كم هو مدمر وقاتل على المجتمع نظام سلطة القبيلة التي لا يخضع سلوكها للقانون ، ولا التشريع يواكب روح تطوارت العصر ، بل هناك سلطة العرف القبلي ، وهو السائد في نظام سلطة القبيلة ، والذي يكون فيه منحنى سلطة القوي على الضعيف والأخطر من ذلك أن هذه القبائل سائدة على الوطن برمته ، وعلى الممتلكات العامة والخاصة ، فهي بكل شيء مدعومة بآليات ووسائل الدولة متخذة من ذلك شرعية لها ، وقانون يحميها ، وبذلك فهي تنتهج نهج إلغاء الأطراف الأخرى ، وهذا بدوره يؤدي إلى فقدان الوحدة الشعبية ، وتهديد الوطن بالتفتيت ، ففي الثمانيات من القرن الماضي كان المشايخ , والقبائل يعتمدون على ثرواتهم الخاصة من زراعة ، وتجارة ... الخ ، ولكن اليوم أصبح المتنفذون على السلطة هم المشائخ ، والذين أرتقوا إلى السلطة في ظل تهميش من يحملون المؤهلات العلمية من دكاترة ، وعلماء ، وغيرهم ، والذين أصبحوا مجرد أرقام تشكوا الإحباط ،فأين سلطة القانون التي تتغنى به الحكومة عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة ؟ .
بل أصبحت الوظائف الشاغرة حكراً على أبناء المشائخ الذين يجيدون فن الزوامل والبرع ، وأما المؤهلات العلمية والكفاءات فقد تآكلت في أدراج المؤسسات الحكومية ، ولا ذنب لها إلا أن أصحابها لا يجيدون حمل السلاح ، ولا ينتمون لقبيلة ذات سبعة نجوم.
أقول القبيلة ليست فتنة وشر في كل المقاييس ؛ فخالد بن الوليد في أحد معاركه قال :{امتازوا } أي ليكن كل شخص مع قبيلته ، ولكن لماذا يمتازوا؟
يمتازوا لنصرة دين الإسلام وإعلاء كلمة الحق ، وليس للظلم والعبث والنهب والسطو ، والتعالي على الآخرين .
هذا هو نظامنا السائد الذي أدخل هذا الداء حتى إلى المناطق الجنوبية التي لا تعرف إلا القانون نظاماً لها ، ولا يخفى أن كل شخص ينتمي إلى قبيلة مهما كان شمال الوطن أو جنوبه ، ويملك شجاعة وبأس يذيب الجماد ويحرك الجبال ، ولكن الفرق يكمن في العلم وجولته والعقل وسطوته .
لقد عرفنا أن العصبية منتنة ، ومن مات عليها مات على جاهلية فتركناها ومزقنا خطاها ، واستبدلناها بالتعاون والتراحم واحتكمنا إلى سيادة القانون ، اعتمادنا على دورات الحاسوب ، الإنجليزي بدلا من الزوامل والبرع .
اعتمدنا على المؤهلات العليا بدلاً من وساطة الشيخ الفلاني ، فمن هو السائد سلطة القبيلة أم القانون؟ ومن يحكم منهما الآخر؟ وإذا كتب علينا – لو سمح الله – أن نعيش في بلد القبائل وان هناك قبيلة أفضل من أخرى (مع استحالة ذلك) ، وهي تملك زمام السلطة فلتراعي الحقوق العامة المنهوبة ولتنصف المظلوم ، تطعم الجائع ، وتحكم بالعدل ولو على نفسها أو الأقربين ، ختاماَ لقد أصبحنا في وطن معدوم الهدف تتزاحم فيه خطوط الأشكال والألوان لدرجة أصبح الواحد منا يجهل شكله ، ونفسه ، أصبح القانون يوشك على الرحيل بسبب تآكله في أجندة وأرشيف المؤسسات الحكومية ، وما نريد لهذا الشعب المظلوم المداس تحت وطأة القبائل إلا أن تكون هناك دولة عصرية ديمقراطية ، دولة يختار فيها الشعب حكامه بالاقتراع السري الحر المباشر ، وهو الذي يحدد من يحكمه لا الشيخ فلان ، ولا المسئول علان ، دولة تحكمها مؤسسات دستورية فاعلة وقضاء نزيه ومستقبل ، دولة لا تحكمها القبيلة أو عشيرة أ و منطقة أو محافظة ، دولة لكل أبناء الوطن تبني اقتصادا وطنياً ومزدهراً ، دولة ترعي البحث العلمي ، تشجع الإبداع والمبدعين ، دولة يتساوى فيها الحاكم والمحكوم أمام القااااااااااااااانون ، وأمام كل الخدمات الاجتماعية والإنسانية....