مخاطر الدعم الاجنبي غير المشروط

  • د. مشعل الريفي - جامعة بونا الهندية
  • منذ 17 سنة - Tuesday 06 February 2007
مخاطر الدعم الاجنبي غير المشروط

اجمعت النظريات والدراسات الاقتصادية على اعتبار الدعم الاجنبي سلاحا ذو حدين. فكما ان له منافعه لاقتصادات الدول الفقيرة والنامية، فان التجربة قد اكدت للمراقبين على وجود آثار سلبية خطيرة للاعتماد على الدعم الاجنبي. الدلائل والشواهد كثيرة ومتعددة على تلك الآثار السلبية . كان الدعم الاجنبي في فترة الحرب الباردة يشكل مصدرا هاما من مصادر التمويل في البلدان الفقيرة والنامية والذي كان يقدم لحكوماتها من الدول المانحة دون شروط او اشراف على استخدامه في اغراض التنمية الاقتصادية والبشرية لتلك البلدان. وغالبا ما كانت تلك الحكومات غير كفؤة من الناحية الادارية والتنظيمية وتعاني من اختلالات عديدة كالفساد والمركزية وعدم الشفافية وغياب الرقابة علاوة على غياب الديمقراطية والمشاركة الشعبية، وهو ماجعلها غير مؤهلة لادارة وتوجيه عجلة النمو الاقتصادي وغير قادرة على توظيف الامكانات والموارد المتاحة بما في ذلك الدعم الاجنبي الوفير نسبيا على نحو يخدم اغراض التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ونظرا لعدم حصول تلك الحكومات على الدعم الفني والادراي المتناسب مع حجم المساعدات المقدمة ومع متطلبات النمو كان مصير الجزء الاكبر من المساعدات الاجنبية التبديد في اغراض لاتخدم عملية النمو علاوة على ضياع جزء معتبر منها في جيوب الفاسدين حيث خلقت تلك المساعدات في الغالب شبكات فساد مترابطة ومغلقة. وكان الانفاق العسكري والامني يلتهم الجزء الاعظم من المنح والمساعدات الاجنبية وعلى نحو مبالغ فيه، اذ ان الانفاق العسكري في كثير من تلك الدول قد طغى على اوجه الانفاق الاخرى الاكثر ارتباطا بالتنمية، ولم يكن مرتكزا على اعتبارات الامن القومي وصد العدوان بقدر ماكان مرتبطا كذلك بتقوية نفوذ وسيطرة الانظمة الحاكمة وتأمين الحماية لها من حركات التغيير المرجح نشوءها في الداخل. اذ ان العديد من البلدان النامية مستقبلة المساعدات كانت محكومة بانظمة شمولية دكتاتورية واحيانا فردية واسرية. تتحدث احدى الدراسات الاقتصادية- بعنوان "تاريخ الدعم الاقتصادي الاجنبي" ، " لدان موجر" - عن استخدام الدعم الاجنبي في تمويل الانفاق العسكري وتقوية نفوذ الانظمة الحاكمة والاغرض التي لا تخدم النمو المستدام بالقول: " ان التاريخ المتعلق بالدعم الاجنبي يوضح انه كان موجها منذ البداية للأغراض التالية وبالترتيب:

تمويل النفقات العسكرية والحروب
تمويل المشروعات التي تربط الدول المستفيدة من الدعم بالدول المانحة اقتصاديا وسياسيا
تلبية احتياجات اقتصادية قصيرة الأجل "
ومن خلال استعراضها لعديد من تجارب الدعم الاجنبي خلصت الدراسة الى ان المشكلة في عدم فعالية الدعم الاجنبي في تحقيق النمو الاقتصادي المستدام كانت تكمن في الحكومات التي تحمل اجندا سياسية وتعاني من العديد من الاختلالات وبالتالي تقترح الدراسة من اجل ضمان سياسة فعالة للدعم الاجنبي في المستقبل جملة من المقترحات اهمها ان يتم الدعم الاجنبي عبر قنوات غير حكومية والا يكون بالضرورة في شكل سيولة نقدية وان يوجه لاغراض التنمية الاقتصادية طويلة الاجل

و يعتبر" ثوماس ديلورينزو" - اقتصادي اميريكي - ان الاعتماد على الدعم الاجنبي قد ضيع على البلدان الفقيرة فرص تحقيق النمو الذاتي وتنمية الموارد والقدرات الذاتية وقتل فيها روح المبادرة والابداع واستنهض روح الاتكالية او التواكل لديها وهو ما يعد من أخطر الآثار السلبية للمساعدات والقروض الاجنبية. حيث تتحرك الحكومات في تلك البلدان باتجاه المجتمع الدولي وباتجاه الدول الغنية كل ما واجهت ازمات مالية ونقص في الموارد لطلب مد يد العون لتقوم من خلاله بتغطية احتياجاتها المالية التي هي في الغالب غير انتاجية وغيرانمائية وهو ما يبقيها مجتمعات غير منتجة ومستمرة في التخلف والفقر. حيث يقول تحديدا: ".... الدعم الاجنبي خلق موقفا وشعورا عاما لدى الدول المستقبلة له بان الوقائع والظروف هي باستمرار خارج قدرتها وسيطرتها وبالتالي عليها دائما ان تعتمد على التسول من الاجانب عوضا عن الاعتماد على الذات والمبادرة، وبهذا يخلق الدعم الاجنبي خطرا اخلاقيا ومعنويا كبيرا " ويستشهد برأي لورد باور عن الدعم الاجنبي ومفاده ان الدعم الاجنبي من وجهة نظره لم يكن دعما وانما تحويلا ت جارية، وتحديدا تحويلات جارية ليس للفقراء والمحتاجين بل لحكوماتهم ولذلك في الغالب كانت نتيجة الدعم الاجنبي توسع في حجم قطاع الدولة " الحكومة" ونفوذها والتي تنتهي دائما الى اضعاف التقدم وتقييد حرية الافراد " الشعب" والى المركزية الشديدة للسلطة.

وكذلك وعلى سبيل المثال يعتبر كل من "جورج اكونومايدز و سارانتيز كاليفيتز و ابوستوليس فيليب " في دراستهم – القياسية والمعتمدة على نظرية المباريات و المعنونة ب " هل الدعم الاجنبي يشوه الحوافز الذاتية ويضر النمو؟ النظرية والواقع"- ان : " الدعم الاجنبي يشوه الحوافزالفردية الذاتية ويضر بالنمو الاقتصادي وذلك من خلال تشجيعه على الانشطة الريعية مقابل اهمال الانشطة الانتاجية"

" مئات الحالات لبرامج الدعم المقدمة من الولايات المتحدة الاميريكية اضرت بالدول النامية وكانت عبارة عن مكافاءات للدول نظير الفشل الاقتصادي وشجعت غلى تأجيل تطبيق الاصلاحات الاقتصادية في تلك الدول ، والدول التي تلقت معونات اقل بدت اليوم في حال أفضل من تلك التي تلقت دعما ماليا أكبر" هذا ما خلص اليه الاكاديميان الاميريكيان دوج باندو و لان فاسقيوز في كتابهما " ادامة الفقر" ((Perpetuating Poverty ، فوفقا لباندو: غالبية الدول التي تلقت الدعم الاجنبي قد اصبحت تعاني من ركود اقتصادي وبعضها تواجه مخاطر انهيار مقوماتها، 70 دولة منها اصبحت (عام 1997 ) افقر مما كانت عليه عام 1980 ، ولا يوجد في اي دولة منها ان حصل ارتباط بين النمو الاقتصادي والدعم الاجنبي. ويضيف ان عددا من أكبر الدول النامية تلقيا للمساعدات الاجنبية مثل بنجلادش ومصر والسودان وزامبيا اصبحت مؤخرا من ضمن الدول الاسوأ في العالم من حيث الاداء الاقتصادي.

كانت حكومات العالم الثالث تتسلم وتطلب المساعدات الاجنبية وكذلك القروض غير المشروطة نيابة عن شعوبها الفقيرة تحت شعار النهوض بمستويات معيشتها اقتصاديا وعلميا وثقافيا. ولم تبدأ الدول والهيئات المانحة الالتفات الى الحقيقة التي تم تجاهلها - بان تلك الاموال لا تذهب لمصلحة من قدمت من اجلهم - الا بعد مدة طويلة من الزمن وتحت ضغط اعلامي وبعد انتهاء الدوافع السياسية والاستراتيجية لتقديم الدعم السخي غير المشروط بعيد انتهاء الحرب الباردة وانهيار القطب الاشتراكي ممثلا بالاتحاد السوفيتي في مطلع تسعينيات القرن المنصرم.

منذ ذلك التاريخ بدأ حجم المساعدات – الممنوح لكل دولة - عموما بالانخفاض وبدأت الجهات المانحة تضع شروطا يتعين على الدول موضوع المساعدة القيام بها وتلبيتها وهي كانت حزمة من الاصلاحات الاقتصادية التي تكفل تحريرا تدريجيا للاقتصادات وتوجهها نحو العمل بآلية السوق. الا ان الدعم غير المشروط لم ينتهي تماما وانما تناقص بشكل كبير. وبدأ الحديث من قبل دوائر اتخاذ القرار في الدول المانحة عن عدم جدوى الاستمرار في تقديم المساعدات لحكومات العالم الثالث رغم تطبيقها لبعض شروط الاصلاح الاقتصادي. وذلك على اعتبار ان الفساد والحكم غير الجيد او غير الرشيد في تلك الحكومات هو المعطل الاساسي لكل جهود الاصلاح والعائق امام تدفق الاستثمارات والمبدد للموارد والامكانيات.

وتعد اليمن واحدة من الدول التي اعتمدت على الدعم الاجنبي بشكل كبير مستفيدة في ذلك من سباق الاستقطاب ابان الحرب الباردة ومن موقعها بجوار دول نفطية غنية تربطها بها علاقات دينية وانتماء الى جانب علاقات جوار بدون حدود مرسمة. وكان انقسام اليمن الى شطرين مختلفين سياسيا وايدولوجيا ، ومتصارعين كذلك ، العامل الحاسم وراء جزء كبير من المساعدات التي تم الحصول عليها. حيث شكل الدعم الاجنبي من قروض ومساعدات ما يقارب بالمتوسط 20 % من الناتج المحلي الاجمالي السنوي في فترة الثمانينيات. وكان الانفاق العسكري حينها يلتهم نصيب الاسد من الموارد الكلية المتاحة بما في ذلك موارد الدعم الاجنبي. حيث شكل الانفاق العسكري السنوي في تلك الفترة بالمتوسط مايتجاوز 11 % من الناتج المحلي الاجمالي وقرابة 30 % من اجمالي الانفاق العام السنوي (في ضوء التقديرات المتفاوتة المتاحة والتي من المرجح ان تكون اقل من الواقع). رافق ذلك تضخم للجهاز الاداري للدولة وتوسع غير مناسب للقطاع العام سواء في الشطر الجنوبي الذي كان فيه مسيطرا على النشاط الاقتصادي او في الشطر الشمالي الذي كان اقتصادا مختلطا يتواجد فيه القطاع الخاص الضعيف والمحدود والمتخلف الى جانب القطاع العام المدار وفق اسس غير اقتصادية. واتسعت البطالة المقنعة واستشرى الفساد وتبديد المال العام نتيجة لذلك ولم تحظى مشاريع التنمية الا بالنزر اليسير من المتاح و لم تخلو هي الاخرى من التعثر والاختلالات وغياب الاولويات والتوزيع العادل.

ونتيجة لذلك ضل الاقتصاد هشا وضعيفا، ومفتقرا الى المقومات الذاتية للنمو وحتى للاستقرار والبقاء وبالتالي كان معرضا للازمات والانهيارامام الصدمات المحتملة. وكان الامر كذلك فما ان تراجع تدفق الدعم الاجنبي والاقليمي وعاد المغتربون اليمنيون العاملون في دول الجوار بعد الوحدة اليمنية باقل من عام ضمن تداعيات حرب الخليج، حتى دخل الاقتصاد اليمني في دوامة ازمة اقتصادية ثقيلة مازالت اضرارها قائمة حتى اليوم رغم جهود الانعاش واعادة الاستقرار المبذولة منذ عام 1995. حيث تعرض الاقتصاد حينها لهزات عنيفة جراء التضخم المتسارع والكبير الذي سيطر خلال النصف الاول من التسعينيات وما رافقه من مشاكل العجز المالي في الموازنة العامة للدولة وفي ميزان المدفوعات. وكان انهيار قيمة العملة المحلية (الريال) كبيرا ومتسارعا وشبه يومي. ترافق ذلك مع دخول اليمن في ازمة سياسية شديدة ضاعفت من عدم الاستقرار الاقتصادي. وتضرر غالبية السكان في معيشتهم ودخلوا في معاناة اقتصادية متفاقمة تجاوزت معاناة الفترة الماضية بكثير.

وبما يتفق مع ما تطرحه النظرية الاقتصادية، لم يكن امام الحكومة التي تعودت على تلقي المساعدات من الخارج سوى اللجوء الى الدعم الاجنبي مجددا لانقاذ الاقتصاد وربما لانقاذ النظام السياسي بالكامل. وجاء الدعم الاجنبي مشروطا هذه المرة بتطبيق حزمة من الاصلاحات الاقتصادية عبر برنامج متكامل للاصلاح المالي والاقتصادي بدأت الحكومة تنفيذه في مارس 1995.

برنامج الاصلاح الاقتصادي وان نتج عنه عدد من الاثار الجانبية السلبية التي اضرت بمعيشة شريحة عريضة في المجتمع من ذوي الدخل المحدود والمزارعين والفقراء، فان تطبيق بعض عناصره قد ساعد على استعادة الاستقرار الاقتصادي بصورة نسبية وربما مؤقتة او مرحلية ان صح التعبير. بما يعني ان الاستقرار طويل الأجل والتنمية المستدامة مازالا امرين غير مضمونين كون ذلك يستلزم بذل مزيد من الجهود الانمائية والاصلاحات الادارية والسياسية والقضائية، تكفل تجاوز التحديات التي يواجهها الاقتصاد حاليا وفي المستقبل المنظور. حيث بدأت مؤشرات التراجع الاقتصادي بالعودة مجددا للظهور منذ مطلع الالفية الجديدة فقد تراجعت معدلات النمو الاقتصادي بشكل ملحوظ وتفاقمت مشاكل الفقر والبطالة اكثر فأكثر وبدأت موجات الارتفاع السعري بالنشاط مجددا. ولم تنتهي الانتخابات الرئاسية والمحلية الا وسادت موجة ارتفاع في اسعار عموم السلع والخدمات انفرط عيارها ولم تنتظر حتى الى ان يلتقط المنتافسون في الانتخابات انفاسهم. لتكون بذلك اولى بشائر المرحلة القادمة وعنوانا عريضا للتحديات الاقتصادية والسياسية التي من المفترض ان تواجهها رئاسة و حكومة ما بعد سبتمبر 2006. ورغم انه يمكننا ان نتفهم الدواعي السياسية التي تصلح لان تكون ذا صبغة وطنية وراء تفسير الارتفاع السعري الذي حدث بكونه كان ضمن موجة ارتفاع للاسعار عالميا. فان ذلك التفسير يجب الايكون مخرجا وطريقا للتنصل من المسئولية الوطنية للرئاسة والحكومة في تأمين الاستقرار الاقتصادي. كما انه غير مقنع لازالة قلق الناخبين (المواطنين) خاصة وان تأتي موجة ارتفاع الاسعار " عالميا بحسب زعم السلطة" بعد الانتخابات الرئاسية والمحلية مباشرة وبيوم او يومين. وكذلك فانه ومن المفارقات ان يكون تدويل وعولمة الأزمات المحلية غير ملائم لكوننا نعيش في عصر العولمة والذي لم يعد فيه المواطن معزولا عن العالم بل تصله الكثير من المعلومات المفصلة واخبارالعالم لحظة بلحظة وبالتأكيد فانه لم يسمع و لابد حينها في وسائل الاعلام العالمية عن حدوث ارتفاع عالمي في الاسعار. صحيح هناك حروب وارتفاع غير مستقر في اسعار الوقود عالميا في الفترة الراهنة الا ان الاسعار عموما تمر بفترة استقرار نسبي في اكثر بلدان العالم. وكذلك اذا ما حدث ارتفاع في الاسعار في عدد من الدول فانه يحدث بشكل تدريجي وبطئ كانعكاس ونتيجة مصاحبة لنمو اقتصادي مستمر ومتواتر وهو ارتفاع صحي وايجابي في الاسعار. اما ان تحدث موجة ارتفاع سعري شاملة وسريعة ومفاجئة فذلك امر يعكس وجود ازمة اقتصادية او خلل جدي ما في الاقتصاد يجب الالتفات اليه ومعالجته. لقد رافق الانتخابات الرئاسية والمحلية نشاطات انفاق وتوزيع للعملة المحلية في اطار التسابق على كسب تأييد الناخبين كانت كفيلة بتشجيع قوى العرض (الاحتكارية) على رفع الاسعار ودون تردد وبشكل واسع.

قرابة 10 اعوام مرت منذ بداية تطبيق برنامج الاصلاح الاقتصادي الذي صاحبه الدعم المالي الاجنبي ، واليوم تسعى الحكومة اليمنية مجددا الى الحصول على دعم اجنبي جديد تحت شعار النمو وتعزيز القدرات الاقتصادية للبلد وتحسين معيشة الشعب والتخفيف من الفقر. والحديث هنا عن مؤتمر المانحين الذي اقيم في لندن بتاريخ 15/11/2006م بشراكة ورعاية من قبل دول مجلس التعاون الخليجي الذي تعرب الحكومة في كل مناسبة عن رغبتها الملحة في انضمام اليمن اليه. ياتي هذا التحرك الحكومي الجديد لطلب الدعم الاجنبي في ظل تراجع العديد من مؤشرات الحكم الجيد وفي ظل جمود وتردد في انجاز الاصلاحات الادارية الشاملة والحقيقية وفي ظل تراجع لحوافز وجذب الاستثمار. وبالتالي لم يكن من المستغرب الحديث عن شروط وعن مصفوفة اصلاحات وعن تأجيل مؤتمر استكشاف الفرص الاستثمارية وعن اقتراح تشكيل صندوق للدعم يكون خارج سيطرة الحكومة اليمنية من الحكومة نفسها والتي تعرف ان المانحين يعرفون جيدا مؤهلاتها وتاريخها في التعامل مع القروض والمساعدات ومع موارد الدولة بشكل عام. والجدير بالذكر هنا هو ان دور المعارضة اليمنية ابان التحضير لمؤتمر المانحين واثناء انعقاده كان ضعيفا وغير مناسب رغم انه كان يمثل ومازال واحدا من مسئولياتها الوطنية. وحتى وان كانت جدلا بالحجم الذي عكسته الانتخابات الرئاسية اي 22% من الشعب كان من المتعين ان يكون صوتها اكثر ارتفاعا وحضورها اقوى مما كان عليه. وحيث ان الحكومة نفسها قد قبلت بل واقترحت الدعم المشروط وتشكيل صندوق كان على المعارضة ان تعلن رسميا وتتخاطب رسميا مع المانحين وعبر وسائل اعلامها عن ضرورة ان يكون الدعم مشروطا وخاضع للرقابة والشراكة في التنفيذ، حيث انتفت اي مخاوف من اتهامها بالعمالة او الانتقاص من السيادة طالما وان السلطة قد كانت اكثر واقعية وبرجماتية بترحيبها بفكرة الصندوق والدعم المشروط. فالمصلحة الوطنية وحماية حقوق الشعب الذي تجلب المساعدات باسمه تقتضيان موقفا واضحا وفعالا للمعارضة في اتجاه الدعوة الى الدعم المشروط كوسيلة وحيدة تضمن الاستفادة مما قد يتحصل من مساعدات وقروض لصالح المجتمع ولاغراض النمو الاقتصادي.

وحتى اليوم لم تتضح معالم آلية تقديم وانفاق المبالغ المعلن عنها في المؤتمر وهذا ما يثير الكثير من الشكوك حول امكانية تنفيذ نتائج المؤتمر ووصول المبالغ ابتداء وحول عملية انفاقها. واذا ما استمر دور المعارضة على ماهو عليه فستكون شريكا اساسيا في تبديد موارد الدولة اذا ما حدث وان فشلت المساعدات في تحقيق اهدافها الاقتصادية وسيلقي بالشكوك حول مصداقية - على الاقل- قياداتها امام الشعب وامام قواعدها الجماهيرية. فايحاءات تلويح الحزب الحاكم للمعارضة بما يسميه فتح ملفات مغلقة والذي يظهر من مناسبة لأخرى قد تلقى قبولا لدى الشارع – ولو كانت مضللة- اذا ما استمرت المعارضة في اتخاذ مواقف متهاونة في المستقبل ازاء قضايا يكون من المفترض ان تخلق حراكا سياسيا وشعبيا.