اليمن 2007.. أعراض اعتلال وأمل بالشفاء

  • الوحدوي نت - سويس إنفو
  • منذ 16 سنة - Monday 24 December 2007
اليمن 2007.. أعراض اعتلال وأمل بالشفاء

إذا كان هناك مِـن وصْـف يُـلخص مُـجمل حال اليمن خلال عام 2007، فإنه عام اعتلال الجسد اليمني وعام المتاعب السياسية والاقتصادية.
لكنه مع ذلك، نذير بأمل يتجاوز الاحتقانات التي خيّـمت على البلاد منذ الحرب الأهلية عام 1994.
لقد عرفت البلاد خلال السنة جُـملة من التطورات والأحداث، التي أبانت مدى هشاشة التوازنات السياسية الداخلية من جهة، ومدى انكشاف الاقتصاد الوطني على الخارج من جهة ثانية، مما يبعث على جزم المراقبين
والمحللين على أن سنة 2007 كانت مليئة بالمفاجاءت ومُـنعرجا جديدا صَـوب مرحلة جديدة من التوازنات السياسية والاقتصادية، التي ظلت تحكم مسار اللعبة السياسية والفعالية الاقتصادية خلال العقد الأخير.

اتساع الهوة بين السلطة والمعارضة
 
سياسيا، برزت إلى السطح قضايا مثيرة جعلت البلاد تعيش على وقعها، مما أنعكس على المناخ العام.
فقد اتّـسعت الهُـوة بين السلطة والمعارضة بشكل غير مسبوق، ورغم الدعوات المتتالية للحوار، التي تطالب بها المعارضة او تطلقها السلطة، بغية معالجة العديد من القضايا الشائكة، كالإصلاحات السياسية والدستورية

وتوسِـعة صلاحيات الحكم المحلي، إلا أنها تعثرت مِـرارا ولم تحرِز أيّ نتيجة تُـذكر.
وتأكد عدم جدوى الحوار، بإطلاق الرئيس علي عبدالله صالح في شهر سبتمبر الفارط، مشروعا للتعديلات الدستورية مناقِـضا لدعوة المعارضة، التي تطالب بتعديلات دستورية تكرِّس نظاما برلمانيا تكُـون الحكومة فيه

مسؤولة أمام البرلمان ورئاسة الدولة سيادية، يسود فيها الرئيس ولا يحكم، معللة ذلك بكون النظام الحالي يكرِّس هيمنة سلطات رئيس الدولة.
إلا أن المبادرة الرئاسية التي أطلقها صالح جاءت مبتعدة عن مطالب المعارضة واقترحت نظاما رئاسيا يسود فيه رئيس الدولة ويحكُـم، ويكون مسؤولا أمام ناخبيه، وتخويل الناخبين صلاحيات انتخاب هيئات الحُـكم المحلِّـي

على مستوى المديريات والمحافظات، وهو ما كانت تطالب به المعارضة، إلا أن اعتراضها على مقترح النظام الرئاسي حال دون التوصُّـل إلى توافُـق ووصل الأمر إلى أنها لوّحت بمقاطعة الانتخابات البرلمانية المقرر

إجراؤها عام 2009، ورحّـل الخلاف إلى العام القادم.
تنامي الاحتجاجات المهنية والنقابية
 على صعيد آخر، كان الحدث الأبرز، تنامي الاحتجاجات المِـهنية والنقابية للمطالبة بتحسين الأجور، وبدأت مع إطلالة العام بإحتجاجات الأطباء وأساتذة الجامعات والمعلمين، مما أبرز مدى الصعوبات الاقتصادية التي

تشهدها البلاد وانعكاسها على الظروف المعيشية للسكان.
وكان هذا التطور الأهم والأبرز، فعلى هذا المستوى، جاءت احتجاجات المتقاعدين العسكريين والمبعدين من وظائفهم في المناطق الجنوبية الذين خرجوا لأول مرة من دائرة النسيان والإهمال رافعين مطالب حقوقية لحوالي

70 ألف من العسكريين ومدنيين تقودهم جمعيات المتقاعدين وفعاليات حقوقية ومدنية، مطالبين بتسوية أوضاعهم الوظيفية وإعادة النظر بتسريحهم المبكّـر من الوظائف العامة، التي كانوا يشغلونها، وحَّـتهم أن النظام الذي

تمخَّـض عن حرب صيف 1994، قد أدّى إلى إقصاء الشركاء الجنوبيين من الشراكة السياسية التي حقَّـقت الوِحدة بين شطري البلاد عام 1990.
وكان لسان حالهم خلال كل الفعاليات الاحتجاجية، التي مضى عليها عشرة أشهر، أن النظام الذي تمخَّـض عن حرب 1994، قد انفرد بالسلطة والثروة وانتهج القمع والتهميش ضدّ أبناء الجنوب، وتحوّلت بذلك المطالب

الحقوقية التي خرجوا من أجلها إلى مطالب سياسية، بدأت تطرح قضية الجنوب وسيطرة الشمال عليه، مما شكل تحدّيا غير مسبوق لصنعاء وطعنا بالوحدة، التي كثيرا ما فاخر اليمنيون بتحقيقها في زمن الفرقة والتشرذم

العربي، وهو أمر أعاد طرح التراضي والتوافق مجدّدا بين الفاعلين واللاعبين الأساسيين في المعادلة السياسية اليمنية.
وخشية من التصدّع، الذي بدا يلوّح في جسد الوحدة اليمنية، بادرت السلطات إلى تسوية هذا المِـلف بإرجاع العديد من المبعدين إلى وظائفهم وتسوية أوضاع المتقاعدين منهم، إلا أن المعالجات لم تنته بعدُ وتُـقابَـل بانتقادات

من قِـبل ممثلي المحتجين.
ومع أن العام أوشك على الإنقضاء، إلا أن القضية لم تنتهِ بعدُ ولا زالت تعتمل، وهو أمر يضع البلاد أمام استحقاقات جديدة بدأت تلوِّح في الأفُـق بدعوة الرئيس اليمني في 30 نوفمبر الماضي للمعارضين في الخارج، الذين

نزحوا على إثر حرب 94 إلى العودة، وتبع دعوته تلك بزيارته إلى كل من ألمانيا ولندن خلال شهر ديسمبر، التي رأى المراقبون وأكَّـدتها مصادر داخل الحزب الحاكم، أنها زيارة لتسوية الخلافات مع معارضة الخارج

وتصُـب في الترتيب لتلك الاستحقاقات، التي يُـتوقع أن تُـعيد ترتيب الملعب واللاعبين السياسيين وأنه قابل بعضا منهم، بُـغية احتواء التداعيات المحتملة على الوحدة الوطنية ومعالجة احتقانات الجنوب، وهو أمر عزّز

الاعتقاد لدى العديد من المراقبين بأن الأشهر القادمة ستضع البلاد أمام خيارات لابُـد منها، ربما قد تنتهي بعودة بعض رموز المعارضة في الخارج للعب وتمكينهم من لعب دور سياسي بضمانات إقليمية ودولية، تقودها

المملكة العربية السعودية وبريطانيا.

 

المراقبون المحايِـدون يخلصون أن أي استنتاج من هذه التفاعلات مُـؤداه أن الاحتجاجات جاءت كمحصِّـلة لتراكمات طويلة من السلبيات، التي جانبت مشروع بناء الدولة الوطنية الذي كان أساس توحيد شطرَي البلاد عام

1990، حيث غلب على السياسيات المطبَّـقة، المحاصصة الجهوية والمناطقية والعشائرية والقبلية، مما دفع إلى تململات وتحرّكات الشارع اليمني، شملت حتى بعض المحافظات الشمالية التي خرجت بعض قبائلها

ومواطنيها إلى الشارع، للمطالبة باستحقاقات مناطقهم، واعتبرها أولئك المراقبون ردّ فعل عن الغُـبن الذي خلَّـفته السياسات المُـطبَّـقة وانتهجتها السلطات في تسيير الشأن العام وإدارة حكم البلاد.

 ركود اقتصادي
 اقتصاديا، لم تكن التطورات التي عاشها البلد منفصلة عن الأوضاع الاقتصادية، والتي كانت من تجلياتها البارزة، ظهور جمعيات للعاطلين عن العمل من الخريجين مما يعكس تدني مستوى التشغيل وارتفاع البطالة إلى

16.7%، حسب المصادر الرسمية وإلى أزيد من 30%، حسب مصادر غير حكومية.
فعلى مدار العام، هَـيمن الرّكود الاقتصادي بفعل الاختلالات البنيوية التي يعاني منها، وبفعل أسوأ التدبير، وإلى حدٍّ ما للأحداث التي شهدتها الساحة اليمنية، خاصة منها الاحتجاجات التي عزّزت المخاوف بمستقبل مشجّـع

لبيئة الأعمال.
والأسوأ على المستوى الاقتصادي، تراجع عائدات النفط التي تشكِّـل المصدر الرئيسي للموازنة العامة، إذ تمثل ما نسبته 70% من مواردها، وقد تراجعت عائدات البلاد من الصادرات النفطية بنسبة 33% عن العام

السابق، فيما ظل الاحتياط النقدي من العملات الصعبة دون تغيير لأول مرة منذ بدء الإصلاحات الاقتصادية عام 1995.
ومنذ ارتفاع أسعار النفط في السوق الدولية عام 2001، الذي حقَّـق للخزينة العامة فائضا سنويا طيلة السِـت سنوات الماضية، ما يعني أن اليمن دخل بدءً من عام 2007 مرحلة تناقص انتاج النفط وخطر نضوبه، وتآكل

الاحتياط النقدي الذي حذّرت منه المؤسسات المالية الدولية (صندوق النقد والبنك الدوليين) وتأكَّـد ذلك بوضوح في قانون الموازنة لعام 2008، الذي ذهب إلى أن عائدات النفط ستتراجع السنة المقبلة أيضا وبنسبة

8.26%.
 
ارتفاع معدل العجز
أما التضخم، فقد بلغ خلال الفترة ما بين يناير وأغسطس، حسب الإحصائيات الرسمية 13%، وهو مرشح للارتفاع مع نهاية العام، وربما قد يتجاوز الرقم المسجّـل عام 2006، الذي بلغ 15.5%، لاسيما إذا ما أخِـذ في

الاعتبار الارتفاع الصارخ لأسعار المواد الأساسية الاستهلاكية، التي بلغت أرقاما قياسية غير مسبوقة خلال عام 2007.
وما يزيد الطين بلة، الاختلال الذي طرأ أيضا لأول مرة على ميزان المدفوعات، نتيجة لسياسة تحرير الواردات وخفض التعرفة الجمركية، التي فرضتها المؤسسات المالية الدولية على اقتصاد اليمن الهش والانقياد لها

بسهولة، إذ بفعل تلك التدابير لأول مرة يتحوّل الفائض في ميزان المدفوعات عام 2006، الذي بلغ (1.447) مليون دولار، وبما يمثل نسبة 7.6% من الناتج المحلي الإجمالي، إلى عجز مع نهاية السنة الجارية يُـقدَّر

بـ (1.041) مليون دولار، وبما نسبته 5.3% من الناتج المحلي الإجمالي، بل والأسوأ أن معدل العجز في ميزان المدفوعات سيرتفع إلى 1.2 مليار دولار العام المقبل، طبقا لتقديرات قانون المالية للسنة المقبلة، وهو

يبرز جسامة الاختلالات الاقتصاية والمالية التي تعاني منها البلاد، والتي يمكن أن تمتد أثارها إلى جميع مفاصل المجتمع والدولة.

 
اعتلال خطير
 
الخلاصة، أن عام 2007 حمل متغيِّـرات شديدة الوطأة على اليمن، تضع الجميع أمام إرغامات جديدة وستُـحتِّـم عليهم المبادرة إلى اتِّـباع تدابير جدِّية، بُـغية تدارك الاعتلال الذي بدأ يظهر على بعض أعضاء الجسد اليمني

الواحد، حتى لا يتداعى الاعتلال لسائر الجسد، وهو أمر ليس في مصلحة أحد، سواء كان داخل البلاد أو في محيطه الإقليمي والدولي.
لعل لسان حال الكل، هو هل ينجو البلد من أعراض هذا الاعتلال الخطير الذي بدأ يُـداهِـم الجسد اليمني؟ وهل تثمر التحركات الإقليمية والدولية لاحتواء التطورات والأخذ بيد اليمنيين للشفاء من أعراض الرجل المريض؟
هذا الكل مع نهاية العام في انتظار خطوات عقلانية ومدروسة لبناء المستقبل، وليس مجرد خطوات مرتجلة للفكاك من أسر اللَّـحظة الراهنة أو لترتيب مصالح إقليمية ودولية.