من قتل الرعوي، واختطاف المتوكل، واستباحة دم الحامدي، وحقوق المنقطعين، الى غياب الدولة

إب.. مدينة مهدورة الكرامة

  • أشرف الريفي
  • منذ 16 سنة - Saturday 03 November 2007
إب.. مدينة مهدورة الكرامة

لن يكون ضحية محافظة إب صلاح الرعوي، الذي اغتالته عصابة مسحلة، ثالث أيام العيد، داخل سجن مباحث إب، آخر ضحايا الانتهاكات في هذه المدينة التي تقدم لنا بين الحين والآخر، فصولاً جديدة من الانتهاكات والمهانة التي تطال المواطنين العزل، في ظل غياب مقيت للقانون وسيادة الدولة.
وكما نشعر بالخزي والعار الذي لحق الأجهزة الأمنية التي تركت جريمة تمتد خيوطها عبر مدينتين، وتستبيح هيبة الدولة باقتحام سجنها وقتل مواطن سلم نفسه بغية إثبات براءته من تهمة قتل العقيد محمد البداي. إلا أننا نشعر كذلك أن تساهل الأجهزة الأمنية هذا ما هو سوى دليل على عدم اهتمامها بآدمية وحقوق وحياة المواطن في هذه المدينة المسالمة.
ربما لم يكن مصير الرعوي هكذا لو كان مواطناً من محافظة أخرى تفضل التمسك بالعنجهية والنفوذ وشريعة الغاب بدلاً من القانون، لكن هذا قدره وقدرنا.
وكما أسلفنا إن الرعوي لن يكون الأخير، فهو كذلك ليس الأول الذي أهدرت حياته وكرامته على مرأى ومسمع من الدولة التي تتظاهر بأنها طرشاء.
الجميع لم ينسَ بعد قضية الحامدي الذي قتلته عصابة مسلحة من سنحان داخل محله في حراج 45 بصنعاء، العام الفائت، أمام طفليه، وفرت للاحتماء بالقبيلة والنفوذ. ولم ينتصر العدل لمظلمته حتى اليوم.
ولكم أن تتصوروا أن المواطن علي قاسم المتوكل وهو من أبناء مديرية جبلة بإب، مختطف منذ 4 أشهر، لدى أحد مشائخ خولان، بهدف الضغط عليه للتنازل عن أرض يملكها.
ولأنه من محافظة إب لاتقف وراءه قبيلة أو سند، فإن توجيهات مدير أمن صنعاء والداخلية والنائب العام لم تستطع فك أسره بعد.
ولو كان هناك دولة تحترم نفسها وتفرض هيبتها لما برزت مثل هذه النعرات المناطقية. لكن في ظل الفوضى العارمة التي تدير البلاد، فإن الملتزم بالقانون يعد ضعيفاً تداس آدميته وكرامته في وضح النها وداخل مؤسسات الدولة نفسها.
هناك مئات المظالم والجرائم تنتهك داخل هذه المحافظة؛ إما عن طريق المشائخ أو أجهزة الدولة: قبل 3 سنوات اعتدى مدير قسم دار سلم على مقاول من بعدان يدعى صالح، في الشارع العام، واقتاده الى قسم الشرطة لاحتجازه والاعتداء عليه، لا لشيء، سوى تواجدهما في محل بيع وشراء، فحاول مدير القسم فرض عنجهيته في المكان. وبعد تجاوب الجهات المعنية مع القضية حينها، وتدخل المشائخ، كسرت القضية، وانتهت بحل عرفي اكتفى بوصل المجني عليه بمهجم.
بين الحين والآخر نسمع عن مقتل مواطن من إب على خلفية بسط شيخ على أرضه، وتنتهي دائماً بحل عرفي لأن القتلة دائما ما يكونون مسنودين بشيخ سلطوي أو مسؤول نافذ.
لن أعدد الحالات التي عرفتها عن انتهاكات طالت أبناء إب دون إنصاف من قبل الدولة التي تخلت عن تطبيق القانون وفرض هيبتها، وأوكلت هذه المهمة لبعض المشائخ المتسلطين وآخرين يلهثون وراء الجاه، فيما يبقى المواطن البسيط بلا نصير او مأمن.
لست مع مرض المناطقية التي بدأت رقعتها تتسع في البلاد لغياب مشروع وطني لدى نظام الحكم. لكن سلوكيات الدولة وتصرفاتها، وعدم إنصافها للناس ومعالجة المظالم أتاحت مساحات كبيرة لمثل هذه الأوبئة التي يجب تحصين المجتمع منها.
هذه التصرفات غير المسؤولة للسلطة تجبر الناس على اللجوء لخيار الدفاع عن أنفسهم بطرق مختلفة مضرة في نفس الوقت بالسلم الاجتماعي.
نعود لقضية رعوي إب الذي أزهقت روحه أكثر من 40 طعنة و20 طلقة رصاص، في سجن المباحث، من قبل عصابة أتت من داخل الحداء بمحافظة ذمار، لترتكب جريمتها داخل سجن مباحث إب، بقيادة مدير مباحث ذمار، ومن ثم التجول بشوارع المدينة بالزوامل المستفزة وكأن إب مدينة تغيب عنها سيطرة الدولة.
بإزهاق روح الرعوي داخل السجن، أزهقت كرامة الدولة، والمؤسسة الأمنية على وجه الخصوص. وما أقدمت عليه وزارة الداخلية بهدف الحفاظ على ماء وجهها بإقالة مدير مباحث ذمار، ليس كافياً، فمكانة الرجل الأمنية هي التي جعلت الجناة يدخلون الى السجن لارتكاب جريمتهم، فلذلك لابد من التحقيق معه وإدانته باقتحام مؤسسة وطنية لتسهيل جريمتهم، ومن ثم تقديمه للمحاكمة وإلحاق العقوبة به.
في صحيفة الشارع روج مدير مباحث ذمار لنفسه بأنه لولاه لما تم إلقاء القبض على القتلة، وكأنه خارج عن الاتهام، غافلاً أنه من سهل لهم عملية التنقل من ذمار الى إب، ومن ثم الى داخل المعتقل.
وقال الضابط أيضاً إنه لو كان أي شخص آخر تربطه علاقة بالقتيل لقام بمثل ما قام به. فمن خوله استغلال وظيفته العامة لعلاقات قرابة بعيداً عن المسؤولية الوطنية التي تفرضها عليه وظيفته؟!
مؤخراً، يروج في إب لحل قبلي يتدخل فيه مشائخ المحافظة، بتوجيهات رئاسية لدفن القضية والدهس على القانون.
نحن نقول لرئيس الجمهورية وللمشائخ الذين يريدون أن يغتالوا حق الرعوي في الإنصاف والقصاص بحق قاتليه، أن يتمعنوا في تفويض زوجة القتيل وأطفاله للشيخ عبدالعزيز الحبيشي بمتابعة القضية بالطرق الشرعية والقانونية، رافضة الحل العرفي حتي لايهدر دم زوجها، كما قالت في رسالة رفعتها لرئيس محكمة إب الابتدائية.
إذن، أسرة القتيل تريد الطرق القانونية للوصول الى القصاص الشرعي، فلا تقتلوا الرجل مرتين. وكما ظل الرعوي طوال حياته متمسكاً بالقانون، فعزاؤه بعد مماته أن ينتصر له القانون الذي آمن به.
ولعلي متعجب لصمت الدولة عن حقها الذي استبيح، وهيبتها التي دوست بالتراب. وعجبي مبعثه متى تنتصر الدولة لكرامتها وهيبتها، وقد وصل بها الحال فشلها في حماية السجون؟!
ندرك أن التمسك بالقانون سيكون انتصاراً لدم القتيل وللمحافظة المسالمة التي تتمسك به وتحلم بدولة المؤسسات والقانون.
 وندرك أيضاً أن العديد من القضايا في إب تدفن دون وصولها الى الرأي العام، ولكن مازال هناك محاربون يواجهون تيار القمع لإظهار الحقيقة.
وسأسرد لكم هنا قضية العسكريين المنقطعين منذ حرب 1994م المشؤومة. ربما لايعرف البعض أن في إب عسكريين منقعطين منذ صيف 1994م، واليوم يريدون العودة لوظائفهم بعد سماعهم توجيهات رئيس الجمهورية.
ولكن ما حصل أن اللجنة المكلفة من وزارة الدفاع رفضت قبولهم، في مخالفة واضحة لتوجيهات الرئيس، لا لشيء، سوى لأنهم لايمثلون من محافظة ربما تعجز عن إيصال صوتها للآخرين، أو لاتشكل خطراً سياسياً على نظام الحكم الحالي.
إليهم:
في إب شخصيات تصارع بالكلمة، وتكشف لنا بين الحين والآخر مظالم المواطنين، كما حدث في قضية مهجري الصفة ورعاش، وقبل ذلك ما كان يحدث في سجون مشائخ العدين، والانتهاكات الأمنية التي تطال عديد مواطنين.
ومثل هؤلاء يستحقون التقدير والإجلال، والدعم لمواصلة المسيرة، ومن هؤلاء الرجال محمد صادق العديني، عبدالكريم محمد علي، المحامي عبده ناشر الشجاع، نجيب الغرباني، منصور الإبي، عادل علي عمر، منصور النجار، إبراهيم البعداني، وغيرهم من الشرفاء الذين لاينكسرون.
لهؤلاء ولغيرهم نقول: مازال هناك وراء الأكمة ما يفجع، وعليكم مسؤولية تبديد هذا الخوف.

[email protected]