بعد ‮٨٢ ‬عاماً‮ ‬من الفشل وقيادة البلد الى الهاوية وعد الرئيس أبناء الشعب بامتلاك طاقة نووية إن هم صوتوا له لفترة رئاسية جديدة‮ ‬يكمل معها ‮٥٣ ‬عاماً‮ ‬من إغتصاب البلد

وعـــــود نــوويــة مـــدمــرة

  • عادل عبدالمغني
  • منذ 17 سنة - Sunday 16 July 2006
وعـــــود نــوويــة مـــدمــرة

 من المفارقات العجيبة في‮ ‬هذا الوطن الذي‮ ‬ربما لم‮ ‬يشهد في‮ ‬تاريخه الحديث تناقضاً‮ ‬بين الأقوال والأفعال،‮ ‬مثلما شهده في‮ ‬عصر الرئيس علي‮ ‬عبدالله صالح،‮ ‬وعد الأخير أبناء الشعب بامتلاك اليمن الطاقة النووية إن هم صوتوا له لفترة رئاسية جديدة،‮ ‬يكمل معها ‮٥٣ ‬عاماً‮ ‬من الحكم المتواصل للبلد‮.‬ وعود الرئيس النووية التي‮ ‬استهل بها برنامجه الانتخابي،‮ ‬أصابت الجميع؛ سياسيين وإعلاميين ومواطنين عاديين،‮ ‬بالحيرة والدهشة،‮ ‬والتندر أيضاً‮.‬ ولو لم‮ ‬يكن الرئيس صالح هو من تحدث عن برنامجه الانتخابي،‮ ‬لشكك كثيرون أن‮ ‬يكون ذلك البرنامج خاصاً‮ ‬بالانتخابات الرئاسية في‮ ‬الجمهورية اليمنية؛ إحدى أفقر دول العالم،‮ ‬وضمن الدول العشر الأكثر فشلاً‮ ‬في‮ ‬الكرة الأرضية‮.‬  وحيال ذلك لم نجد من تفسير للأمر،‮ ‬إلا أن‮ ‬يكون برنامج الرئيس مأخوذاً‮ ‬نصاً‮ ‬من برنامج الرئيس الإيراني‮ ‬أحمدي‮ ‬نجاد،‮ ‬الذي‮ ‬يبدو أن صالح معجب بشخصيته حد التأثر بخطاباته حول أحقية إيران في‮ ‬امتلاك الطاقة النووية‮.‬ رئيس الجمهورية الذي‮ ‬استرسل الأسبوع الماضي،‮ ‬في‮ ‬حديثه عن المنجزات المستقبلية،‮ ‬لم‮ ‬يتوقف عند الطاقة النووية فقط،‮ ‬كما لم تعد مهامه محصورة في‮ ‬حماية النظام الجمهوري‮ ‬ومكتسبات الثورة والوحدة،‮ ‬كما كانت طيلة فترة حكمه السابقة،‮ ‬إذ أن المطر الصناعي‮ ‬والسكك الحديدية منجزات أخرى تنتظر اليمن في‮ ‬المستقبل القريب؛ كونها لم تعد بحاجة لسواها‮.‬ ما‮ ‬يمكننا أن نجزم فيه هو أن بقاء الرئيس صالح على رأس السلطة لسبع سنوات عجاف قادمة،‮ ‬هو القوة النووية الحقيقية التي‮ ‬ستقضي‮ ‬تماماً‮ ‬على البقية الباقية من أبناء الشعب،‮ ‬وسيمتد أثرها الى الأجيال القادمة تباعاً‮.‬ وبطبيعة الحال،‮ ‬فإن القوة النووية التي‮ ‬يعتزم صالح تملكها ستدمر الأرض اليمنية تدميراً‮ ‬شاملاً،‮ ‬لتصير أرضاً‮ ‬جدباء لا زرع فيها ولا بترول‮.‬ قليل من الإحباط،‮ ‬وكثير من الأسى والحزن على أبناء الشعب المغلوب،‮ ‬ينتاب المرء عندما‮ ‬يكتشف أن أوجاع الوطن ومعاناة أبنائه الحقيقية خارج اهتمامات نظام حكم،‮ ‬من الواضح أنه مصر على السير في‮ ‬الطريق الذي‮ ‬سار عليه منذ ‮٨٢ ‬عاماً،‮ ‬من الفشل والتدمير وقتل الأحلام والأجيال‮. ‬طريق مفروش بالخداع والمماطلة،‮ ‬والوعود التي‮ ‬تنتهي‮ ‬بمجرد إعلانها‮. ‬إلا أننا،‮ ‬وأمام كل ذلك،‮ ‬نؤمن‮ ‬يقيناً‮ ‬أن طريق الكذب والتضليل الى زوال،‮ ‬والأيام القادمة كفيلة بإيضاح ذلك‮.‬ كان الأولى بالرئيس صالح أن‮ ‬يتحدث عن توفير الخبز لملايين المواطنين الذين قذف بهم الفساد الى العيش تحت مستوى خط الفقر،‮ ‬وبمعدلات مخيفة،‮ ‬الى جانب معاناتهم من أمية القراءة والكتابة‮.‬ وكان عليه أيضاً‮ ‬أن‮ ‬يعدنا‮ -‬ولو من باب الوعد فقط‮- ‬بأن‮ ‬يضع حداً‮ ‬لإهدار كرامة المواطنين،‮ ‬ومصادرة حقوقهم وحياتهم،‮ ‬وأن‮ ‬يحيل قتلة الحامدي‮ ‬والسمحي،‮ ‬وكل مجرمي‮ ‬الإنسانية وعشاق البلطجة،‮ ‬الى القضاء،‮ ‬ومعهم حُماتهم من المتنفذين‮.‬ كان على الرئيس أن‮ ‬يعد بالعمل على صون سمعة اليمن،‮ ‬والحفاظ على أطفالها من التهريب الى دول الجوار عبر عصابات تستغل أوضاع الأسر اليمنية البائسة وفقرها المدقع للمتاجرة بأبنائها وامتهانهم في‮ ‬أعمال بشعة تخلو من الإنسانية والقيم الأخلاقية‮.‬ مثلما كان على الرئيس صالح أن‮ ‬يقدم للشعب برنامجاً‮ ‬انتخابياً‮ ‬راقياً،‮ ‬يتحدث بشكل علمي‮ ‬وعملي‮ ‬عن التوجهات الاقتصادية القادمة للدولة،‮ ‬الكفيلة بالقضاء على البطالة وتدهور أسعار العملة،‮ ‬والعمل على رفع معدل دخل الأسرة‮.‬ الحديث عن الطعام والدواء والصحة والتعليم والأمن،‮ ‬هو ما تبحث عنه الشريحة العظمى من أبناء الشعب،‮ ‬وليس الطاقة النووية والمطر الصناعي‮.‬ امتلاك طاقة نووية شيء رائع،‮ ‬إلا أن الحديث عنه في‮ ‬بلد‮ ‬يفتقر تماماً‮ ‬الى البنية التحتية،‮ ‬ويلهث أبناؤه وراء كسرة خبز لايجدونها،‮ ‬أمر في‮ ‬غاية المهزلة والتبجح،‮ ‬خاصة عندما‮ ‬يصدر من قيادة عجزت عن توفير خدمة الكهرباء بصورة مستمرة،‮ ‬ولو لـ‮٠٣‬٪‮ ‬من المواطنين‮.‬ كان على الرئيس أن‮ ‬يعد بإصلاح ما خربه الدهر خلال ‮٨٢ ‬عاماً‮ ‬مضت،‮ ‬ابتداءً‮ ‬بالإصلاح السياسي‮ ‬الشامل،‮ ‬كون الوطن أحوج ما‮ ‬يكون الى إصلاحات دستورية وتشريعية،‮ ‬الى جانب فرض سيادة القانون على الجميع،‮ ‬والمساواة في‮ ‬الحقوق والواجبات،‮ ‬وبناء قاعدة للحريات العامة،‮ ‬وكفالة حرية الرأي‮ ‬والتعبير في‮ ‬إطار الديمقراطية،‮ ‬واستعادة أهداف الثورة اليمنية،‮ ‬والفصل بين السلطات،‮ ‬ومحاربة الفساد،‮ ‬لا حمايته،‮ ‬وتفعيل دور البرلمان وأجهزة المحاسبة والرقابة،‮ ‬وإحالة ناهبي‮ ‬المال العام الى القضاء،‮ ‬أياً‮ ‬كانت مكانتهم الاجتماعية أو السياسية‮. ‬كل ذلك الى جانب الحد من سلطات رئيس الجمهورية،‮ ‬باعتباره بشراً‮ ‬لا إلهاً‮.‬ ذلك ما كان‮ ‬يجب على رئيس الجمهورية ومعاونيه تضمينه في‮ ‬البرنامج الانتخابي،‮ ‬حتى وإن استعانوا بخبراء لصياغته،‮ ‬بدلاً‮ ‬من الحديث عن الطاقة النووية التي‮ ‬بدا صالح وكأنه‮ ‬يخاطب مواطنين‮ ‬يعيشون في‮ ‬كوكب آخر،‮ ‬لايعرفون شيئاً‮ ‬عن اليمن‮.‬

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[email protected]