الرئيسية المقالات مدارات هل تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية؟
هل تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية؟
د. عبدالعزيز المقالح
د. عبدالعزيز المقالح

هناك ما يشبه الإجماع في الحياة العربية على تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية، لاسيما بعد ثورات الربيع العربي التي بشّرت بالعدل والحرية والكرامة، ما أوجدته في الواقع العربي من حالة انقسام عام في ترتيب الأولويات . وقد يكون في هذا القول قدر من المبالغة إذا ما قورن الواقع الراهن بما كان عليه حال القضية قبل الثورات الأخيرة وبعدها، فقد كانت القضية -منذ وقت طويل- تعاني تجاهل بعض الدول العربية وأحياناً منها جميعاً، ولا تكاد تذكر إلاّ في المناسبات والاجتماعات الدورية، أو بالأصح الروتينية تلك التي تدعو إليها الجامعة العربية . وكثيراً ما جاءت أحاديث تلك الاجتماعات ضرباً من تبرئة الذمة بالكلام المنمّق الذي لا يتبعه موقف عملي ما، بما في ذلك الوعود المالية التي كانت تصاحب مؤتمرات القمة فقد بقيت حبراً على ورق وتم ترحيلها من مؤتمر إلى آخر، ومن لقاء إلى لقاءات لم تتم .

واللافت بشدة أن الحديث عن تراجع القضية الفلسطينية في هذه الظروف لا يراد به في أحيان كثيرة توجيه العناية بقضية العرب المركزية بقدر ما يراد به التنديد بالأنظمة التي وصلت إلى الحكم عن طريق الثورات الأخيرة وتعرية مواقفها غير المسؤولة تجاه قضية بهذه المكانة وهذا الحجم، إضافة إلى التلميح، وأحياناً التصريح، بأن هذه الأنظمة (الثورية) قد انشغلت عن كثير من القضايا بنفسها وبمقارعة خصومها، وفي طليعتهم شركاؤها في الثورة الذين تم استبعادهم والاستحواذ على مفاصل السلطة لطرف واحد من دون بقية الأطراف . ولعل الموضوع الأساس الذي تمحورت حوله الانتقادات هو الموقف الصامت والمتجاهل للتصريحات الشاذة التي أطلقها رئيس الولايات المتحدة الأمريكية باراك أوباما في أثناء زيارته للكيان الصهيوني وإعلانه أن القدس عاصمة تاريخية لهذا الكيان، وهو ما لم يسبق إليه رئيس أمريكي من قبل في تحد سافر ومقيت للعرب والتاريخ والإجماع الدولي، فقد تجاهلت الأنظمة (الثورية) هذا الإعلان ولم يصدر عنها ما يوحي بالاستنكار أو حتى التعليق كأن الأمر لا يعنيها من قريب أو بعيد .

وفي رأيٍ تلتقي عنده أغلبية المحللين أن هذا النقد الموجه إلى الأنظمة الجديدة يأتي في وقته ويقع في الصميم تماماً، فما كان لهذه الأنظمة أن تتجاهل موضوعاً حساساً وخطراً كهذا الموضوع، حتى لو كان بينها وبين الولايات المتحدة قدر من التوافق والانسجام المؤقت في الرؤى الآنية، فالحقائق الثابتة لا تحتمل المساومة أو السكوت لما يترتب على ذلك من إساءة للتاريخ ومن تأثيرات سلبية في الوعي الوطني، لاسيما في بلد كمصر العربية التي لم تكن مواقفها نابعة من أجل القضية الفلسطينية فحسب؛ بوصفها قضية عربية إنسانية، وإنما كانت من القضايا التي يتشابك فيها التاريخ والجغرافيا، وأن الخطر المشترك الذي يهدد فلسطين هو خطر يهدد مصر التي كانت، وستبقى الهدف الرئيس للكيان الصهيوني الذي يرى أن حدوده تشكلها المقولة الذائعة: “من النيل إلى الفرات أرضك يا “إسرائيل” .

وسيكون من العمى السياسي، بل من الغباء غير المسبوق أن تنفض مصر أو غيرها من الأقطار العربية يدها من هذه القضية الكبرى، أو أن تتكرر معها مواقف شبيهة بموقف الرئيس السادات الذي قادته سياسة الولايات المتحدة إلى حتفه ولم تتمكن أجهزة إعلامها التي بلا حدود من أن تبرئ ذمته من إسقاط ميثاق الجامعة العربية وإشاعة حالة التفكك والانهيار في أوساط الأنظمة العربية . وكما أن الوجع الناتج عن المواقف الأخيرة للأنظمة العربية الجديدة، شامل وكامل، إلا أن أثره في القوى المخلصة لثورات الربيع العربي ستكون أكثر إيلاماً . فالتفريط في القضايا الثابتة وطنياً وعربياً ودولياً يعدّ تفريطاً في جوهر فكر الثورة، وخروجاً عن المبادئ التي ألّفت بين جميع الثوار وجمعت بينهم في ليل الثورة ونهارها .

عن الخليج

إقراء أيضا