العربي‮ ‬كما عرفته

  • بقلم‮: ‬هادي‮ ‬محمد عامر
  • منذ 17 سنة - Tuesday 24 April 2007
العربي‮ ‬كما عرفته

إيه‮.. ‬أيها العربي‮ ‬العملاق،‮ ‬الى أين الرحيل؟ ولماذا ترحل عنا ونحن بحاجة إليك‮.. ‬بل في‮ ‬أشد الاحتياج الى رجل مثلك،‮ ‬يجمع خصائص الرجولة في‮ ‬شخص واحد‮..‬؟
إيه أيها العربي‮ ‬النبيل،‮ ‬الى أين ترحل،‮ ‬وبهذه السرعة المفجعة والدامية للقلوب‮.. ‬وتتركنا حيارى مذهولين‮.. ‬تتركنا نقلب المواجع على جمر القلوب‮.. ‬ونهنهات الحسرة والألم،‮ ‬ويرتفع نشيج الروح الذي‮ ‬يتجاوز المدى ومسافات النهار،‮ ‬ولكن صدى صوتك الجهوري‮ ‬القوي‮.. ‬المحبب إلينا بكل المعاني‮ ‬والمفردات المألوفة وغير المألوفة التي‮ ‬تطلقها بصوت‮ ‬يجلجل كالنواقيس‮.. ‬تظل تقرع‮.. ‬وتقرع‮.. ‬تحذر وتنبه،‮ ‬وتصحح المسار‮.‬
كنت ثالث ثلاثة رجال أحرار من أسرة محلئية واحدة‮: ‬عبدالحميد ومحمد وعبدالقوي‮ »‬العربي‮«.‬
عبدالقوي‮ ‬ناجي‮ ‬محمد؛ ذلك الاسم الرائع،‮ ‬وذلك اللقب الجميل المليء بالعنفوان والشموخ‮.‬
العربي‮ ‬الحبيب العزيز الشجاع‮.. ‬والصابر الصامد‮. ‬العربي‮ ‬الصوت المزمجر كالأسد الهصور‮. ‬العربي‮ ‬صوت الرعد على رؤوس الأعداء والمناوئين أينما كانوا وحيثما تواجدوا‮. ‬نعم العربي‮ ‬الواضح والصريح الى أقصى حدود الصراحة‮. ‬العربي‮ ‬الذي‮ ‬لايخاف لومة لائم في‮ ‬الأمور العظيمة التي‮ ‬يرى أنها خط أحمر لايمكن تجاوزها أو التطاول عليها‮. ‬العربي‮ ‬الحاد كشفرات السيوف‮. ‬العربي‮ ‬المحب العاشق للمبادئ الناصرية حتى النخاع‮.. ‬المحب للأمة والعروبة حتى العظم‮.. ‬والمحب دائماً‮ ‬وأبداً‮ ‬للزعيم الخالد جمال عبدالناصر‮. ‬العربي‮ ‬الحالم بوطن الحرية والاشتراكية والوحدة‮.‬
العربي‮ ‬البطل الذي‮ ‬كان‮ ‬يوم ‮٤١‬أكتوبر ‮٣٦٩١‬م،‮ ‬بإرادته الحرة،‮ ‬وشبابه وطموحه،‮ ‬ونزعته الثورية المبكرة،‮ ‬وهو الى جانب شقيقيه عبدالحميد ومحمد ناجي،‮ ‬وراجح‮ ‬غالب لبوزة،‮ ‬وآخرين‮.. ‬يصنعون‮ ‬يوم الثورة المجيد من على قمة جبل‮ »‬البدوي‮« ‬بردفان الشماء،‮ ‬يفجرون ثورة ‮٤١‬أكتوبر،‮ ‬ويعلنون للعالم أجمع أن الثورة قد بدأت وستستمر،‮ ‬وأن دم الشهيد راجح سيعم الجنوب الثائر كله‮. ‬نعم لقد كانوا الطليعة‮. ‬وصدق الله القائل‮: »‬من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من‮ ‬ينتظر وما بدلوا تبديلا‮«.‬
العربي‮ ‬الثائر الأول،‮ ‬والمناصر الشجاع لثورة سبتمبر،‮ ‬والمقاتل العنيد في‮ ‬جبال المحابشة بحجة وجبال وسهول ربوع اليمن،‮ ‬يسهم مع إخوته الأحرار في‮ ‬تدعيم وترسيخ ثورة ‮٦٢‬سبتمبر المجيدة،‮ ‬ويبذل الغالي‮ ‬والنفيس في‮ ‬نصرتها‮.‬
العربي‮ ‬التاريخ والجغرافيا والمبادئ‮..‬
ها هو منزل العربي‮ ‬وإخوته في‮ ‬قرية القرين ناحية حبيل جبر،‮ ‬صبيحة‮ ‬يوم من أيام‮ ‬يناير ‮٤٦٩١‬م،‮ ‬يحتضن القائد عبدالله محمد المجعلي،‮ ‬ليقود جبهة ردفان،‮ ‬بعد استشهاد القائد راجح لبوزة‮.. ‬ويرتفع علم الجمهورية العربية المتحدة عالياً‮ ‬خفاقاً،‮ ‬أعلى سطح منزل عبدالقوي‮.. ‬ومن بعيد عيون القوات البريطانية ترصد،‮ ‬ويتحرك الضباط السياسي‮ ‬البريطاني‮ ‬ميلان،‮ ‬ليأمر بتدمير المنزل‮. ‬وتشتد الثورة،‮ ‬وتنتصر،‮ ‬ويرحل المستعمر البريطاني‮ ‬الى‮ ‬غير رجعة‮.‬
ويأتي‮ ‬الإخوة الأعداء للأسف،‮ ‬ومنهم‮ ‬يأتي‮ ‬الرفاق المتمركسون،‮ ‬وينهبون ما بقي‮ ‬للعربي‮ ‬من أبقار ومواشٍ‮.. ‬ويتشرد العربي‮ ‬الحزين مرة أخرى،‮ ‬وهذه المرة أشد إيلاماً‮ ‬لأنها تأتي‮ ‬من أبناء جلدته رفاق النضال بالأمس،‮ ‬والحكام الجدد في‮ ‬الجنوب‮. ‬ويحاربونه في‮ ‬لقمة عيشه وحياته،‮ ‬وتشتيت أسرته التي‮ ‬هي‮ ‬أعز ما لديه‮. ‬ويا لها من حرب قذرة لايقوم بها إلا أنذال ليس فيهم من الرجولة ما‮ ‬يحترم،‮ ‬ولا من الشهامة ما‮ ‬يقدر‮.‬
ويحل العربي‮ ‬الحزين المقهور ضيفاً‮ ‬محترماً‮ ‬في‮ ‬مدينة السلام تعز الخير،‮ ‬حتى عام ‮٩٧٩١‬م،‮ ‬ليعود من جديد الى الجنوب‮. ‬وكان خلال تلك الفترة التي‮ ‬قضاها متنقلاً‮ ‬بين تعز وصنعاء وسائر المحافظات الشمالية،‮ ‬قد عزز علاقاته وقدراته التنظيمية مع إخوته الناصريين الذين ظل وفياً‮ ‬لهم،‮ ‬وظلوا أوفياء له حتى النهاية‮.‬
عبدالقوي‮ ‬العربي؛ الشهم النبيل،‮ ‬الناصر للمظلوم،‮ ‬وبالصوت العالي‮ ‬تكراراً‮ ‬لمقولة الخالد عبدالناصر‮ »‬إرفع رأسك‮ ‬يا أخي،‮ ‬فقد ولي‮ ‬عهد الاستبداد‮«.‬
نعم،‮ ‬هذا هو عبدالقوي‮ ‬ناجي‮ ‬محمد العربي‮.. ‬الأب الحنون،‮ ‬والأخ الوفي،‮ ‬والصديق الصدوق،‮ ‬الذي‮ ‬لايهاون في‮ ‬ما‮ ‬يعتقد،‮ ‬ولا‮ ‬يساوم على المبادئ،‮ ‬ولا‮ ‬يخشى جبروت الطغاة،‮ ‬ولا‮ ‬يخضع لأحد سوى رب العباد‮.‬
العربي‮ ‬المناضل الشريف النظيف والعفيف،‮ ‬الذي‮ ‬لايملك قصوراً‮ ‬ولا عقاراً‮ ‬ولا أرصدة،‮ ‬إلا حبه للوطن،‮ ‬وأبناءه المخلصين‮. ‬لم‮ ‬يمد‮ ‬يده لأحد،‮ ‬وهو المحتاج لإبرة الإنسولين،‮ ‬وقضى نحبه وهو‮ ‬يئن من الألم والعوز‮.. ‬وهو من أعطى زهرة شبابه لهذا الوطن المليء بالخيرات،‮ ‬والمنهوب من السماسرة وأدعياء النضال وأبناء الذوات‮.‬
فارق الحياة بعد أن عان كثيراً‮ ‬من الأمراض التي‮ ‬أرهقته،‮ ‬ولم نعلم أن مسؤولاً‮ ‬ما قد كلف نفسه بالاطمئنان أو السؤال عن صحة هذا العربي‮ ‬الأبي‮.. ‬لم نعلم أن مسؤولاً‮ ‬في‮ ‬الدولة وعد بعلاجه على نفقة الدولة‮.. ‬وعداً‮ ‬فقط؟ لم‮ ‬يحصل أبداً‮.. ‬لم نعلم أن شخصاً‮ ‬ما محسوباً‮ ‬على الدولة،‮ ‬مد‮ ‬يد العون أو المساعدة لهذا المناضل الشجاع،‮ ‬ليساعده على اجتياز محنة المرض،‮ ‬وهو في‮ ‬آخر مراحل العمر‮.‬
أهكذا‮ ‬يكافأ المناضلون الشرفاء على ما قدموه طوال حياتهم المليئة بالكفاح والمآثر والتعب والألم والقهر‮..‬؟‮!‬
أهكذا أصبح حال المناضلين؛‮ ‬يعاملون بالجحود ونكران الجميل؟
أين منظمة مناضلي‮ ‬الثورة؟ أين دورها؟
صرخة نعلنها في‮ ‬وجه ناكري‮ ‬الجميل،‮ ‬بأن التاريخ سيلعنهم،‮ ‬ونحن كذلك‮.. ‬لأن تاريخ المناضلين تاريخ مقدس،‮ ‬معمد بدماء الشهداء‮.‬
إيه‮ ‬يا عربي‮. ‬إن الحصون والقلاع والجبال الشامخات‮ ‬يسألن عنك،‮ ‬ويقرئنك السلام،‮ ‬لتنام في‮ ‬هدوء وأمان‮. ‬عهداً‮ ‬لك‮ ‬يا عربي‮ ‬أننا نحن إخوتك الناصريين في‮ ‬كل الساحات،‮ ‬سنظل أوفياء للمبادئ التي‮ ‬آمنت بها،‮ ‬وقضيت جل شبابك وسني‮ ‬عمرك تدافع عنها،‮ ‬وحاملاً‮ ‬راياتها؛ رايات العزة والمجد والفخار‮.‬
عهداً‮ ‬لك أبا عبدالناصر وعز العرب،‮ ‬أن نكمل المشوار‮.‬

أخوك وصديقك
هادي‮ ‬محمد عامر

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وأقرأ أيضا :

سلام عليك أيها العربي

العربي‮.. ‬عندما‮ ‬يموت الشجر واقفاً

وجعٌ‮ ‬هنا‮.. ‬وفي‮ ‬ردفان أرواح تصلي‮!‬

العربي‮ ‬الوحدوي

العربي‮ ‬الأصيل

العربي‮ ‬عبدالقوي‮.. ‬قامة بحجم الأمة