المدينة الذاكرة الخلاقة لأنساب اليمن وأمجادها والتي إليها يعود الفضل في توفير المادة الخام والسجل الأول الذي استند إليه لسان اليمن الحسن بن أحمد الهمداني الذي استند بصورة رئيسية إلى السجل القديم المنسوب لأهل صعدة . ولمحمد بن ابان الخنفري كما يسبر المؤرخ جواد على في المعضل .


حريصة على بقاء لواء الشام " صعدة ، وحجة ، والجوف ، وعمران" " زنجبيل بغباره" كتمثل محمد البدر آخر إمام للمتوكلية اليمنية في رسالة بعثها لعمه الحسن بن يحيى المقيم في أمريكا يطلب منه العودة إلى اليمن قبل الثورة بأسبوع داعياً إلى تصالح آل حميد الدين لمواجهة التحديات التي يمثلها التعليم الحديث، وانتشار الأفكار العصرية والحديثة التي تدعو إليها الثورة القومية بزعامة مصر عبد الناصر، والتي بدأت تنتشر في مثلث " صنعاء، تعز، الحديدة" ويطلب من عمه أن يرأس مجلس شورى يكون مقره لواء الشام ، ويكون غرضه منع تسرب التعليم الحديث.
والفاجع أنه بعد حرب ثمانية أعوام، وبعد اندحار الملكية التي أسقطت صعدة عام 72 تركت صعدة كبقية مناطق الشمال والشرق في الـ ج.ع.ي على حالها، فقد حرمت من التطبيب التعليم الحديث، ومياه الشرب النقية، وإقامة بنية تحتية، وامتنعت الدولة أو تراخت عن مد نفوذها وبسط سلطاتها على هذه المناطق التي بقيت نهباً للأفكار القبلية المتخلفة ولسيطرة زعماء القبائل، ولتجارة السلاح والثارات والاحتراب القبلي والتهريب، وبقي الشيخ أو بالأحرى أصبح البديل للدولة وأجهزتها، ووصل حد ابتزاز المواطنين بالدولة وابتزاز الدولة بالرعية.
ومثل مقتل الشهيد إبراهيم الحمدي انتصار لهذا التوجه الذي تماهى بالدولة أو تماهت به، ونزلت على حكمه وعرفه.
لا ننسى أن صعدة كالجوف وحجة لا تنفصم عن امتدادها الجغرافي والقبلي والتاريخي في نجران وعسير والمخلاف السليماني، فقد جاءت اتفاقية أخوة عربية وصداقة إسلامية عقب حرب 1934م لتقسم الأسرة والقبيلة والمنطقة والقرية والجبل أحياناً بين دولتين: "العربية السعودية والمتوكلية اليمنية" ، بعد نهاية الحرب بين الجمهوريين والملكيين بدأت العربية السعودية في الاهتمام بهذه المناطق المقتطعة من اليمن، وخصوصاً بعد مذكرة التفاهم عام 1995م، والتي بموجبها تنازلت الدولة اليمنية عن حقها في هذه المناطق وبدأ ترسيم الحدود، فقد اهتمت السعودية اهتماماً كبيراً بالبنية التحتية ومشاريع التنمية والكهرباء والمياه، وإقامة المنشاءات والسدود، ودعم المزارعين، في حين بقي اليمني المهجر في الجانب اليمني محروماً من كل الخدمات والمحزن أن مدينة صعدة " الحدودية" لا يوجد فيها مستشفى غير مستشفى السلام الذي أقامته مشكورة المملكة العربية السعودية، وحتى بعد الوحدة ظلت صعدة سوقاً للسلاح وبيئة للحرمان، ولكن الوحدة أيضاً، والتعددية السياسية والحزبية تطرح أسئلتها وتحولاتها خصوصاً في تفتق وعي الشباب المؤمن وإعلان حزب الحق.
في عام 1980م وقعت عدة أحداث هزت الاستقرار والأمن في الجزيرة العربية وبعضها العالم بأسره، ففي اليمن جرى توقيع اتفاقية الكويت بعد انكسار جيش الـ ج. ع. ي في مواجهة مع الجنوب، واضطر النظام في صنعاء للاعتراف بالجهة الوطنية الديمقراطية المسنودة من الجنوب مما دفع بالنظام لدعم وتسليح وتشجيع الجبهة الإسلامية في المناطق الوسطى والأطراف بين الشطرين، كما دعم النظام المعاهد الدينية التي تجاوزت المائة وثمانين معهداً دينياً، والواقع أن نشر التعليم الديني وتحويل المناهج والاستنجاد بالإسلام السياسي، وتسليم وزارة التربية والتعليم له بدعم سعودي قد بدأ مبكراً في مواجهة مع الجنوب الذي تبنى هو الآخر الأيدلوجية الماركسية مما حول اليمن كلها إلى ساحة صراع للحرب الباردة، ولكن بمختلف الأسلحة بما فيها الدين والماركسية والمدفع.
وفي العربية السعودية انتفض الداعية عبد الله القحطاني في وسط الحرم الملكي مدعياً أنه المهدي المنتظر، وكانت واقعة جهيمان العتيبي التي استمرت لأكثر من أسبوعين بداية مواجهة بين السعودية والوهابية الركيزة الأساسية للحكم، ولجأ مقبل هادي الوادعي إلى دماج ليؤسس ما عرف بمعهد دماج، وفي حين انتصرت الثورة الخمينية في إيران مزيحة الإمام المنتظر أو إحلال نائبه محله كان الفكر السلفي الذي لا يؤمن بالمهدي بالمعنى العميق المتجلي في الفكر الشيعي يبحث عن المهدي فما يعني أن الأمر في الحالتين: الإيرانية والسعودية له بعد سياسي واضح، وكان لاجتياح الاتحاد السوفيتي لأفغانستان واقعة وطعم الكارثة على النظام العربي والإسلامي، العديد من البلاد العربية والإسلامية منها اليمن تحولت إلى ميادين تجنيد لمواجهة الغزو السوفيتي، وقامت السعودية وأمريكا بدور التمويل والحشد والتجنيد، وجرى ما يشبه التوافق بين الإسلام السياسي والأنظمة التقليدية وأمريكا على المواجهة الشاملة ضد الاتحاد السوفيتي والاتجاهات القومية واليسارية في أكثر من مكان، ومثلت هزيمة روسيا في الحرب وتفكك الاتحاد السوفيتي انتصارً لأمريكا التي تفردت بقيادة العالم، وفرضت منطق الهيمنة على مختلف دول العالم، كما بدأت في المواجهة مع الإسلام السياسي كخطر جديد وقادم وهو ما تجلى في كارثة أو غزوة الـ 11 من سبتمبر كما يسميها قادة القاعدة، وصلت المواجهة والتصارع مع الإسلام السياسي محل التنسيق والتعاون.
عندما أعلنت الوحدة في الـ 22 من مايو 1990 وأعلنت التعددية السياسية والحزبية والفكرية، أعلن التجمع اليمني للإصلاح عن نفسه وتشكل حزب الحق في حين اعلن مقبل هادي الوادعي رفضه للديمقراطية والتعددية واعتبرها فتنة وانحرافاً عن الإسلام، ولقي مقبل منذ لجوئه إلى دماج دعم السعودية والحكم في صنعاء لمواجهة " التشيع" بين مزدوجين ولمواجهة اليسار وتيار الحداثة ودعاة العلمنة وبعد الوحدة لمواجهة الإصلاح والحق في آن واحد.
تشجيع الدولة التعليم الديني الطائفي والسلفي في صنعاء " جامعة الإيمان" ومعهد دماج في صعدة والمعاهد السلفية التي انتشرت في أكثر من منطقة، وبالأخص في المناطق الزيدية وأحياء المدارس القديمة في الحديدة وحضرموت، دفع بالاتجاه الإسلامي الزيدي إلى البحث عن نفسه وإعلان الوجود، ولعبت الدولة بورقة الخلافات الحزبية والسياسية والطائفية والقبلية، وقد دفعت بالجميع لمواجهة الجميع، وجرى في حمى التقاسم والتصارع انقسام الاحزاب واستنساخ الصحف ، وبلغت الكارثة ذورتها بحرب 94، فحرب 94 قد أدارت الظهر للتطور الديمقراطي وصعبت علمياً أي تداول سلمي للسلطة ، كما أنها وهذا هو الأخطر قد اختزلت في القبيلة وعملياً في تحالف القوة والغلبة ، وأبعدت كل الاتجاهات السياسية حتى الحليفة منها.
ما يجري في صعدة ليس معزولاً عن أحداث الـ 11 من سبتمبر المشؤمة، وعن احتلال افغانستان والحرب المدمرة ضد العراق، ومحاولات إبادة الشعب الفلسطيني، وطمس قضيته، كما أنها أيضاً عميقة الصلة بأزمة الحكم في اليمن والعجز عن البناء الوطني، وتحقيق التنمية الشاملة العادلة والمتوازنة، وهي ثمرة من ثمار التعليم الطوائفي وإدارة الظهر للحداثة والعقلنة، ولعب الحكم بأوراق الدين والسياسة وخلط كل شئ بكل شئ.
الشعار الذي رفعه الحوثيون على تهافته يؤشر للبعد القومي والإسلامي في المحنة القائمة وإن كان لا يبرر للاقتتال، استبداد الحكم وفساده وميله للتوريث واليأس القانط من ديمقراطية حقيقية تسمح بالتداول أو حق المشاركة كلها عوامل رئيسية لهذه الحرب الكريهة التي يدان فيها القاتل والمقتول، الجلاد والضحية على حد سواء.
وبقطع النظر عن صحة اتهام إيران بدعم الحوثيين فإن من المؤكد أن الثورة الإسلامية الإيرانية قد مثلت رافعة للإسلام السياسي الشيعي، وامتد أثر ذلك إلى العديد من البلدان ومنها اليمن المسكون حكمها بدعم تيارات الإسلامي السياسي وإغراء بعضها ببعض.
والأخطر من كل ألاعيب الفتنة والحرب الجهنمية إضفاء صبغة الطابع الإسلاموي الطوائفي السني الشيعي، والعودة إلى " داعي القبيلة" وكأن الصراع ديني- استغفر الله- وقبائلي.
ولا يدرك الحكم أ، حرب صعدة مختلفة تماماً عن حرب 94، فحرب 94 كانت بين جيشين متراصين ومتواجهين، وبين نخب سياسية تتنازع الشرعية السياسية واقتسام أو إعادة اقتسام الكعكة، كما أن توظيف الإسلام السياسي كان يتوافق مع طبيعة العدو " الحزب الاشتراكي" الموصوم بالعلمانية والماركسية، أما حرب صعدة فإضافة إلى الذاكرة الحربية الحية والفاعلة وفي منطقة من أنسب بلاد الله قاطبة لحرب شعبية طويلة الأمد، ومبررات الدولة في إعلان الحرب ليست بأهدى من مبررات المتمردين، وغموض أهداف المتحاربين : الحكم والحوثي قد أضعف التعاطف وقى " ذهنية المؤامرة" والتفسير البوليسي، وفتح الباب أمام اسئلة ما وراء الأكمة؟ وهل للحرب علاقة بالتوريث أو أنها صراع على ترتيبات قادمة؟ ويسهم تأخر الحسم في الميل إلى قابلية الرأي العام لأي تأويل حتى لو كان ساذجاً، وإذا كانت الحرب أم الجرائم كلها فإن صعدة وجوارها أكثر احتياجاً لدخول المستوصف والماء والكهرباء قبل دخول الدبابة أو المدفع، وحتى لو تمكن المدفع من حسم المعركة وهو أمر غير مستبعد كما حدث أكثر من مرة منذ قيام الثورة فإن تجددها يبقى أمراً وارداً مالم تعالج الأسباب والعوامل الحقيقية، ويبدو أن حرب صعدة مؤشر مهم لاحتياج اليم إلى مصالحة شاملة سياسية ومجتمعية تستعيد نهج مايو 90 وتؤسس قولاً وفعلاً لتداول سلمي للحكم، وتوسيع المشاركة ومواجهة الفساد والاستبداد ، البيئة الخصبة للفتن والتمردات والاحتراب.