الرئيسية الأخبار عربي ودولي

ثورة يوليو: ثورة ضد قيم الخوف والهزيمة.

  • الوحدوي نت - فتحي بالحاج
  • منذ 15 سنة - Sunday 20 July 2008
ثورة يوليو: ثورة  ضد قيم الخوف والهزيمة.

ثورة  يوليو ثورة الكرامة العربية
تهل علينا ذكرى ثورة يوليو في وضع عربي مأزوم . والحديث عن هذه الثورة التي جاءت بالاستقلال إلى أغلب الأقاليم العربية يثير في نفوسنا ألما كبيرا نحن الذين لم نعش أمجادها ومعاركها ضد الحضور الأجنبي  عندما نرى أن أقاليم عربية فقدت استقلالها و تخضع  من جديد تحت الاحتلال المباشر ناهيك عن التدخلات السافرة لقوى الهيمنة  في ما تبقى من الأقاليم الأخرى فهي صاحبة القرار الأول والأخير للعديد من الدول وفقدت السيادة الوطنية معناها الحقيقي. تهل علينا ذكرى ثورة يوليو و قد تحول الوطن العربي إلى بؤر للصراعات الطائفية والقبلية، والى مسرح للصراع  بين تجار الموت.
إن الهدف من الحديث عن ثورة يوليو التي حوصرت وضربت وشوهت وأسقطت من موقع القيادة من قبل من قبل قوى الحلف الثلاثي الإقليمية والاستبداد والهيمنة الأجنبية، هو التأكيد أولا و أكثر من أي وقت مضى من أن ثورة يوليو عند تفجرها كانت المعبر الوحيد المتاح إلى بناء مستقبل عربي آمن. وأن الذين عادوها ووقفوا ضدها وخذلوها في فترات كانت الأمة في أشد الحاجة إلى من يقف مع خيار الثورة وخيار مقاومة الهيمنة الأجنبية كانوا على خطأ مهما كانت المبررات. ونهدف ثانيا إلى التأكيد من أن لا مستقبل عربي بدون الأخذ بالمبادئ وبالأهداف التي رفعتها وعملت على تكريسها دعت ثورة يوليو. إن الانقلاب الخطير الذي حصل في مصر و في الوطن العربي وهذا الانهيار الفظيع الذي أصاب النظام الرسمي العربي بعد غياب عبد الناصر وإزاحة الثورة من دفة القيادة في 1970  أدى إلى هذه الانهيارات الكبرى التي أصابت الأوضاع السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية، والى خضوع كل مقدرات الأمة للسيطرة  الأجنبية.
ونهدف التأكيد ثالثا أن الذين يقودون حملات التشويه ويتجاسرون على مبادئ الثورة وعلى قياداتها هم أولئك الذين كونوا هذا الحلف الغير مقدس وساهموا في ضرب الثورة  وهم الذين يحكمون الواقع العربي  منذ أربعة عقود فخربوا ما أنجزته الثورة وهم فأرجعوا جحافل المستعمرين بعد أن طردتهم ثورة يوليو. وزرعوا الخوف والذل في النفوس بعد ارفع رأسك يا أخي.
وبالرغم من الهجمة الشرسة على عبد الناصر وثورة يوليو منذ قرابة من نصف قرن شاركت فيها  جهات عربية وغربية فان تجربة يوليو لازالت ملتصقة في الوعي العربي الجمعي بقيم العزة والكرامة  وبإرادة  التحدي والمقاومة بحثا عن الحياة الحرة.. لازالت ثورة يوليو ومفجرها ها جمال عبد الناصر يتمتعان بشعبية غير محدودة لدى الجماهير العربية على الرغم من عجز التيار الناصري في توظيف هذا الزخم الجماهيري..وتحويله إلى حركة جماهيرية فاعلة. لقد فتحت ثورة يوليو كما يقول الدكتور صفوت حاتم للجماهير العربية بوابة التاريخ التي كانت مغلقة دونهم لقرون طويلة. لقد عاشت الجماهير العربية مع عبد الناصر أحلاما كبيرة عن الوحدة العربية والكرامة وعاشت معه رغبتها الجامحة في العودة كفاعلة في تاريخ البشرية بعد أن طردوا من ساحة الفعل والمشاركة في صنع التاريخ خلال أزمنة الانحطاط. وهكذا يتجلى لنا الدور الأساسي للناصريين هو إرجاع الجماهير العربية إلى ساحة الفعل السياسي والنضالي حتى تتمكن الأمة من رفع سقف مطالبها إلى مستوى ما فعلته ثورة يوليو والعجز عن إيقاف مسلسل انهيار والانحدار للأمة العربية.
ضد قيم الخوف والهزيمة
  اتّسم الوضع العربي قبل 1952 بالركود و الانحطاط فلئن تمكنت بعض الدول العربية ومنها مصر من الحصول على استقلال فان هذا الاستقلال كان صوريا ذلك أنه لم يتجاوز شكلية الالتحاق بمنظمة الأمم المتحدة التي عقبت ما كان عرف بعصبة الأمم  فهذه الدول حديثة التأسيس و المتوافقة شكلا و مضمونا مع اتفاقية سايس ـ بيكو.هذه الدول المستقلة كانت بعيدة عن الحركة السياسية و النضالية في الوطن العربي و إرادة مقاومة التواجد الاستعماري. لذا ظلت هذه الدول بعيدة كل البعد على حركة التحرر الوطني العربي. بل تعمل على إضعافها من خلال إغراء المناضلين و المجاهدين من أبناء الأمة بمناصب في الدولة الجديدة مقابل تخليهم على مبدأ النضال من أجل الوحدة. وفي هذا الإطار قد يتحول أسلوب الإغراء بالمناصب الوزارية إلى أسلوب التهديد الملاحقة و السجن و التصفية الجسدية. في مواجهة هذا الواقع حاولت الأمة العربية من خلال المناضلين التصدي إلى الهجمة الاستعمارية و سعت  لتحرير الأرض و استعادة إمكانيات العرب المهدورة و المنهوبة من قبل الدوائر الاستعمارية. لقد امتدت على طول ساحة الوطن العربي حركات عديدة كلها تعبر بشكل أو بآخر على إرادة هذه الأمة و رغبته في الحياة الحرة الكريمة بعيدا على كل إشكال الهيمنة الأجنبية. فمن خلال المواجهة مع الحركة الطورانية ومن خلال المواجهة مع الحركة الصهيونية تكونت هنا و هناك على امتداد الوطن العربي من المحيط إلى الخليج حركات مسلحة  كلها تدافع عن الهوية القومية و عن إمكانيات الأمة العربية المادية والثقافية. و كانت حرب 1948 الاختبار الحقيقي للنظام الرسمي العربي التجزيئي وأيضا لحركات المقاومة العربية. في هذه الحرب ظهرت حقيقة الأنظمة العربية التي قالوا عنها مستقلة و فاعلية المنظمات القومية التي حاولت أن تتصدى للعدو و مقدرتها في رد العدوان. لئن كشفت هذه الحرب حقيقة الأنظمة العربية التي يقال عنها مستقلة فإنها أظهرت أيضا عجز حركة المقاومة العربية و بان بالكاشف ضعفها التنظيمي و السياسي و الحركي.  فعبد الناصر المحاصر في الفالوجة وعى أن العدو الحقيقي هو الذي يسيطر على أجهزة الحكم  فالهزيمة هي نتيجة لعجز  الأنظمة العربية في الوفاء بالتزامات ولقد كانت عاجزة بحكم تكوينها ونشأتها عن القيام بمهام قومية تتجاوز حجمها ودورها. وعى عبد الناصر أن الجندي العربي المقاتل المؤمن بقضيته يحتاج إلى قيادة سياسية مناضلة لتحقيق النصر المطلوب. إن الفترة الممتدة من 1948 إلى 1952 ستبقى من أخصب فترات الاختمار الثوري في تاريخنا العربي. لأن في هذه الفترة التي اتسمت على مستوى رسمي عربي بالهزيمة و جلد الذات و بحالة من الانهيارات النفسية و الاجتماعية و الثقافية. لكنها كانت الفترة الخصبة التي ولدت فيها العديد من التيارات السياسية الثورية والقومية ردّا على الهزيمة وعلى النكبة.الدراسة المتأنية لهذه المرحلة تكشف لنا الطاقات الثورية التي كانت تختزنها مصر والأمة العربية. ولم تكن ثورة يوليو إلا تتويجا لهذا المخاض الثوري الذي تمكن عبد الناصر من تحويله إلى وضعية ثورية. هذا الميلاد الثوري أأوقف محاولة التيار الإقليمي إلى الظهور إلى الواجهة لبث دعوته المسمومة أن ابتعدوا على فكرة العروبة فذلك أريح لكم.
كانت ثورة يوليو ثارا للنفوس العربية الجريحة في 1948جاءت لتستعيد ثقة الإنسان العربي بنفسه و مقدرته على الفعل في مواجهة العدوان. فالخوف الذي سيطر على النفوس سنين طويلة كسر مع فجر 23 من يوليو. فبعد سنوات القهر و العبودية التي اتبعتها الحكومات العربية المتتالية و القوات الاستعمارية الممتدة من المحيط إلى الخليج جاء عبد الناصر ليرفع صوته عاليا أن ارفع راسك يا أخي ليطلق نداءا في دنيا العروبة الساكن أن آن الأوان لهذه الأمة أن تستفيق وأن مصدر يقظتها ونهظتها لا تتأتى إلا بالعودة إلى الإنسان العربي. فكل شيء يبدأ بالإنسان.. تربية الإنسان تربية جديدة متحررة من كل قيود الخوف و القمع. الإنسان المتحدي الذي ينفض عنه غبار الذل المخيم منذ سنين انه الخوف الذي شل حركة الأمة. إن الاستعمار هو الذي كبل الإنسان العربي و زرع فيه الإحساس بالدونية و الذل و الهوان. فحالة العبودية و الركود ناتجة عن هذا التواجد الاستعماري في كل أوجه الحياة الثقافية و السياسية و الاقتصادية فكان أن صاح صيحة الإنسان العربي المقموع المغلوب عن أمره.  فقال في خطاب له في 27 فبفري 1953 " على الاستعمار أن يحمل عصاه و يرحل. إن الشعوب التي تساوم المستعمر على حرياتها توقع في نفس الوقت وثيقة عبوديتها لذلك فان أول  أهدافنا الجلاء بدون قيد أو شرط " وعبد الناصر يعلم أن طرد الاستعمار و رحيله  لا يمكن أن يتأتى إلا عبر التضحية و النضال فتوجه إلى الإنسان العربي قائد حركة التغيير و التثوير ليحرره من الخوف و من العبودية التي سيطرت بعد الهزيمة. رأى ضرورة خلق الإنسان العربي العامل المؤمن بقضيته المتحرر من الخوف المستعد لدفع ثمن الحرية فكان أن نبه الى ضرورة التخلص من كل مظاهر الاستعباد. والتخلص من الإحساس  بالدونية. ففي  خطاب بجامعة القاهرة يوم 3 ديسمبر 1953 نراه يقول : " ولكي يكون الشعب قويا يجب أن يكره الاستبداد وينفر من الاستعباد ولا يعرف للخوف والفزع معنى" وانصب جهد عبد الناصر على محاولة إنقاذ نفسية الإنسان العربي من الانهيار و الضياع . مع ثورة يوليو دخلت الجماهير العربية ساحة المواجهة و قادت المعارك الحقيقية. يقول صفوت   حاتم   " لقد تمكن عبد الناصر من إيقاظ الوعي العربي مؤكدا على ضرورة التخلص من  موروثات عهود الاحتلال والحكم الأجنبي وما أفرزه من قيم الخوف من الحاكمين والتقوقع على الذات وعدم المبالاة والهروب من مواجهة الظالمين   ...
ثورة ضد التبعية وقوى الهيمنة العالمية
جاءت ثورة 1952 لتقطع مع مرحلة الهزيمة و العجز و هكذا كانت ثورة 1952 ثورة ضد الحضور الاستعماري المباشر و غير المباشر وضد الحضور العسكري وضد الحضور الثقافي. ثورة ضد هزيمة الدول العربية في مواجهة زرع "إسرائيل" في قلب الوطن العربي،  و انكشاف ارتباط عدد من الحكومات العربية بالقوى الاستعمارية. و لئن بدأ التغيير الثوري من مصر فذلك يعود إلى الدور الأساسي و المركزي لمصر داخل الوطن العربي. فبدايات النهضة انطلقت أيضا  من مصر لتشع على باقي أرجاء الوطن. مع ثورة 1952 عاشت الأمة العربية محاولة جدية محاولة جدية للتغيير الثوري، و تجربة صادقة لإعطاء مضامين جديدة للتغيير النهضوي في الوطن العربي. فالمحاولة تمت عن طريق  توظيف إمكانيات الدولة القطرية العسكرية و الاقتصادية لصالح القضايا القومية. و تمكن عبد الناصر  فعلا من فرض نمط من العلاقات أجبر فيها الحكام العرب على الأخذ بعين الاعتبار أولوية القضايا القومية على المصالح القطرية. و قد خاض عبد الناصر صاحب الحس الثوري الراقي تجربة نامية متطورة مستخدما أسلوبا ثوريا جديدا في الحقل السياسي العربي. فمن خلال الارتطام بالواقع اكتشف عبد الناصر أن التنمية و الاستقلال السياسي و التقدم لا يمكن أن يتحققا الا من خلال النظرة القومية الشاملة بما تعنيه من استعادة إمكانيات الأمة المادية والثقافية  من قبل قوى الهيمنة الأجنبية. فمنذ قيام الثورة بإعلان المبادئ الست و حرب 1956 إلى إعلان أول تجربة وحدوي في الوطن العربي 1958 بين مصر و سوريا إلى نكسة 1967 و حرب الاستنزاف إلى نجدة اليمن كانت كلها حروبا مفتوحة بدون استثناء ضد التبعية بكل أشكالها من أجل التحرر السياسي والاقتصادي.  فهو القائد العربي الذي  واجه الوجود الاستعماري المباشر و الاستعمار الجديد الخفي فلا يضلله الأسلوب.  يعرض عليه ما هو أشد الحاجة إليه المساعدات المادية و القروض مقابل أن يسكت على الوجود الاستعماري وعلى مشاريع التجزئة والتفتيت فيقول لا. و هو القائد العربي الذي واجه الاستعمار من موقع قيادته لدولة إقليمية فلا تخدعه الحدود، و يعرض عليه ما هو أشد الحاجة اليه استقرار السلطة مقابل أن يكف عن المطالبة بالوحدة العربية  فيقول لا و يخوض معركة  الوحدة العربية في ساحتها الحقيقية .
الثورة أدخلت الجماهير العربية طرفا أصيلا في الصراع
مثلت ثورة يوليو طموحات الجماهير الشعبية وقوى الشعب العاملة فكانت ولازالت صوت القاعدة العريضة من الجماهير داخل مصر وفي الوطن العربي وفي الشعوب المناضلة من أجل الحرية
ثورة يوليو بالنسبة للجماهير داخل مصر انجازات  محسوسة فهي الإصلاح الزراعي وتوزيع الملكية على صغار الفلاحين.. هي التأميم ومشاركة العمال في أرباح المنشآت الصناعية ومقاومة الاستغلال .. ثورة يوليو هي التعليم المجاني وتوسيع قاعدة التعليم لدى الجماهير الفقيرة.. أما بالنسبة للجماهير العربية فثورة يوليو العربية هي العزة والكرامة هي ارفع رأسك يا أخي فقد ولى عصر الاستعباد..  هي إنقاذ نفسية العربي من حالة الانهيار والانكسار بعد نكبة 1948..ثورة يوليو العربية  هو التحرر والاستقلال لأغلب الأقاليم العربية من قبضة المستعمرين فقد كانت وراء كل حركات التحرر في الوطن العربي ساعدت بالمال والعتاد والرجال..انجازات ثورة يوليو العربية هو التعليم المجاني في مصر لكل الطلاب العرب.. ثورة يوليو العربية 300 ألف مدرس على امتداد الوطن العربي يقاومون الجهل والتخلف.. ينشرون العلم والمعرفة.. ثورة يوليو العربية  هي مقاومة التخلف هي مقاومة نظم الاستبداد ونظم الإمامة والعمامة.
لقد عاشت الجماهير العربية مع ثورة يوليو المعارك الحقيقة فقد حولت أفكار الوحدة العربية والقومية العربية التي كانت موجودة قبل ثورة يوليو إلى معارك يومية ضد أعداءها: الاستعمار..  الرجعية العربية.. الشعوبية.. ثورة يوليو تجاوزت الشعارات إلى التطبيق في المواجهة القوى القطرية فتحت معركة التوحيد القومي في مواجهة قوى الاستعمار فتحت معركة الاستقلال في مواجهة قوى الاستغلال فتحت معركة العدل الاجتماعي والتنمية المستقلة
لقد استطاع عبد الناصر تحويل هذه الشعارات إلي حياة يومية و تمكن بفضل حنكته السياسية من أن يحولها إلى هم يومي يعيشه الإنسان العربي و حولها إلى مهام يومية على طول ساحة الوطن العربي. و أصبحت الجماهير التي تجلبها الشعارات إلى جماهير فاعلة محققة لهذه الشعارات أو مدافعة عنها ضد غزو خارجي فلم يكتف بالتنظير والخطب الحماسية بل هو يقود معارك حقيقية: معركة الأحلاف الأجنبية.. معركة السويس ..  معركة الوحدة مع سوريا وقيام الجمهورية المتحدة .. معركة الانفصال.. معركة الجزائر .. معركة اليمن .. معركة  بناء السد العالي .. معركة بناء الاشتراكية .. معركة الحصار الاقتصادي.. معركة إزالة آثار العدوان.. معركة الاستنزاف.. معركة فلسطين ودعم المقاومة الفلسطينية.
إن عملية التغيير التي قادها عبد الناصر أحدثت قطيعة منهجية ومعرفية مع ما كان سائدا عربيا فكرا وسياسة وأساليب عمل أنظمة ومنظمات. وضع مكونات الواقع العربي كله محل نساؤل . فيقلب المعارك التي فتحها عبد الناصر على كل الواجهات ومن خلال للالتحام مع الجماهير العربية تمكن عبدا لناصر من تأسيس رؤية جديدة أعهم مافيها هو إدخال الجماهير كعنصر وكعامل محدد في قلب المعادلات السياسية العربية الرسمية ، بعيدا عن سياسة الندب والعويل، وتمكن من إدخال الجماهير العربية طرفا فاعلا في عملية الصراع السياسي. لم يتمرس وراء الثرثرة الفكرية، بل التحم بالجماهير صاحبة المصلحة الحقيقية في التغيير وأصبحت من هذه الرؤية الجديدة وهذا المشروع. لذا فان المتصدين لبناء المستقبل العربي مطالبون بالالتحام بالجماهير العربية والتعبير عن معاناتها عن آمالها وآلامها. وإدخالها كطرف جديد في الصراع الدائر بين قوى المستقبل الوحدوي الديمقراطي وقوى الارتداد الطائفي القبلي.
مهما كانت الأخطاء والسلبيات  التي شابت تجربة  عبد الناصر , ومهما كان حجم المؤامرات التي مني بها مشروعه التاريخي , إلا أن حلم المساواة والعدالة الاجتماعية والوحدة العربية تبقى في الصدور والنفوس ولا يمكن اقتلاعها لقد كان سهلا عليهم الانقضاض على منجزاته المادية بعد وفاته , واحدا بعد الآخر,  ولكنهم سيظلون عاجزين عن  نزع انجازه الرائع الذي زرعه في قلوب الشعب العربي .. بعث  الكرامة العربية
 في الوطن العربي عديد من المنظمات و الشخصيات حاولت تبني تجربة عبد الناصر و الانتساب إليها  ولكنها لم ترق بعد الى مرحلة التعبير عن الناصرية كتجربة وكرؤية للنضال. المخيف أن هذه المجموعات بقيت تنوس بين القطرية والقومية بين الإصلاحية والثورية ولكنها تلازم مكانها. فقد اكتفى البعض بحزب قطري منغمس في مشاكله الداخلية و القطرية بعيدا عن هموم أمته العربية، بينما حلق البعض الآخر عاليا مترفعين عن المشكلات الآنية والقضايا اليومية للجماهير العربية وعدم الوقوف مع الجماهير في معاناتهم في مواجهة بطش السلطة المحلية وقد جانب الصواب كلتي  التجربتين. وهنا ننبه إلى ضرورة المسك بالحلقة الأساسية في التجربة عبد الناصر وفي ممارسته الثورية وضرورة الانتباه إلى هذه المقدرة الفذة التي يتمتع بها عبد الناصر في التعامل مع الظروف وفي مقدرته الثورية الخلاقة في إيجاد الحلول المناسبة بعيدا عن التحنط والجمود. ان عبد الناصر في كل مرة وجد نفسه أمام سد إلا واستطاع أن يجد الحل المناسب لتجاوز السد .
ما بال التيار الناصري يراوح مكانه وكأنه ليس ابن هذه التجربة الفذة ؟
ما بال التيار الناصري رهين الولاءات الشخصية والذاتية والصراعات  المميتة والحوارات العقيمة؟
ما بال التيار الناصري والمفروض وليد هذه التجربة الفذة يتشظى وعاجز عن المسك بالحلقة الأساسية في تجربة عبد الناصر؟؟
إن عبد الناصر لم يضع تناقضا بين القطرية والقومية بل فككهما في مهام عينية دون تناقض أو تعارض أو صراع ودفع بقواه في أتون المعارك.  كانت كل معركة مفتوحة "قطرية" أو قومية  تصب في صالح المعارك الأخرى المفتوحة  ومن خلال المعارك لا خارجها تكتسب التجربة وتزداد صلابة المناضلين.
________________
رئيس الملتقى الثقافي العربي الأوروبي
http://anssar.al-taleaa.net/