ليس أمام كل مواطن إلا أن يحتفي بذكرى استقلال جنوب الوطن، لما لهذا الحدث من معانٍ ودلالات عظيمة ودور إيجابي داخلياً وخارجياً.
لذلك، قد يكون من الواجب على الدولة استيعاب الآمال التي كانت تعلق على هذا الحدث الذي صنعته الحركة الوطنية قبل ٩٣ عاماً من الآن، وتجاسرت على تغيير وتدمير هيمنة بريطانيا وترحيل وجودها من أرض الوطن، ليشكل ذلك أول مرحلة من مراحل إعادة تحقيق الوحدة التي شكلت بدورها أول بادرة على طريق الوحدة العربية.
مما حمله الاستقلال، أيضاً، ضبط حالة الوطن التي كانت ترتعش بالمستقبل بمواجهة التشظي والنضال من أجل إعادة وحدة الوطن التي غدت واقعاً مطلع العقد الأخير من القرن الفائت.
الوحدة أعادت الحق الى نصابه، والأرض الى وضعها الطبيعي، والمجتمع الى وحدته المصيرية التي تنتفي معها الحدود المصطنعة والحواجز المفتعلة والسياسات الشطرية التي ظلت تطلق تنظيرات ثقافية تكرس تمزيق الوطن، وتعمل على التفريق بين الوحدة الوطنية والوحدة اليمنية وكأن هذه غير تلك.
كان يقصد بالوحدة الوطنية الشطر، والوحدة اليمنية الشطران، وكأننا شعبين لا شعب واحد، مع أن اسم اليمن لم يسقط، شعبياً عند أي من الشطرين، وإن حاول الاستعمار وأذنابه من الجاليات الوافدة أن يطلقوا على الشطر الجنوبي اسم الجنوب العربي بدلاً من جنوب اليمن، ولكنها محاولة لم تفلح، وخرج الاستعمار، وبقي اليمن الذي استطاع أن ينجز وحدته.
صحيح أن الآمال واجهت الكثير من الانعكاسات السلبية التي أضرت بالمواطن ومصالحه ومعيشته، بدءاً من اتساع رقعة الفقر وسوء استخدام السلطة، وصولاً الى الخطط غير المتوازنة في بناء وتنمية الوطن، الأمر الذي سبب إنعاش بعض الظواهر السلبية التي مازالت تنظر لوحدة الوطن احتلالاً مع الأسف الشديد. ناهيك عن أن هذه الظواهر المرضية لديها الاستعداد للإفصاح عن رأيها والتنظير لقصور مفاهيمها عبر الوسائل الإعلامية للإضرار بالوحدة والاستعانة ضدها إن وجدت لذلك سبيلاً.
ما يجب أن تتنبه اليه الشعوب أن اتجاهاً بدأ يطل برأسه ويقبل باختصار الطرق، ويبدي استعداداًَ لتشكيل الحكومات مع وجود العدوان والاحتلال الأجنبي، ووسط سيل من الدماء التي يتسبب فيها هذا العدوان والاحتلال، والدليل ماثل أمامنا في أفغانستان والعراق وفلسطين للأسف الشديد.
ومن الملح ردع تلك الممارسات بما يخلق القناعة عند المواطن، وخاصة الذي مازال يرى في الوحدة احتلالاً.
الوحدة اليمنية ليست كما يصورها البعض بالغزو، بل هي وضع حتمي ومصيري لبلد واحد. لكن الشيء المقلق يكمن في تلك الممارسات التي تؤدي الى التدهور في العلاقات، وتنعش الأفكار والقناعات الضارة بالوطن والوحدة.