يعيش اليمن في العتمة حيث يعاني المواطنون من فقر شديد في الطاقة الكهربائية، لا سيما من يعيشون في المناطق الريفية والفقراء الذين يشكلون نصف سكان البلاد البالغ عددهم نحو 30 مليون نسمة. ويبين التقرير الأخير الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، منتصف إبريل/ نيسان الماضي، أن 43 في المائة من السكان في اليمن بلا كهرباء.
وأظهر التقرير أن نقص الخدمات مثل الكهرباء من أهم أسباب ارتفاع مستوى الفقر في اليمن بنسبة (22.8 في المائة)، إضافة إلى ضعف مستويات المعيشة (20.7 في المائة)، وفقر خدمات الصحة (15.2 في المائة)، ومشكلة العمالة (11.6 في المائة). ومنذ اتساع نطاق الصراع في اليمن عام 2015، ساءت جودة الحياة في عموم المدن والمحافظات، خصوصاً في المجتمعات المحلية الريفية، حيث لم يكن قطاع الكهرباء استثناءً مما حل في البلاد من دمار.
ولم تعد المناطق الريفية وأطراف المدن القليلة التي كانت تحصل على الكهرباء من الشبكة الموحدة قبل الحرب قادرة على ذلك، إما بسبب تدمير البنية التحتية لشبكة الكهرباء أو لأن الشبكة لم تعد تملك القدرة على توليد ما يكفي من الكهرباء للوصول إلى تلك المناطق.
معالجات حكومية
وأكدت مصادر حكومية مطلعة، فضلت عدم ذكر هويتها، لـ"العربي الجديد"، أن التوجه الحكومي خلال الفترة المقبلة يتضمن تشكيل خلية أزمة معنية بملف الكهرباء لمتابعة التطورات في قطاع الكهرباء، وتحديد الإجراءات المطلوبة ومتابعة تنفيذها، بما يمكن من المحاسبة والمساءلة تجاه أي تقصير. كما تسعى الحكومة اليمنية إلى إيجاد مخزون مناسب من المشتقات النفطية للكهرباء، والعمل بشكل تكاملي على تيسير نقل المشتقات ووصولها إلى عدن لتزويد محطات الكهرباء، وفق المصادر.
لكن بالمقابل تظل هناك عدد من الإشكاليات المزمنة التي تستعصي على الحل وفق الخبير والمهندس الكهربائي أسامة عبدالله، الذي لفت في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن بعض العوائق تشكل عقبة كبيرة أمام أي جهود لتحسين خدمة الكهرباء، أهمها الوضعية المتردية لمحطات التوليد التي تحتاج إلى إجراء صيانة شاملة لها، ورفع قدراتها التوليدية.
المصادر الحكومية، أشارت إلى أنها وضعت استكمال مشاريع الصيانة أولوية خدمية ومعياراً لتقييم أداء العاملين في قطاع الكهرباء، إضافة الى متابعة ادخال محطة التوليد بالطاقة الشمسية إلى الخدمة.
كما تبحث الحكومة المعترف بها دولياً العديد من الخطط الطارئة لمعالجة مشكلة الكهرباء المزمنة قبل حلول الصيف حيث تزيد حاجة المواطنين بشكل كبير للطاقة الكهربائية، إذ وقف اجتماع طارئ عقده رئيس الحكومة أحمد بن مبارك، منتصف أبريل، مع مسؤولين في المؤسسة العامة للكهرباء؛ على الإشكاليات المتراكمة في هذا القطاع، والاولويات الموضوعة لتلبية الطلب المتزايد على الكهرباء مع حلول الصيف، وتحديد مواضع الخلل لمعالجتها والمسؤوليات والمهام امام الوزارات والجهات المعنية بهذا الملف.
اليمن في العتمة
الخبير في مجال التنمية والطاقة جلال القباطي، أكد لـ"العربي الجديد"، على أهمية توظيف التمويلات الدولية بشكل أمثل خلال الفترة المقبلة التي ستشهد تحولات على مستوى التمويل وعلاقة اليمن بالمانحين وشركاء التنمية، إذ يجب التركيز على حل مشكلة بعض الخدمات العامة مثل الطاقة الكهربائية التي أدى انخفاضها إلى تفاقم معاناة اليمنيين والقطاعات الاقتصادية الإنتاجية ومستويات الفقر والبطالة.
وتابع أنه في هذا الجانب يجب تحديد الأولويات الملحة للاستفادة بقدر الإمكان من ما قد تحصل عليه من تمويلات متوقع أن تستمر بالانخفاض إلى أدنى مستوى بسبب الأوضاع والأزمات المتصاعدة على كافة المستويات في المنطقة والعالم والتي أثرت بشكل كبير على المنح والمساعدات المقدمة للدول الفقيرة والنامية.
وأشار إلى أهمية إيجاد خطط فاعلة وواضحة لاستيعاب ما أمكن من تمويلات توفر حلولاً للكهرباء تتيح إيجاد بدائل عديدة مثل مشاريع الطاقة الشمسية وغيرها التي بالإمكان أن تقلص من حجم الفاتورة المالية المتضخمة والمنهكة لاستيراد المشتقات النفطية لتشغيل محطات كهربائية متقادمة ومتهالكة وأصبحت بمثابة ثقب أسود تلتهم تمويلات وموارد مالية ضخمة.
في السياق، قالت وزارة الكهرباء والطاقة في صنعاء، إنها حولت إلى نيابة الصناعة والتجارة في أمانة العاصمة ملفات 11 مخالفاً من ملاك المولدات الخاصة المخالفين للتعرفة المحددة، المدرجة في المصفوفة المقرة من قبل وزارة الكهرباء، إضافة إلى تسليم النيابة خلال الأشهر الماضية نحو 700 ملف للمحطات المخالفة في صنعاء والمحافظات الواقعة تحت نفوذ سلطة الحوثيين، متضمنة محاضر ضبط المخالفات المرتكبة من قبل ملاك المنشآت الكهربائية الخاصة.
الطاقة البديلة
ويُعد استئناف إمدادات الكهرباء النظيفة والمتجددة وبأسعار ميسورة إلى المرافق الحيوية أمراً بالغ الأهمية للتخفيف من حدة التردي في الوضع الإنساني باليمن، لاسيما في المناطق الريفية وأطراف المدن، في حين يعتبر تحسين إمكانية حصول الأسر على الطاقة في غاية الأهمية لاستعادة موارد الرزق والتخفيف من آثار الأزمة وتلبية الاحتياجات اليومية الملحة للسكان.
علاوة على ذلك تعد الكهرباء عاملاً بالغ الأهمية في هذه الأزمة، حيث إنها قادرة على استعادة سبل كسب العيش. ورأى عبد الرقيب الوصابي، ضابط مشاريع في مؤسسة يمنية خاصة للتمويل الأصغر، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن القدرة على تحمل تكلفة منتجات الطاقة الشمسية يمثل عائقاً رئيسياً أمام الأسر الأكثر احتياجاً، إضافة إلى تأثير مشكلة الكهرباء على تطوير أداء مؤسسات ومنشآت الأعمال لتفعيل دورها في مكافحة الفقر والبطالة المتوسعة في اليمن.
ولفت الوصابي كذلك إلى أهمية الكهرباء والبدائل المتاحة كالطاقة الشمسية لتأهيل مؤسسات ومنشآت الأعمال الصغيرة والمشروعات المتوسطة، إذ تحتاج مثل هذه الأعمال والأنشطة في نفس الوقت إلى تطوير قدراتها ليس فقط في الحصول على أنظمة الطاقة الشمسية بل وفي تحسين الاستخدام الأمثل لها وربطها بجوانب تنموية مهمة في توفير فرص العمل، والوصول إلى مرحلة التعافي الاقتصادي بشكل عام.
ولم ينج قطاع الكهرباء في المناطق الريفية وأطراف المدن في اليمن من ويلات الحرب. والقليل من تلك المناطق التي كانت تحصل على الكهرباء من الشبكة الموحدة قبل بدء الصراع عام 2015، فقد شهدت إما تدمير بنيتها التحتية أو تعذر حصولها على الكهرباء نظراً لانخفاض قدرات التوليد على الشبكة الرئيسية.