بصوتٍ حزين تخنقه العبرات وبهم جاثم على الصدر تنهدت عائشة محمد وهي تحكي لنا قيام مالك المنزل الذي تستأجره بقطع الماء والكهرباء على شقتها وذلك بسبب عجزهم عن دفع الايجار.
وترجع تلك الماساة التي تعيشها عائشة ومثلها الكثير من المواطنين الى ارتفاع عمولة التحويل من مناطق سيطرة الحكومة الشرعية الى المناطق الخاضعة لسيطرة سلطات صنعاء .
تقول عائشة وهي ام لاربعة اطفال اصغرهم يعاني من داء "السكر" انه وبدلاً من استلام زوجها لراتبه الذي يبلغ 130 الف ريال كاملاً يصله من عدن وقد خصم منه عمولة تحويل تصل احياناً الى اكثر من 60% وهذا ما يعني خسارة ما يقارب 52 الف ريال ، ومبلغ كهذا في وضع كالذي يعيشه المواطن اليمني يمكن ان يحل ازمة كشراء ما يمكن شراءه من السلع الغذائية او شراء علاج لطفل قد يفقد حياته اذا عجزت اسرته على توفيره.
والقت تداعيات ارتفاع عمولة التحويلات المالية بظلالها على ذوي الدخل المحدود، خاصة اولئك الذين لهم اهل واقارب واصدقاء في المحافظات الاخرى ، حيث يعزفون عن عدم ارسال الاموال الصغيرة نتيجة ارتفاع عمولات التحويل، وانعكس هذا من خلال ما كتب عنه الكثير في منصات التواصل الأجتماعي ،ليشكل ذلك نموذجاً للمعاناة التي يتجرعها المواطن بفعل الانفسام في القرار الاقتصادي بين السلطتين .
من جانبه يرى دكتور علم الاقتصاد علي مهيوب العسلي ان الانقسام المصرفي اذا كان سيقضي على ما تبقى من عروق حية في اجسام اليمنيين فلابد من التوجه للتعامل بالدولار بدلاً من الريال.
العسلي دعا عبر (الوحدي نت ) الى ضرورة عودة طرفي الصراع الى مضمون الهدنة الاقتصادية التي كانت منفذة في الواقع والى تنفيذ اتفاق ستوكهولم فيما يخص الموارد ، للحد من هذا الانقسام الحاصل وبما يهدف الى نجاح جهود السلام في البلاد وانهاء الحرب .
وتتفق هذه الدعوة مع دعوات ملايين اليمنيين الذين يتطلعون لانهاء هذا الانقسام وتوحيد قرار العملة الوطنية بما يخفف من اعبائهم، و يحسن الوضع الاقتصادي كخطوة أولية للدفع بمساعي السلام الى الأمام ووضع حد لهذه المعاناة .
رئيس مركز الاعلام الاقتصادي مصطفى نصر هو الاخر دعا الى ضرورة تحييد القطاع المصرفي على قاعدة مصلحة المواطن مقدمة بالدرجة الاولى ، كما شدد على ضرورة وقف التصعيد والحرب الاقتصادية التي يكون المواطن ضحيتها .
وعبر نصر ل( الوحدوي نت ) عن اسفه من تكبيد المواطنين في مناطق سيطرة الحكومة(الشرعية ) عمولة باهضة ناتجة عن الانقسام الحاصل في قيمة العملة منذ اتخاذ سلطات صنعاء قرار منع تداولها وتثبيت سعر العملة الذي ادى بالمقابل الى ضغط على مناطق سيطرة الحكومة .
وأكد ان قيادة البنك المركزي في عدن ارتكبت خطأ عندما قررت طباعة عملة مختلفة عن العملة القديمة وهو ما سهل عملية تمييزها وفصلها عن العملة القديمة .
كما اعتبر ان مسألة قرار منع تداول العملة رغم صعوبته يتطلب جهد وكلفه ،وتداعياته سلبية على الناس ،حيث يتم ملاحقتهم ومصادرة اموالهم، كما انه يضاعف من ماساة الناس.
مضاعفة الأزمة الانسانية
ومع تفاقم المعاناة مؤخراً التي سببها ضخ العملة النقدية ذات الحجم الصغير، وانهيار العملة المحلية منذ اكثر من شهر اقر البنك المركزي في عدن مجدداً بطباعة عملة نقدية جديدة من فئات الالف ريال وبذات الحجم الكبير الموجود في مناطق سيطرة سلطات صنعاء وتنفيذاً لذلك اقر مجلس ادارة البنك المركزي افي عدن بحسب موقعه الرسمي بضخ العملة الجديدة الى السوق في كافة مناطق البلاد ،كما الزم البنوك ومؤسسات التحويل والصرافة وخلال فترة قريبة قادمة بوقف فرض عمولات جزافية وغير واقعية للتحويلات الداخلية بين مختلف مناطق البلاد بدواعي التمييز السعري بين فئات العملة الواحدة ،واكدا بأن اي مخالف سيتعرض لعقوبات مشددة .
ورداً على قرار البنك المركزي في عدن اتخذت سلطات صنعاء اجراءات سريعة بمنع تداول العملة في مناطقها واعتبر مصدر مسؤول في البنك المركزي بحسب وكالة الانباء اليمنية (سبأ )ان قيام سلطات عدن بأغراق السوق بالعملة المزيفة (حد قوله) سيترتب عليه انهيار في قيمة العملة المحلية في مناطقها.
وفي ذات السياق اكد الصحفي المتخصص في الشوؤن الاقتصادية محمد الجماعي ل( الوحدوي نت ) ان رفض سلطات صنعاء مرة اخرى التعامل بالطبعة الجديدة سيؤدي الى ارتفاع سعر الدولار الى ماهو ابعد من 1000 ريال في مناطق سيطرة سلطات عدن وسيتضطرب السوق أكثر من السابق .
وتخفيفاً للأزمة الاقتصادية والانسانية الحادة قال الممثل الاقليمي لصندوق النقد الدولي ان اليمن ستحصل على 665 مليون دولار من احتياطات صندوق النقد الدولي والذي سيساهم حد قوله في تخفيف ازمة اقتصادية وانسانية حادة في البلاد.
من جهته حذر المتحدث باسم الامين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك في تصريح سابق من الوضع الانساني في اليمن ،واكد ان هناك خمسة مليون شخص على بعد خطوه واحدة من المجاعة و16 مليون من الرجال والنساء والاطفال يعانون من الجوع هذا العام .
احتواء التدهور الاقتصادي
من جانبه يقول الدكتور العسلي ان اعادة التوحيد السريع لآليات عمل البنك المركزي المنقسم حاليا سيكون اولى خطوات احتواء التدهور الاقتصادي واعادة الخدمة الاساسية في جميع انحاء البلاد ،كما نوه الى ضرورة اشراك خبراء دوليين في ادارة البنك كضامنين وتوفير اوراق نقدية اضافية ،وأعادة الثقة للبنك وكذلك انعاش الدورة النقدية للعودة الى معدلاتها الطبيعية .
وفي ظل هذه الأوضاع ما تزال هناك أصوات كثيرة تكرر دعواتها لكافة الأطراف الداخلية والخارجية للعمل سويا من أجل إيجاد حلول ناجعة لمعالجة ما يحدث من انقسام في الشأن الاقتصادي الذي يعد معالجته نقطة الضوء للسير نحو سلام عادل وشامل في اليمن ، وبما يضمن عدم تكرار ذلك مستقبلاً، وهو ما يأمله الجميع كخيار حتمي يتسق مع الدعوات المحلية والأقليمية والدولية الرامية الى وقف ذلك التدهور، وايجاد بيئة ملائمة للسلام ينخرط فيها الجميع .