الشعب جائع... الشعب سينتفض

  • عادل عبدالمغني
  • منذ 16 سنة - Tuesday 07 August 2007
الشعب جائع... الشعب سينتفض

الجوع ليس كافراً وحسب، بل إنه متوحش وبشع أيضاً. هو كائن لايرحم، ولا يعترف بالمصطلحات السياسية، ولا بدغدغة العواطف عبر الخطب والوعود الرنانة.
حقيقة يبدو أن حكومة الحزب الحاكم لم تعي مضامينها بعد، وهو ما ينذر بكارثة، إن حلت فلن ينجو فيها أحد.

وبصورة جنونية لايمكنها أن تحدث في أي بلد في العالم، تشهد أسعار المواد والسلع الغذائية زيادات متواصلة ضاعفت من حالة التدهور التي يعيشها الاقتصاد الوطني، وأنهكت كواهل أرباب الأسر اليمنية، الذين عجز عدد كبير منهم تماماً عن الإيفاء بمتطلبات الحياة المعيشية، ولو بحدودها الدنيا.
ووسط صمت رسمي مخزٍ، وجشع فاضح من قبل لوبي فساد يحكم ويتاجر بأقوات المواطنين، مستغلاً سلطته ونفوذه، بلغت نسبة الزيادات السعرية التي طرأت على المواد والسلع الأساسية، خلال شهور ما بعد الانتخابات الأخيرة العام الماضي، أكثر من الزيادات السعرية التي طرأت على هذه المواد في 7 سنوات مجتمعة.
وهو ما يكشف عن توجه خطير من قبل السلطة نحو استثمار الوطن والمواطنين لمصالح ذاتية، حتى وإن كان ثمن ذلك انهيار البلد ونسيجه الاجتماعي.
ومؤخراً، وصلت أسعار القمح والدقيق؛ كأهم مادتين غذائيتين يعتمد عليهما المواطن اليمني، الى مستويات غير معقولة. وحتى بداية الأسبوع الحالي، بلغ سعر الكيس الدقيق (50كجم) 4800 ريال، بينما وصل سعر كيس القمح الى 4600، في ظل زيادات سعرية مستمرة بشكل يومي.
وبين الاعتراف بالفشل في إدارة البلاد تارة، والبحث عن تبريرات واهية تارة أخرى، تنصلت الحكومة من مهامها الدستورية والقانونية المناطة بها تجاه الشعب الذي تعيش غالبية أبنائه تحت خط الفقر.
وأمام مثل هذا الوضع المتردي الذي صار فيه رغيف الخبز مطلباً صعب المنال لملايين المواطنين، تكون الدولة فقدت مبررات وجودها، بعد أن عجزت عن حماية ورعاية شؤون حياته اليومية.
وبعيداًَ عن اسطوانة ارتفاع الأسعار العالمية، التي اعتاد على ترديدها مسؤولو الدولة وبعض كبار التجار، نؤكد أن أسعار القمح والدقيق ارتفعت عالمياً بنسبة 15% فقط، فيما ارتفعت أسعار هاتين المادتين في السوق المحلية بنسبة 100-120% على التوالي، خلال أقل من عام واحد فقط.
وقبيل انتخابات سبتمبر الأسود 2006م، كانت أسعار مادتي القمح والدقيق 3200 و3300 ريال للكيس الواحد على التوالي، بينما وصلت أسعارها اليوم الى 0064، 0084 ريال لنفس الكيس. وهو ما يؤكد أننا نعيش في بلد لايعير مسؤولوه أمر الأمن الغذائي للبد اهتماماً، بعد أن ركزوا جل اهتمامهم في جمع أكبر قدر من الثروة وتوزيعها على بنوك عدة في الداخل والخارج، الى جانب السيطرة على الأرض، وبناء القصور والفلل الفاخرة، والتنقل بين أرقى مصايف ومنتجعات العالم.
ويرجع اقتصاديون عوامل فشل الأجهزة الحكومية في السيطرة على السوق المحلية وضبط المتلاعبين، الى الشراكة الثنائية القائمة بين مراكز القوى المؤثرة في الحكم والمشاركة لقلة من حيتان الرأسمال المحتكر، المتاجرين بغداء المواطنين ولقمة عيشهم.
ودللوا على ذلك بتخلي الدولة عن إمكانياتها الوظيفية، وبيع أصولها وأدواتها الاقتصادية في صفقات خفية ظاهرها تحرير السوق وباطنها الربح والإثراء السريع، وإن كان ثمن ذلك الإطاحة بالأمن الغذائي للدولة. وكمثال حي لذلك إقدام الحكومة على بيع مخازن وصوامع الغلال الحكومية في عدن والحديدة، وتمليكها لقلة رأسمالية محتكرة تسيطر على كافة أوجه النشاط والقطاعات الاقتصادية في البلد، في غياب دور الحكومة في مواجهة الاحتكار.
استمرار سياسة الفساد التي تنتهجها السلطة، والقائمة بين المسؤولين والتجار، وتسخير الوظيفة العامة لجمع أكبر قدر من الثروة، وانشغال القيادات الوسطية والعليا في الدولة بالتجارة مع القطاع الخاص على حساب واجباتها الدستورية والقانونية، سيؤدي بلا شك الى تجريع أبناء الشعب مزيداً من ألوان الجوع والذل والفقر، والوصول به الى مستويات من الكفاف، ليتحول جميع أفراد الشعب الى طبقة فقيرة واسعة على طول الوطن وعرضه، بعد أن صار المواطن يعيش بأقل من دولار واحد في اليوم، يقابله على الطرف الآخر فئة صغيرة تتحكم باقتصاد البلد وتلتهم موارده.
وبذلك، يكون لوبي الفساد الذي يحكم مجتمعنا اليوم، قد وصل الى أقصى درجات الاكتمال والطغيان، وهو ما لم يعد التسليم به ممكناً.

ثورة
ولعل الغليان الذي باتت تشهده معظم محافظات الجمهورية دليل كافٍ على حالة السخط الشعبي ضد النظام الحاكم الذي لم يكفه ما نهب من ثروات وموارد مهولة، ليمد يده الى أفواه البسطاء لسرقة لقمة عيشهم التي لم يعودوا يمتلكون سواها، وهو ما لايمكنهم السكوت عنه.
مخطئ من يظن أن الشعب صار في حكم المخدر والمسلم بكل إفرازات السلطة مهما بلغت نتانتها، ومهما بلغت درجة طيبة هذا الشعب أو «بلاهته» -كما يسميها البعض- فلن يستطيع التساهل حيال مصادرة رغيف الخبز.
الشعب وإن كان «عرطة» حسب التوصيف الشعبي، فلا مجال للحديث عن الرضوخ أو التسليم إن حضر الجوع بمعناه الحقيقي والكامل.
خيل الحزب الحاكم غبي لدرجة أنه لم يترك للشعب شيئاً يمكنه أن يخاف عليه أو يفقده. ومع ذلك لايتوقع أن يثور الشعب ضده، وينتفض. وحينها سيصعب عليه إطفاء نيران الغضب المشتعلة في كل مكان.
قد لاتهتم شريحة واسعة من أبناء الشعب بالسياسية وألاعيبها القذرة. وقد لايثور المواطنون جراء نهب جزء كبير من عائدات النفط وفوارق أسعاره.
وقد تكون نسبة الأمية المرتفعة بين صفوف المواطنين، سبباً في عدم إدراكهم خطورة التفكير أو مجرد الحديث عن توريث الحكم.
وللسبب ذاته، قد لايفقهون معنى الخصخصة والشركات الوهمية، مثلما لايتخيلون حجم أموال المسؤولين المودعة في بنوك الداخل والخارج، وبأرقام فلكية، ولا البذخ الذي يعيشه المسؤولون وأفراد أسرهم.
قد يستطيع الرئيس علي عبدالله صالح -الذي قالت عنه باحثة أمريكية إنه يحكم الشعب اليمني بالعاطفة والوعود، وليس بالحقائق والأرقام- أن يوهم المواطنين بأنه إن فاز في الانتخابات سيقضي على عهد الجرع السعرية، وينهي البطالة، ويولد الكهرباء بالطاقة النووية. وقد يتمكن من إيهام عدد منهم برهة أن أحزاب المعارضة تريد تحويل اليمن الى صومال أو عراق ثانٍ، بغرض الحصول على أصوات الناخبين.
لكن، عندما يصل الأمر الى لقمة العيش، فكل شيء حينها سيتوقف، باسثتناء مشاعر الغضب المتنامية في نفوس أبناء الشعب.
الفرق كبير بين المسالم والمستسلم، مثلما هو البون شاسع بين التخمة والجوع.
الحيوان الوديع يثور، ويتحول الى وحش مفترس إن جاع، فكيف بالبشر الذين يعلمون أن هنالك من يسرق ثرواتهم، ويحرمهم من رغد الحياة وطيبها، وتركهم يلهثون وراء كيس دقيق مصادر لسد ألم أمعائهم ومن يعولون.

تحذير ورجاء
ليكن هذا تنبيهاً أو تحذيراً، أو حتى تهديداً أو تحريضاً، لتفهمه السلطة كيف شاءت.. فقط كل ما ندعو إليه وينشده كل أبناء الشعب وفئاته، أن تعود حبة القمح الى سعرها المعقول والمقدور عليه، وأن ترجع كسرة الخبز الى أفواه الأطفال والفقراء والمعدمين، أن يعود رغيف الخبز والروتي الى ما كان عليه -على الأقل- قبل إطلاق الوعود الرئاسية بتحسين الأحوال المعيشية، العام الماضي.
هذا ما ينشده الشعب، ويطالب به سلطة البلد، بل ونرجوها ونتوسل إليها.. لا لشيء سوى الخوف على الوطن الذي صار قاب قوسين أو أدنى من دائرة الضياع والتشتت وطريق اللاعودة.. وكفى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[email protected]