الرئيسية الأخبار عربي ودولي

الف يوم علي حرب العراق

  • عبد الباري عطوان
  • منذ 18 سنة - Wednesday 14 December 2005
الف يوم علي حرب العراق

يتوجه العراقيون غداً الي صناديق الاقتراع لانتخاب جمعية وطنية (برلمان) دائمة، وسط اجواء من الاحباط، وقناعة راسخة لدي الاغلبية بان الاوضاع الامنية والاقتصادية في البلاد بعيدة تماما عن التعافي.
ومن المفارقة ان هذه الانتخابات التي ستكون الحلقة الأخيرة من حلقات الديمقراطية الامريكية، تتزامن مع مرور الف يوم علي بدء الحرب الامريكية التي اطاحت بالنظام العراقي ووضعت العراق تحت الاحتلال.
الحرب كانت سهلة، ولم تستغرق الا بضعة اسابيع، اعلن بعدها الرئيس الامريكي بكل عنجهية ان العمليات العسكرية انتهت وان المهمة انجزت علي الوجه الأكمل، وها هي الايام، والوقائع علي الارض تثبت كم كان ساذجاً ومتسرعاً.
العراق ليس افضل حالاً، وكذلك اهله، وستدخل هذه الحرب كتب التاريخ ليس علي انها قامت علي ادعاءات كاذبة، وحققت نتائج عكسية، وانما لانها الأكثر كلفة علي الصعيدين المادي والبشري.
فهذه الحرب كلفت العراقيين مئة الف شهيد ومئات الآلاف من الجرحي، ومزقت بلادهم جغرافياً وطائفيا، بينما كلفت الامريكيين اكثر من 18 الف قتيل وجريح، وثلاثمئة مليار دولار، والأهم من هذا وذاك ان الولايات المتحدة، وبفضل الادارة الحالية خسرت سمعتها كزعيمة للعالم الحر، وحامية للقيم الغربية في العدالة والتسامح واحترام حقوق الانسان وتطبيق التشريعات والمعاهدات الدولية.
الحرب الامريكية في العراق ارادت تغيير منطقة الشرق الاوسط، وتكريس الديمقراطية الغربية، ولكن ما حدث هو العكس تماماً، فالولايات المتحدة هي التي تغيرت، والرأي العام الامريكي يعيش حالة من الصحوة، بعد ان ضللته أكاذيب ادارته والعصابة التي تتحكم في قراراتها.
القيم الديمقراطية الغربية منيت بنكسة كبري، بعد افتضاح سجون التعذيب الامريكية في اوروبا، والعراقية في اقبية وزارة الداخلية، ونشر مضمون وثيقة تؤكد وجود خطط لدي الرئيس بوش لقصف قناة الجزيرة الفضائية.
ولعل تورط وزارة الدفاع الامريكية في ممارسات مخجلة مثل رشوة بعض الصحافيين العراقيين، بحفنة قليلة من الدولارات، لنشر موضوعات تعطي صورة ايجابية للاوضاع في العراق كان اكبر ضربة توجه الي ما تبقي من مصداقية لاحاديث الادارة عن الديمقراطية والاعلام الحر. فقد تصرفت هذه الادارة تصرف انظمة متخلفة في العالم الثالث مثل نشر مقالات في الصحف تمجد الرئيس المبجل وتشيد بإنجازاته العظيمة.
العراقيون، وبغض النظر عن طوائفهم واعراقهم، كانوا اكبر المخدوعين، فقد صدقوا الوعود الامريكية في الرخاء والعدالة والديمقراطية وتصوروا انهم سيبزون نظراءهم الخليجيين في الترف والرفاهية وثقافة الاستهلاك، فجاءت النتائج مخيبة للآمال تماماً، لدرجة ان بعضهم بات يترحم علي الاوضاع قبل الاحتلال، ومن بين هؤلاء من تعرض للاضطهاد وفقد بعض افراد اسرته.
فمن النادر ان تنشر الصحف خبرا مفرحا من العراق هذه الايام. فكل الاخبار هي عبارة عن انفجارات واعمال خطف، واغتيالات، وسيارات مفخخة، واكتشاف جثث متحللة لمجهولين مقيدي الايدي، معصوبي العيون، واصابات برصاص في مؤخرة الرأس. العشرات وربما المئات تعرضوا للاعتقال من قبل جهات غير معروفة ولا احد يعرف مصيرهم.
ولهذا لم يكن مفاجئاً ان يكشف استطلاع اجرته هيئة الاذاعة البريطانية (بي. بي. سي) ان نصف العراقيين قالوا انهم يريدون حاكماً قوياً لبلادهم، بينما قال اكثر من ثلثيهم ان الديمقراطية لا تشكل اولوية بالنسبة اليهم. الديمقراطية الامريكية قسمت العراقيين الي طوائف واعراق ومناطق جغرافية، واعادت احياء العشائرية، فالذين سيذهبون الي صناديق الاقتراع غدا سيصوتون بناء علي اسس طائفية وعرقية للأسف، فالشيعي سينتخب الشيعي، والكردي سينتخب الكردي، والسني سينتخب السني وهكذا.
العراق فقد هويته، مثلما فقد وحدته الوطنية، والاخطر من هذا وذاك، فقدانه طبقته الوسطي، فقد هاجرت الكفاءات ورؤوس الاموال، والخبرات الفنية والمهنية، ومن بقي منها تمترس خلف ابواب بيته المغلقة بإحكام انتظارا لفرصة عمل في الخارج.
الملايين من العراقيين الذين قالوا انهم هربوا من بطش النظام السابق لم يعودوا الي العراق الجديد ومن عاد منهم كان القلة التي كانت مدرجة علي قوائم رواتب المخابرات الامريكية، ومن أجل تولي مناصب عليا في الدولة مكافأة لهم علي تعاونهم مع مشروع الغزو الامريكي.
نصف مليون هجروا العراق الجديد الديمقراطي الي الاردن، ونصف مليون آخر الي سورية، ومئات الالاف الي دول الخليج واوروبا للنجاة بارواحهم، وبحثاً عن بقعة ارض آمنة توفر لهم نوما مريحا لا تزعجه اصوات الانفجارات والقذائف والسيارات المفخخة.
الساحر الامريكي استنفد كل حيله وألعابه ووسائل خداعه، وبات مكشوفاً عارياً امام المتفرجين، فالانتخابات المقبلة هذه هي آخر ما تبقي في جعبته، وربما تكون مقدمة لهروبه وقواته من العراق، تحت ذريعة اكمال العملية الديمقراطية.
الرئيس بوش يتحدث عن استراتيجية للنصر في العراق، ولا نعرف كيف سينتصر، وقواته حررت الرمادي خمس مرات، وسامراء ثلاث، والفلوجة مرتين. والمقاومة تزداد شراسة، وتتطور عملياتها نوعياً، ولا يمر يوم دون سقــوط خمسة او عشرة جنود امريكيين قتلي.
لا احد يتوقع ان يكون حال العراق علي هذه الحالة المزرية بعد الف يوم من الحرب، وتحت احتلال القوة الاعظم في التاريخ، سياسيا، وعسكريا، واقتصاديا.
الادارة الامريكية انهــزمت في العراق في زمن قياسي، وربما ستكون هذه الهزيمة مضاعفة، اذا ما تهورت في مواجهة اخري مع ايران بسبب برنامجها النووي الطموح. ولا نعتقد ان الرئيس بوش سيجد من يصدقه وهو يتحدث عن انتصاراته الكاذبة. فالطاووس الامريكي فقد ريشه مثلما فقد كبرياءه وقيمه، وما بني علي باطل كله باطل.