أيتها السيدات والسادة
أيها المناضلون جميعاً ـ جمعية الأخوة الفلسطينية المصرية في فلسطين
ـ المنتدى الثقافي العربي والهيئة المستقلة لملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين
تمر ذكرى رحيل القائد الوطني القومي الكبير جمال عبد الناصر، وأمتنا العربية تواجه تحديات مصيرية. ونستحضر في هذه المواجهة التجربة الناصرية الثرّة، والتي لا يتسع مجالها لنا هنا. ولكن يمكن لنا أن نرسم خارطة طريق وعملية تجديد من حيث المبدأ، تربط بين الماضي بالحاضر والمستقبل. وأمامنا مشهد الحال العربية الراهنة، وبؤس الحداثة العربية المتأخرة، بسببٍ من أن المجتمعات العربية ما زالت تحكمها علاقات ما قبل الحداثة، حيث تغيب إلى درجة كبيرة، أشكال سيادة القانون والديمقراطية والمساواة والحرية والمواطنة. مجتمعات مشوّهة بممارسات أنظمة شمولية توتاليتارية، وسيادة "ثقافة الاستهلاك" والتبعية والخصخصة التي لا تتوافق مع مصالح تطلعات الأغلبية من الجماهير، بل تتناقض معها. وهنا يحضرنا الزخم القومي الناصري، ويحضرنا تأميم قناة السويس، والسد العالي، ومجمع حلوان للصلب والحديد ... وغيرها.
والخلاصة الماثلة أولاً: أن التجربة الناصرية تحدثت عن أوضاع البؤساء والفقراء المطحونين، في كل مكان في الوطن العربي، المطحونين تحت الاحتلال، المطحونين في مخيمات البؤس في اللجوء وعلى أرض الوطن في فلسطين. أما راهناً فإن في جوهر سياقها الإحيائي العام تكمن المسألة الماثلة بكيفية تفعيل اتساع دور التيار النهضوي اليساري الديمقراطي في عملية النضال الوطني والديمقراطي الفلسطيني ـ العربي. الفلسطيني من أجل العودة وتقرير المصير، ومن أجل الدولة الفلسطينية المستقلة، وذلك انطلاقاً من خلاصات التجربة القومية الناصرية، بأن الصراع مع العدو الصهيوني، هو بالدرجة الأولى صراع عربي ـ صهيوني يقوم جوهر مواجهته على النضال القومي التقدمي ضد نظام العولمة الرأسمالي، كحليف رئيس لدولة "إسرائيل".
الاستخلاص الثاني: يتمثل بالمحور الثاني في اهتمامنا؛ ويرتبط بالقضايا الوطنية التحررية والديمقراطية الفلسطينية؛ ارتباطاً بعلاقتها العضوية بحركة التحرر القومي الديمقراطي العربية، وهو اهتمامنا من موقع اليسار الديمقراطي الفلسطيني بالبعد القومي، وفي نطاق معادلة وحدة واهتمامات وهموم اليسار العربي؛ عبر العمل مع أحزابه ومؤسساته ونخبه ومثقفيه ومفكريه، لتأسيس نواة مركز للحوار يضم اليساريين الديمقراطيين العرب، في مواجهة تشرذم وحصر الحركات اليسارية الديمقراطية في إطارها القطري ... المهمة التي تمليها الحالة القومية المصيرية.
في ظل توحش العولمة وتوغلها على منطقتنا العربية، علينا أن نسعى إلى بلورة الإطار العربي اليساري الديمقراطي، دون أن يعني ذلك إلغاء أو تجاوز خصوصية كل قطر، مقدمةً لتجاوز واقعنا العربي المأزوم والمهزوم في هذه المرحلة المصيرية. إن هذا التنسيق في المهمات يبلور تبادل النظم والأفكار والقواعد المعرفية في الاجتماع والتاريخ والفلسفة كما السياسة من حيث الاستخلاصات، أي بلورة التوجهات في نسيج واحد، نحو مهمات متناسقة راهنة، والإفادة من كل ما توصلت له ثورة المعلومات والاتصالات التي تسهل كل أشكال التبادل. وعلى أية حال؛ فإن هذا يجيب في سياقه على السؤال بخصوص ما جرى عربياً، حتى نضب الفكر على هذا النحو في الاقتصاد والسياسة والثقافة والإعلام في العقدين الأخيرين ؟
إن الجواب الصريح يكمن في التراكم المتسارع في عوامل التبعية والتخلف والارتهان، هذا هو سبب فشل المجتمعات العربية، بعد أن تقطعت بها السبل مع المعرفة، وفي ظل غياب الثقافة النقدية كسلطة اجتماعية تفرض ذاتها، بالاصطدام بالواقع وتغييره نحو التنمية والتصنيع والتقدم الشامل، عبر المشاركة الشعبية المنتجة والمبدعة. دون ذلك لا إمكانية للاستنهاض، أي بدون النهوض المادي والصناعي، فالثقافة هي ثمرة هذا النشاط الاجتماعي المادي. وهذه هي مهمة اليسار الديمقراطي أينما حلّ في ربوع وطننا العربي. رفض تبرير الوضع والواقع القائم، وإضفاء الشرعية الفكرية ـ السياسية عليه. بل ممارسة النقد الجذري، وفق قواعد منهجية تحديثية تنويرية اجتماعية، لتغيير العلاقات السائدة، ولنتمكن من توفير المقدمات المطلوبة في مواجهة نظام العولمة الراهن، بحضارته الإكراهية عبر طابعها الأحادي، والتي تنزف جرائم ووحشية في فلسطين ولبنان والعراق، عدواناً واستغلالاً واحتلالاً، ومهانةً في حق الشعوب العربية.
إن أخطر ما يواجهنا الآن هو دعوات التبرير وإدارة الظهر على مستوى النُظم في البلدان العربية، دعوات "التبرير" بما تعني الاستسلام. وباعتبار حاملها التنظيري بأن المرحلة تعيش "قدراً تاريخياً" لا فكاك منه، دون تحفظ أو مراعاة للحدود الدنيا للحقوق، دون مراعاة الخصوصية والهوية والمصالح القومية، دون مراعاة حقوق شعوب عربية تحت العدوان والاحتلال. خاصةً وأن الدور المركزي في منطقتنا هو لـ "إسرائيل" الكولونيالية الاستعمارية، كبؤرة إمبريالية صغرى، وفي كل ما يتعلق بالقضايا الاستراتيجية الأساسية السياسية الاقتصادية والعسكرية في المنطقة العربية.
أيتها السيدات والسادة
أيها المناضلون
في ذكرى القائد الخالد جمال عبد الناصر، وبعد ستة وثلاثين عاماً؛ الخلاصة تقول أولاً: بأن ثقافة المقاومة والممانعة العربية في نطاق أقطارها وعبر أشكالها المختلفة، ستكون قاصرة وبلا جدوى وبلا معنى أو تأثير عميق؛ ما لم تتمكن القوى اليسارية الديمقراطية العربية من إنجاز التنسيق المطلوب فيما بينها في اعتماد متبادل.
ثانياً: تحويل الصراع مع العدو الصهيوني إلى نهج سياسي ـ مجتمعي، جامع لكل مقومات وإمكانات وطموحات الجماهير الشعبية العربية في عملية المواجهة. إن مهمتنا جميعاً تقوم الآن على بناء عقل حديث جماعي لحركة التحرر القومي العربية، بآفاقها الديمقراطية والتقدمية الاجتماعية، في مواجهة أزمة التبعية والاحتواء لمجتمعاتنا العربية. أي وضع هذه الحركة على مسار خارطة طريق فعلية، على سكة التطور الاجتماعي العربي في سياقه التاريخي العام، في مواجهة الأنماط الاجتماعية القديمة، نحو البديل الديمقراطي التقدمي، في إطار النضال الوطني القومي التحرري والديمقراطي معاً، على هذا المسار يمكننا أن نبلور مشروعاً نهضوياً عربياً ملموساً نحو المستقبل، قادرٌ على التغيير والنهوض وفق مصالح وتطلعات وطموحات الأغلبية الساحقة من الجماهير العربية. بداية الخروج من المشهد الملتبس، الخروج من العقود العجاف الماضية. وهذا التغيير لن يأتينا من الخارج ولن يتم إلا ذاتياً.
أيتها السيدات والسادة
فلسطينياً وكما تعلمون، لقد ناضلنا طويلاً من أجل إنجاز الوحدة الوطنية الفلسطينية، ومن أجل تفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية، باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، عملاً بقرارات إعلان القاهرة (17 آذار/ مارس 2005)، وبنود وثيقة الوفاق الوطني للوحدة الوطنية، والتي وقعت عليها جميع الفصائل في غزة (27 حزيران/ يونيو 2006)، وصولاً إلى الاتفاق على أسس "انتخاب مجلس وطني جديد وفق التمثيل النسبي الكامل" داخل وخارج الأرض المحتلة، ونطالب بإنجاز تشكيل حكومة الوحدة الوطنية الائتلافية.
لقد ناضلنا من أجل إنجازها طوال حقبة احتكار حركة "فتح" للسلطة ولمؤسساتها، ومن ذات المنطلق نناضل ضد حكومة اللون الواحد لحركة "حماس". لقد قررت "وثيقة الوفاق الوطني" تشكيل "حكومة وحدة ائتلافية" بعيداً عن الاحتكار الفئوي، وعلى أساس "الشراكة السياسية بالقرار وليس على أساس المحاصصة"، وأن تلتزم هذه الحكومة ببرنامج سياسي جديد وموحّد مشتق من بنود وثيقة الوفاق الوطني. إن برنامجنا للخلاص الوطني، يدفع نحو الإسراع في المباحثات لتشكيل الحكومة الائتلافية، وصياغة برنامج سياسي جديد وموحّد، نحو حل القضايا الخلافية السياسية العالقة وصولاً إلى إعلان البرنامج السياسي الجديد، البرنامج الواقعي الملموس، والذي يستند على وثيقة الوفاق الوطني، وقرارات الشرعية العربية، والشرعية الدولية.
إن تحقيق المطالب تشكل مدخلاً للخروج من أزمة النظام السياسي للسلطة الفلسطينية، بكل أبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقيمية، الأزمة المتشعبة الأوجه المتعددة المظاهر، على مخاطرها السياسية فقد أخذت تمتد في المشهد الفلسطيني الراهن نحو أزمة مجتمعية، فكرية، اقتصادية، سياسية، بل أخذت تطال بآثارها بالهوية الفلسطينية ذاتها، بفعل تصاعد الدور الخارجي الأمريكي ـ الإسرائيلي بالذات على مستوى قضيتنا الوطنية وحقوقنا المشروعة بصورة خاصة، فهي أذن أزمة شعب بأكمله، أزمة الأغلبية الساحقة التي تتطلع إلى بناء الوحدة الوطنية، المجتمعية والسياسية والاقتصادية على الأرض المحتلة كلها في الوطن. التي تتطلع بشغف ومصداقية، مقرونة بآمال واستعداد عالٍ للتضحية من أجل تحقيق الأهداف الوطنية في التحرر السياسي والعدالة الاجتماعية والديمقراطية وسيادة القانون.
إن هذا يبدأ ببرنامج الخلاص الوطني، بمواجهة المسار السلبي والممارسات السلبية المختلفة وتراكماتها التي هيمنت كلياً على صورة الواقع الفلسطينية وحركته منذ عقدٍ ونيف وحتى اللحظة الراهنة، فالمطلوب إبراز الوجه الإيجابي بأدواته الوحدوية وبرنامجه في الفكر والثقافة، والسياسة والاقتصاد. طريق الخلاص الوطني ... طريق الوحدة الوطنية ... طريق وثيقة الوفاق الوطني والحكومة الائتلافية التي تضم ممثلي الفصائل الفلسطينية والكتل البرلمانية والشخصيات الوطنية.
تحية لذكرى الزعيم الخالد جمال عبد الناصر ...
تحية للشهداء ... للأسرى المناضلين ...
تحية لشعبنا الفلسطيني البطل ...
وفجر الاستقلال لا بدَّ آتٍ ...
كلمة الرفيق الأمين العام نايف حواتمه