Home News Locally

صالح يحتفل بعيد الجلوس

29 سـنـة حـكـم.. و20 مـلـيـون جـائـع

29 سـنـة حـكـم.. و20 مـلـيـون جـائـع

اليوم، يحتفل الرئيس علي عبدالله صالح بعيد جلوسه على كرسي الحكم قبل 29 عاماً بالتمام والكمال.
وعلى قائمة حكام العرب الحاليين، يحتل صالح الترتيب الثاني بعد الزعيم الليبي معمر القذافي، الذي يدخل عامه الـ35 منذ تربعه على العرش.
الأرقام، وإن بدت مهولة مقارنة بما هو حاصل بدول العالم المتقدم، إلا أن الأمر مختلف بالنسبة للجمهوريات العربية التي تتساوى مع الانظمة الملكية في احتكارها لكرسي الحكم، واعتباره كحق مكتسب لايفرقهم عنه سوى الموت أو الانقلابات العسكرية، باستثناء النموذج الموريتاني اليتيم في المنطقة، حتى الآن.
وهنا، لن نخوض في شرعية بقاء الرئيس صالح على سدة الحكم، كل هذه المدة، من عدمها، لكننا سنتطرق، ولو بشكل عابر، الى السياسات التي انتهجها في الحكم، وما أحدثته خلال العقود الثلاثة الماضية.
وعدا المؤشرات الخطيرة في زيادة أعداد المواطنين الذين يعيشون تحت خط الفقر، والارتفاع المضطرد في نسب البطالة والجهل بين السكان، فإن نسبة كبيرة من حقبة حكم الرئيس ذهبت في الحروب والصراعات التي اعتمدتها السلطة كأداة هامة في إدارة حكم البلد، رغم ما خلفته من نتائج كارثية.
ولأن صالح يجزم يقيناً أنه يحكم على رؤوس الثعابين -وهي المقولة التي يرددها باستمرار، رغم عدم حقيقتها في الواقع- فإنه يرى أن الطريقة المثلى التي يدير بها هذه الثعابين، هي إدخالها في مواجهات مع بعضها البعض، لضمان عدم قيامها بأية تحركات معادية ضد النظام الحاكم، أو هكذا يفكر الرئيس الذي قال أيضاً إنه يستخدم بعض القوى ككروت سياسية يحرقها مع مواجهاته مع قوى أخرى.
ولعل الحروب القبلية المزمنة التي تدور رحاها منذ عشرات السنوات -ولاتزال- في عدد من محافظات الجمهورية، كالجوف وشبوة ومأرب وصنعاء، جزء من استراتيجية الحكم على رؤوس الثعابين.
وبدعم رسمي لطرفي الحرب القبلية تستمر حلقات الموت لأتفه الأسباب، لتظل المتارس وساحات المعارك بديلاً عن المدارس والمرافق الخدمية.
وعلى أصوات لعلعة الرصاص، ولون الدمار، غيبت التنمية تماماً عن هذه المناطق حتى اللحظة.
غير أن الدولة سرعان ما جنت نتائج مثل هذه السياسة الخاطئة، بعد أن تحولت عديد مناطق في المحافظات سالفة الذكر، الى بؤر لإنتاج المتمردين، وتهديد أمن البلد واقتصاده، وهو ما بدا واضحاً من خلال عمليات اختطاف السياح الأجانب، وتفجير أنابيب النفط، وتوسع ظاهرة الثأر والاقتتال التي لم تسلم منها حتى العاصمة صنعاء.
ولأن الأمر متعلق بغياب التعليم والخدمات التنموية، فإن محاولات السلطة للقضاء على هذه الظواهر باءت بالفشل. وهو ما أثبتته لجنة رئيس الجمهورية التي شكلت للحد من ظاهرة الثأر والاقتتال، بعد سنوات عديدة من تغذيتها.
غير سياسة الحكم على رؤوس الثعابين، يؤمن صالح بضرورة دعم ذوي النفوذ من مشائخ وأعيان، بالمال والمناصب، لضمان ولائهم، مثلما يؤمن بأهمية إيكال المناصب الحساسة في الدولة لأقربائه وأبناء عشيرته، ليس على طريق «الأقربون أولى بالمعروف»، وإنما لاعتقاده بأنهم أحرص من غيرهم على مصالح البلد، وهو ما أفصح عنه الرئيس في مقابلة تليفزيونية سابقة لفضائية M.B.C العربية.
الأمر الذي أفرغ البلاد من مضامين دستور الجمهورية، وحولها الى أشبه بضيعة خاصة، بالرئيس ومقربية يتقاسمون ثرواتها وخيراتها في ما بينهم، وللأبناء نصيب وافر منها حاضراً ومستقبلاً، وهو الخطر الأكبر الذي يجري الإعداد له خلف الكواليس، وبدأت ملامحه تتكشف شيئاً فشيئاً من خلال تمكين (الصغار) من أكثر المناصب حساسية، والشروع بتوزيع مناصب أخرى ذات أهمية على أقرانهم وأبناء جيلهم من الموالين، وإحلالهم بديلاً عن قادة الأمس الذي بدأ الرئيس بإزاحة عدد منهم والتحضير للبقية.
إرضاء الخارج على حساب الداخل؛ سياسة أخرى انتهجها صالح طيلة فترة سنوات حكمه السابقة.
ولئن كان هذا النهج هو وراء العمل بالتعددية السياسية والديمقراطية وحرية التعبير، ولو بصورها الدنيا، إلا أنه ضاعف من معاناة المواطنين المعيشية، من خلال الرضوخ لإملاءات المؤسسات الدولية برفع الدعم عن المواد الغذائية والخدمية ومشتقات النفط، وهو ما عمل على ارتفاع الأسعار بشكل متتالٍ، ضاعف من حدتها تحكم عدد محدود من ذوي النفوذ بتجارة المواد الغذائية الأساسية، وإخضاع أسعارها لمزاجية مفرطة في غياب الرقابة الرسمية.
وتسببت هذه السياسة في ارتفاع أعداد المواطنين الذين يعيشون تحت مستوى خط الفقر المدقع، بعد أن عجزت كواهل أرباب الأسر المرهقة أصلاً، عن تحمل تبعات الزيادات السعرية المتكررة. كما تلاشت الطبقة المتوسطة التي صارت ضمن الطبقة الفقيرة، لتعيش قلة محدودة، هم التجار والمسؤولون، في غنى مفرط.
وصاحب مثل هذا التدني في مستوى دخل الفرد الذي وصل الى أقل من دولار واحد في اليوم، حسب تقارير دولية، ارتفاع مضطرد في أعداد البطالة التي وصلت الى مستويات عالية جراء ارتفاع أسعار مواد البناء، وتدني المستوى الاقتصادي العام للمواطنين.
هذا المستوى المعيشي المتدني انعكس سلباً على عدد من المجالات الأخرى، حيث اضطرت بعض الأسر الى إخراج أطفالها من المدارس، فيما أحجم البعض الآخر عن إدخال أطفالهم للمدرسة نهائياً، ليبلغ عدد الأطفال الذين تسربوا عن التعليم في الصفوف الأولى، والذين بلغوا سن التعليم ولم يلتحقوا به، قرابة المليوني طفل، حسب تقارير رسمية. لتبرز ظاهرة عمالة الأطفال، وتهريبهم الى دول الجوار، واستغلالهم بشكل سيئ للغاية ومنافٍ للقيم الأخلاقية والإنسانية، دون أن تحرك الدولة ساكناً.
كل ذلك يأتي في الوقت الذي لازال فيه نصف السكان يعانون من الأمية، خاصة في صفوف النساء.
وإن كان عهد الرئيس صالح شهد اكتشاف النفط في ثمانينيات القرن الماضي، إلا أن هذه الثروة بدأت بالنضوب دون أن يلمس المواطنون خيراتها التي نقلت عديد دول مجاورة الى مستويات متقدمة وراقية في مختلف المجالات.
الى جانب ذلك كله، فإن تمييع الحياة السياسية، وإضعاف التعددية الحزبية في البلد، نهج آخر عمد صالح على اتباعه من خلال تفريخ الأحزاب السياسية المعارضة، ومحاولاته المستمرة لاستمالة من يقدر عليه من قادة المعارضة البارزين، وتوظيفهم ضد أحزابهم، وذلك بإغرائهم بالأموال الطائلة والامتيازات والمناصب الحكومية العليا. إلا أن مثل هذه الأساليب والطرق فشلت أمام عديد شخصيات سياسية انحازت للجماهير، وارتقت بمبادئها ومواقفها الثابتة فوق الإغراءات.
ما سبق نماذج لأبرز أدوات الرئيس صالح السياسية، التي أدار بها حكم اليمن خلال 29 عاماً مضت.
بالطبع، هناك الكثير والكثير من الأدوات والسياسات التي سار عليها الرئيس خلال هذه الحقبة الزمنية الطويلة، التي خاض خلالها شراكات مؤقتة في إدارة البلد.
على أن ذلك لايعني أنه ليس هناك مزايا وإيجابيات لعلي عبدالله صالح. فهو كإنسان يتحلى بعدد من الصفات والمزايا التي قل أن تجدها في زعيم آخر، مثلما أن له بعض السياسات والرؤى الإيجابية.
لكننا، إجمالاً، نستطيع أن نقول إنه فشل في إدارة حكم اليمن، والوصول بها الى ما كان يمكن أن تصل إليه.
ويتعزز هذا القول بالنظر الى ما وصلت إليه الأوضاع العامة للبلد من تردٍّ وتدهور طال معظم مجالات الحياة المعيشية والأمنية والتعليمية والصحية، في ظل غياب القانون، وحضور الفوضى والفساد الذي أطاح بكل شيء، الأمر الذي خلق حالة احتقان واستياء عارم، بدأت الجماهير بالتعبير عنه في مختلف محافظات الجمهورية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[email protected]