شهر رمضان نفحة قدسية وبركة ربانية يتعــهد الله عـز وجـل بهــا عباده كل سنة مرة , فتجدد القلوب عهدها مع الله عزوجل ,وتجلــو فيها النفوس عن طبيعتها ما علق بها من صدأ المعاصي والابتـــعاد عن الله عزوجل في أحد عشر شهراً , وتتهيأ الأرواح لتتخلص من علوقها الأرضي متجهة إلى عالم أقرب وأطهر وأسمى , متخذة من صفائها ولطافتها معراجاً تعرج به نحو السـماء ؛ وحيثما ذهبت تبحث في معاني ذلك الشهر العظيم ؛فإنك واجد للقول سعة وللأسرار مدداً وللإعجاز أبواباً ...
ناهيك عن كلام المعصوم صلى الله عليه وسلم في فضائل هذا الشهر العظيم ، ومكانته وثواب العمل فيه والتقرب إلى الله عزوجل، فكلامه صلى الله عليه وسلم هو المحجة البيضاء الأقوم والصراط المستقيم.
وقد تكلم العلماء قديماً وحديثاً في أسرار الصيام وفوائده الحسية والمعنوية ، ولكن الفهم لم يحط بكل أسرار تلك الفريضة بعد . فالمعاني ربما تحجب عن الناس في زمن لتظهر في آخر،وربما يظهرها السابق مجملة ، فيفصلها اللاحق تفصيلاً أشبه بإيجاد المعنى المستحدث الجديد ، فمعاني الصوم ذات رونق يأخذ باللب .وذلك مايعرفه أولئك الذين سمت روحهم في شهر الصوم وفتح لهم باب العروج مع معاني قوله تعالى { ياأيها الذين آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصيام كَمَا كُتِبَ عَلَى الذين مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [ البقرة : 183 ]
ومن الذين تلمَّسوا تلك المعاني وعرضوها ، إمام العربية وشيخ أدبائها مصطفى صادق الرافعي (رحمه الله).الذي لم يقرأ لأحدهم قولاًًًًًًًًًً شافياً في فلسفة الصوم وحكمته ،يقول رحمه الله في الجزء الثاني من كتابه القيّم (وحي القلم) بعنوان : فـلسفة الصيام).
"لم أقرأ لأحدهم قولاً شافياً في فلسفة الصـوم وحكمته ، أما منفعته للجسم ، وأنه نوع من الطب له وباب من السياسة في تدبيره ، فقد فرغ الأطباء من تحقيق القول في ذلك .
وكأن أيام هذا الشهر المبارك إن هي إلا ثلاثون حبّة تؤخذ في كل سنة مرة لتقوية المعدة،وتصفية الدم وحياطة أنسجة الجسم "،
ما ألطف معاني الصوم وما أرق عبارات الرافعي ، الذي يريد معنىً أشمل وأعم وإن شئت قل أسمى من تلك المعاني التي تكلموا فيها،إنه يريد أن "يستوحي تلك الحقيقة الإسلامية الكبرى التي شرعت الـصــوم" ، والذي أداه إلى هذا الاستحياء