قبل مايقارب العامين قدمت احزاب اللقاء المشترك برنامجها السياسي للاصلاح الوطني الشامل والذي احتوى تشخيصا دقيقا وموضوعيا لاوجاع اليمن و أحوالها المتدهورة الى جانب تقديمه للأدواء والمعالجات المنبثقة من فهم واع للظروف القائمة وادراك للمسؤلية تجاه الوطن وبدون ادعاء الكمال واحتكار الحقيقة.
وان كانت المعطيات الراهنة لظروف الحياة السياسية والاجتماعية ومجمل الحراك والتطورات على الساحة الوطنية تؤكد شواهد التدهور والانهيار الشامل على كافة المستويات ومجالات الحياة العامة وذلك كنتاج طبيعي لسياسات الفساد والاستبداد التي تحكم بها البلاد في ظل تركز مقاليد السلطة والقوة والصلاحيات في شخص فرد وبدون مقابلة ذلك اي مسؤليات او حساب وان كان هذا هو حال وطننا اليوم كما حذرت منه مبادرة المشترك وتوصيفها الدقيق أيضا لمجمل السياسات الخاطئة التي تدار بها البلاد الا ان مسؤلية احزاب المشترك لا تنتهي عتد مستوى طرح البرنامج للجمهور للمرة الاولى وكفى
اليوم هناك استراتيجية مدروسة وسياسات منهجية معتمدة من قبل السلطة وبامكانيات الدولة تنفذ بكل قوة لفرض الاستبداد السافر ومشاريعه على الشعب في اطار الارتداد المدروس عن اخر ما تبقى من بقية لقيم الديمقراطية والحرية
والمفترض على الجانب الاخر ان يكون هناك بنفس القوة والمقدار ادراك وطني مسؤل بحجم الاستبداد و خطورة مشاريعه التي تحاك للوطن وأن يترجم هذا الوعي والادراك الى خطة استراتيجية منهجية تكون قاعدتها والياتها هي الارادة الشعبية والجماهير العريضة لتقف مدافعة عن حريتها وارادتها وحقوقها و اختياراتها الحرة في حياة كريمة
وفي مثل هذه الظروف والمعطيات الحساسة للمرحلة الحالية ينبغي لبرنامج اللقاء المشترك للاصلاحات الوطنية ان ياخذ دوره ومكانته كرؤية تمثل خلاصة للمطالب الوطنية وطرحا موضوعيا ممثلا للارادة الشعبية في مواجهة ارادة الاستبداد ومشاريعه
لكن على الواقع العملي وعلى رغم مرور فترة زمنية طويلة نسبيا على اعلان برنامج الاصلاح السياسي والوطني الا ان التعامل معه ظل يتم في اطار نخبة المشترك وقياداته العليا واستدعاء البرنامج والتذكير به كلما دعت الحاجة الظرفية الموسمية ولم ينزل البرنامج بعد الى الشعب وفئاته ولم يفعل في اوساط اللناس بالشكل المطلوب خاصة وان الشعب هو المعني بالبرنامج وهدفه
وفي هذه المرحلة المفصلية من حياة شعبنا لم يعد مجديا ولا مقبولا ان يظل برنامج المشترك نخبويا محصورا في اطار المجلس الأعلى لقيادة المشترك بل ينبغي أن تأخذ الاحزاب مشروعها مأخذ الجد والاهتمام وتنزل به الى انصارها وقواعدها في الساحة الوطنية كبرنامج عمل حقيقي يتأسس عليه النشاط الحزبي وتعمل على ترسيخه قواعديا الفعاليات والمناشط المختلفة لاحزاب المشترك ولأن تجربة الانتخابات الرئاسية والمحلية قد أوضحت عن نجاح المشترك وخطابه في الانتخابات الرئاسية كان ذلك جليا من خلال الدعم والالتفاف الشعبي حول مرشح الرئاسة المهنس فيصل بن شملان حيث كان لوحدة الموقف والتنسيق الكبير الذي لعبته القيادة التنفيذية للمشترك دورا كبيرا في انجاح حملة مرشحها الرئاسي شعبيا اذ كان الهدف واضح والبرنامج محدد بينما في المحليات كانت التجربة معكوسة والنتائج سلبية اذ دخلت احزاب المشترك في المحليات في ظل فراغ و انعدام تنسيق و غياب برنامج مشترك هو اصلا موجود ومعلن عنه وسيطر تشتت مواقف احزاب المشترك ويعود ذلك الى الجهل وعدم الوعي ببرنامج الاصلاحات بسبب تجاهله وعدم تفعيله في أوساط قواعد الاحزاب التي دخلت تجربة الانتخابات دون تبلور وعي وادراك لأهمية النضال السلمي وتراكم التجربة الشعبية في اطار برنامج وطني بغض النظر عن النتائج المحسومة سلفا .
واليوم في اطار ظروف البلد التي تدار بسياسات منهجية تريد العودة بالوطن الى عصور الشمولية فان الحاجة الموضوعية تفرض نفسها بضرورة تفعيل برنامج المشترك للاصلاح السياسي والوطني الشامل في أوساط الناس كمنهج فكري وسياسي مقاوم لمخططات وسياسات الاستبداد وبحيث يأخذ الشعب دوره ويتحمل مسؤلياته في تحديد مصيره ورسم مستقبل أجياله ولعل أوضاع البلد لاتحتمل تأخر أو تقاعس احزاب المشترك عن اداء التزاماتها الوطنية تجاه الشعب الذي رأي في برنامج المشترك الامل والخلاص وحتى لا نجد انفسنا في وضع لايسمح بطرح رأي أخر- مخالف للسلطة- في وسط مؤشرات سلبية جمة ومخيفة على مستقبل الوطن على المدى القريب المنظور فنتائج الانتخابات ومابعدها كشفت حقيقة سلطة تعتمد القوة السافرة لاكتساب شرعية الحكم في ظل اعتمادها لحكم مشائخي - اقطاعي بأيدي مراكز القوى والنفوذ توكل اليهم مهام ارهاب الناس واغتصاب الارادة الشعبية وحسم الانتخابات بالتزوير الفاضح وكذلك تفجر الحروب الداخلية والتي أخرها حرب صعدة التي تضع الشعب اليوم أمام حقيقة ومصداقية نتائج انتخابات تمنح تفويضا للحروب والدماء والى جانب ذلك التدهور المضطرد في مجال قمع الصحافة وحرية الرأي وخنق ماتبقى من هامش ديمقراطي ظل ديكور خداع من اجل استجداء مساعدات الخارج ويضاف الى ذلك مؤشرا سلبيا جوهريا و هاما هو زيادة تمكين سطوة مراكز قوى الفساد في حكم البلاد في شتى المجالات الأمر الذي زاد الأمور تدهورا وضاعف المعاناة الشعبية بدرجة مهولة ولا منطقية وفي اطار ثنائية رهيبة اجتمع فيها تسليط المتنفذين والاقطاعيين وقمع الحريات وانتهاك الحقوق الانسانية الى جانب تفشي الفساد وتدهور الاقتصاد ومعيشة الناس واستفحال الغلاء والبطالة والجوع لصالح مراكز النفوذ وقوى الفساد التي تدير البلد وتسيطر على كافة المقدرات والموارد الوطنية .
كل هذه المعطيات وكل مايعتمل اليوم في وطننا يوصلنا الى نتيجة مفادها ان الامور تسير نحو فرض الاستبداد قهرا على هذا الشعب و بمنهجية منطق القوة والقهر وهذا مايفسر التوجه نحو تهميش المعارضة واللقاء المشترك وتقليص وجوده وتمثيله السياسي في البرلمان الى أقل من ربع النسبة التي يشغلها اليوم ولعل تجربة انتخابات ال 20 من سبتمبر قد حددت فيها السلطة حصة احزاب المشترك فيها ونجحت في ذلك رغما عن اتفاق المبادئ والتسويات الفوقية وهي تسير على نفس الطريق لفرض النسبة التي تريدها للمعارضة في انتخابات قادمة ومن ثم تمرير مخططها وفرض مشاريعها التي تريد عيانا في صورة يمكن مقاربتها مع التعديلات الدستورية التي جرت مؤخرا في مصر التي فرضت مزيدا من احتكار السلطة وهيأت الامور وسوت الأرضية المناسبة لتوريث الحكم .
ليس هناك من رهان الا على الشعب وخارطة طريق انقاذ اليمن لن تكون الا بالتوجه بمشروع الاصلاحات الوطنية الشاملة الى الشعب وغرسه كثقافة حقوق ومطالب حية وبرنامج عمل يتبناه الرأي العام وحتما الارادة الوطنية اذا ما ناضلت في اطار مشروع منهجي قاعدته شعبية ستنتصر على السياسات المنهجية التي تتبنى وتسعى اليوم لفرض الاستبداد ومشاريعه .