الاختلاف في الرؤى وفي المواقف بين الناس مسألة طبيعية ، بل هي سنة من سنن الحياة . الاختلاف يولد في الحياة جدلاً بين الناس يثري نظرتهم إلى شئون حياتهم ، ويوفر التنوع اللازم للحفاظ على تماسك العلاقة بين العقل والقلب ، التفكير والإيمان ، ويثير أسئلة هي من ضرورات البحث عن الحقيقة وانتاج الفكر الذي معه تستقيم الحياة باعتباره تعبيراً عن أن الانسان ’’ أكثر شيء جدلا’’.
غير أن الاختلاف لا بد أن يدار بأدواته الحقيقية التي تجعل منه محركاً فكرياً وحضارياً للانسان ، أي تلك الأدوات التي تشتق من ثقافة الجدل ، لا من ثقافة القمع والصراع وإرهاب المخالف . وفي التجارب البشرية طالما تدخلت القوة الغاشمة ، بشقيها المادي والثقافي، لحسم الاختلاف مما أدى في مسارات تاريخية كثيرة إلى هيمنة الفكرة الخاطئة التي قادت في نهاية المطاف إلى كوارث.
المجتمعات الحية هي التي تستوعب وترعى الاختلاف والمختلف ، توفر للجميع المساحة التي يستطيع ان يتمدد فيها الانسان بحجته لا بهراوته ، ونفس هذه المجتمعات هي التي تستطيع أن تتوحد مهما كانت خلافات منتسبيها لتواجه التهديد الأعظم الذي يغرقها في هيمنة القوة وفسادها.
هذا ما يجب علينا كيمنيين اليوم أن ننتبه له ، وهو أن هناك خلافات ستبقى ما بقيت الحياة ، وهي معين لا ينضب لبقاء هذه الحياة حيوية ومتجددة ، وهناك خلافات نقيضة للحياة وتتسلح بالقوة والهيمنة وهي التي تشذ عن السياق العام لمعنى التعايش الذي هو أساس الانسانية بقيمها المجسدة لمعناها العظيم.
في لحظة معينة ستكون من ضرورات الحياة أن يتوحد المختلفون المتمسكون بقيم الانسانية لمواجهة ذلك النوع الطاغي من المختلف الذي يدمر الحياة ويفسد التعايش متجاوزين حواجز الانتساب السياسي أو الديني أو العرقي أو الاجتماعي فهذه الحواجز هي علامات على الطريق دالة على التنوع حينما تحكمه قيم الحرية والعدل والمساواة.