من المفارقات العجيبة في هذا الوطن الذي ربما لم يشهد في تاريخه الحديث تناقضاً بين الأقوال والأفعال، مثلما شهده في عصر الرئيس علي عبدالله صالح، وعد الأخير أبناء الشعب بامتلاك اليمن الطاقة النووية إن هم صوتوا له لفترة رئاسية جديدة، يكمل معها ٥٣ عاماً من الحكم المتواصل للبلد. وعود الرئيس النووية التي استهل بها برنامجه الانتخابي، أصابت الجميع؛ سياسيين وإعلاميين ومواطنين عاديين، بالحيرة والدهشة، والتندر أيضاً. ولو لم يكن الرئيس صالح هو من تحدث عن برنامجه الانتخابي، لشكك كثيرون أن يكون ذلك البرنامج خاصاً بالانتخابات الرئاسية في الجمهورية اليمنية؛ إحدى أفقر دول العالم، وضمن الدول العشر الأكثر فشلاً في الكرة الأرضية. وحيال ذلك لم نجد من تفسير للأمر، إلا أن يكون برنامج الرئيس مأخوذاً نصاً من برنامج الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، الذي يبدو أن صالح معجب بشخصيته حد التأثر بخطاباته حول أحقية إيران في امتلاك الطاقة النووية. رئيس الجمهورية الذي استرسل الأسبوع الماضي، في حديثه عن المنجزات المستقبلية، لم يتوقف عند الطاقة النووية فقط، كما لم تعد مهامه محصورة في حماية النظام الجمهوري ومكتسبات الثورة والوحدة، كما كانت طيلة فترة حكمه السابقة، إذ أن المطر الصناعي والسكك الحديدية منجزات أخرى تنتظر اليمن في المستقبل القريب؛ كونها لم تعد بحاجة لسواها. ما يمكننا أن نجزم فيه هو أن بقاء الرئيس صالح على رأس السلطة لسبع سنوات عجاف قادمة، هو القوة النووية الحقيقية التي ستقضي تماماً على البقية الباقية من أبناء الشعب، وسيمتد أثرها الى الأجيال القادمة تباعاً. وبطبيعة الحال، فإن القوة النووية التي يعتزم صالح تملكها ستدمر الأرض اليمنية تدميراً شاملاً، لتصير أرضاً جدباء لا زرع فيها ولا بترول. قليل من الإحباط، وكثير من الأسى والحزن على أبناء الشعب المغلوب، ينتاب المرء عندما يكتشف أن أوجاع الوطن ومعاناة أبنائه الحقيقية خارج اهتمامات نظام حكم، من الواضح أنه مصر على السير في الطريق الذي سار عليه منذ ٨٢ عاماً، من الفشل والتدمير وقتل الأحلام والأجيال. طريق مفروش بالخداع والمماطلة، والوعود التي تنتهي بمجرد إعلانها. إلا أننا، وأمام كل ذلك، نؤمن يقيناً أن طريق الكذب والتضليل الى زوال، والأيام القادمة كفيلة بإيضاح ذلك. كان الأولى بالرئيس صالح أن يتحدث عن توفير الخبز لملايين المواطنين الذين قذف بهم الفساد الى العيش تحت مستوى خط الفقر، وبمعدلات مخيفة، الى جانب معاناتهم من أمية القراءة والكتابة. وكان عليه أيضاً أن يعدنا -ولو من باب الوعد فقط- بأن يضع حداً لإهدار كرامة المواطنين، ومصادرة حقوقهم وحياتهم، وأن يحيل قتلة الحامدي والسمحي، وكل مجرمي الإنسانية وعشاق البلطجة، الى القضاء، ومعهم حُماتهم من المتنفذين. كان على الرئيس أن يعد بالعمل على صون سمعة اليمن، والحفاظ على أطفالها من التهريب الى دول الجوار عبر عصابات تستغل أوضاع الأسر اليمنية البائسة وفقرها المدقع للمتاجرة بأبنائها وامتهانهم في أعمال بشعة تخلو من الإنسانية والقيم الأخلاقية. مثلما كان على الرئيس صالح أن يقدم للشعب برنامجاً انتخابياً راقياً، يتحدث بشكل علمي وعملي عن التوجهات الاقتصادية القادمة للدولة، الكفيلة بالقضاء على البطالة وتدهور أسعار العملة، والعمل على رفع معدل دخل الأسرة. الحديث عن الطعام والدواء والصحة والتعليم والأمن، هو ما تبحث عنه الشريحة العظمى من أبناء الشعب، وليس الطاقة النووية والمطر الصناعي. امتلاك طاقة نووية شيء رائع، إلا أن الحديث عنه في بلد يفتقر تماماً الى البنية التحتية، ويلهث أبناؤه وراء كسرة خبز لايجدونها، أمر في غاية المهزلة والتبجح، خاصة عندما يصدر من قيادة عجزت عن توفير خدمة الكهرباء بصورة مستمرة، ولو لـ٠٣٪ من المواطنين. كان على الرئيس أن يعد بإصلاح ما خربه الدهر خلال ٨٢ عاماً مضت، ابتداءً بالإصلاح السياسي الشامل، كون الوطن أحوج ما يكون الى إصلاحات دستورية وتشريعية، الى جانب فرض سيادة القانون على الجميع، والمساواة في الحقوق والواجبات، وبناء قاعدة للحريات العامة، وكفالة حرية الرأي والتعبير في إطار الديمقراطية، واستعادة أهداف الثورة اليمنية، والفصل بين السلطات، ومحاربة الفساد، لا حمايته، وتفعيل دور البرلمان وأجهزة المحاسبة والرقابة، وإحالة ناهبي المال العام الى القضاء، أياً كانت مكانتهم الاجتماعية أو السياسية. كل ذلك الى جانب الحد من سلطات رئيس الجمهورية، باعتباره بشراً لا إلهاً. ذلك ما كان يجب على رئيس الجمهورية ومعاونيه تضمينه في البرنامج الانتخابي، حتى وإن استعانوا بخبراء لصياغته، بدلاً من الحديث عن الطاقة النووية التي بدا صالح وكأنه يخاطب مواطنين يعيشون في كوكب آخر، لايعرفون شيئاً عن اليمن.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ