الرئيسية المقالات مدارات قواميس الحوار ونواميس الجوار
قواميس الحوار ونواميس الجوار
خليفة المفلحي
خليفة المفلحي

تغليف التدخل باسم المصالحة والحرص على أمن اليمن واليمنيين لدولة طالما ساهمت في زعزعة هذا الأمن وسلبه سكينته لن يمر على الشعب اليمني الذي شرب من كأس سوء الجوار حتى الثمالة.

لسنا في حاجة إلى ان نعيد الحديث حول تاريخ التدخلات السعودية في اليمن حيث وأن هذا الأمر لم يعد خافياً ولا يحمل من الغرابة أكثر مما تحمله بعض تصرفات بعض قوى المعارضة التي تطلب من السعودية الحسم في مسألة الثورة اليمنية بشكل يجعل المتأمل يشعر وكأن هذه المعارضة تتماشى في رؤيتها مع الأطراف الخارجية التي تتحدث عن أزمة يمنية لإفراغ الثورة من مضمونها.

فالتمادي في الحوار السياسي وعدم تحديد سقف لهذا الحوار من شأنه تمييع الثورة وإلـهاء الثوار عن العمل خاصة وأنهم في مرحلة الفعل الثوري بانتظار نتائج هذه الحوارات العبثية غير محددة الملامح كما فعلت المبادرة الخليجية سابقاً والاستمرار في خلط أوراق الثورة وبعثرتها، والغريب هو وجود السعودية كطرف في هذه الحوارات التي تدار خلف الأبواب المغلقة بالاشتراك مع أطراف أخرى غير معنية بالشأن اليمني أصلاً إلا فيما يخص مصالحها وهذا الشيء لا يمنحها أي حق في التفاوض وتقرير ما يجب أن يكون وما لا يجب بينما يتواجد أصحاب الشأن الحقيقيين المتمثلين بصناع الثورة خارج الأبواب المغلقة.

 

التدخل السافر لأمريكا والمملكة في الشأن اليمني بهذه الطريقة الفجة وكأنهما المسؤولتين عن تقرير مصير البلاد وصياغة نظامه ينبئ عن نية مبيته في محاولة إيجاد نظام بديل يدين بالولاء والتبعية لهاتين الدولتين في المستقبل وحتى وإن كان نظام ديمقراطي بحت كما ستفرضه الثورة فإنهما تسعيان على الأقل إلى زرع لوبي سعوأمريكي أشبه بجمعية إيباك الصهيونية يتم من خلالها فلترة مرشحي الرئاسة وخلق أذرع داخل النظام أو خارجة عن طريق رأس المال أسوة باللوبي الصهيوني داخل الولايات المتحدة، لذلك فإن منح هذه الدول مزيداً من الوقت للتعمق في مشاكل اليمن والتدخل الصريح تحت غطاء الخروج من الأزمة يمنحها مزيداً من الفرص لتشكيل وبلورة النظام المستقبلي واليمن الجديد بما يخدم مشاريع خارجية ستكون بعيدة بالتأكيد عن المصلحة والسيادة الوطنية وستكون جزء من المشكلة وليس جزء من الحل.

ومع ذلك فإنه وإن بدت تلك السياسة منطقية لدول امبريالية تسعى إلى المحافظة على مصالحها ونفوذها فإن صمت فوى معارضة وتقبلها للأمر وكأنها قد سلمت بالأمر الواقع وأوكلت المهمة للسفير الامريكي والسعودي من أجل الخروج بقرار نهائي يُفرض على الجميع لا يبدو منطقياً أبداً وبحاجة إلى تفسير هذا الصمت.

لم يذكر التاريخ أنه كان لليمن أي موقف يسيئ إلى مبدأ حسن الجوار تجاه السعودية فمن العدالة أن تكون المعاملة بالمثل وأن يكون هناك نوع من الاعتراف الضمني بالآخر من قبل الجار الآخر بدلاً من التعامل بفوقية.

التفكير العقلاني يقول أن محاولة صد الطوفان أصبح مستحيلاً والأسلم هو السير بنفس اتجاه الطوفان من أجل السلامة وعلى المملكة والولايات المتحدة أن تتركا لنفسيهما خط رجعة مع الأنظمة الجديدة والتصالح معهما على أسس الندية والمشاركة وليس الإصرار على فرض التبعية على الآخرين فلكل زمان دولة ورجال

وكما قال دوتشك (قد تستطيع أن تدوس الأزهار ولكنك لن تؤخر الربيع) .

ونحن نقول لأخوتنا السعوديين شكراً لكم على منحة 3 مليون برميل من النفط (الخام) ونتمنى أن توفروا هذه الكمية لشعبكم مقابل أن تتركونا نحل أزماتنا كي يتسنى لنا إعادة تشغيل وانتاج النفط اليمني فهو يكفينا وزيادة وكما قال أحد الشعراء:

فيا مطعمة الايتام من كد فرجها ... عليك بنفسك لا تزني ولا تتصدقي

فالملاحظ أن كل الجهود السعودية تتجه نحو خدمة نظام صالح وشخصه منذ بداية حكمه إلى لحظة استقباله كمصاب ونقله إلى السعودية دون غيرها من الدول وإلى هذه اللحظة من الحوارات والتفاوض باسم الشعب اليمني، وتسريب معلومات حول عودة علي صالح لليمن وأنه بصحة جيدة هي من ضمن السياسات التي تعادي الثورة عندما يسعى الإعلام اليمني التابع للنظام بالتعاون مع جهات سعودية إلى خلق شائعات تشوش المعلومات والمعطيات التي من خلالها تقوم الثورة ببناء قراراتها وفقاً لهذه المعلومات وبالتالي فإن أكثر من معلومة تؤدي إلى بناء أكثر من خطة باتجاه العمل الثوري ولذلك فإن أي خطة تبنى على معلومات كاذبة يكون اثرها سلبي.

لاشك أن الجميع يتفهم المخاوف والهواجس لدى المملكة التي صاحبت الثورات العربية وتأثير هذه الانتفاضات على شكل النظام السائد ولكن: نتمنى من السعودية أن تلتفت إلى الإصلاح الداخلي لكي تتحاشى أي تأثيرات للثورات العربية عموماً واليمنية خصوصا بدلاً من اللجوء إلى محاولة إفشال هذه الثورات في مواطنها خاصة وأن الأمور مهيأة الآن وإذا ما قامت الحكومة السعودية بخطوة استباقية لتصحيح أوضاع الشعب السعودي المعيشية ومنحه هامش حرية ولو بسيط مع التركيز على دولة المؤسسات والحياة المدنية بدلاً من المؤسسة الدينية المطلقة التي تخنق الأفراد فقد يعفي النظام الملكي نفسه من أي ثورة أو اضطرابات متوقعة، أما الإصلاحات المتأخرة جداً فقد أثبتت التجربة عدم جدواها فالفرصة مهيأة للملكة كي تبقى مملكة والشعب السعودي سيقبل ببقاء أسرة آل سعود حكاماً مقابل قليل من الحرية ومقاسمة الشعب جزء من الثروات ولتترك لبقية الشعوب المجاورة حرية إختيار أنظمتها وترتيب بيتها الداخلي بالطريقة التي تراها مناسبة. فمن حق الشعوب أن تتطلع وتتوق إلى الحرية من أغلال الاستبداد وليس من حق أي دولة أو نظام أن يحجر على أي شعب تطلعاته ليبقى رهينة لرغبات أنظمة أخرى.

[email protected]

إقراء أيضا