الرئيسية المقالات مدارات ضيق الأفق السياسي وأنتكاسات الوطن
ضيق الأفق السياسي وأنتكاسات الوطن
محمد مسعد الرداعي
محمد مسعد الرداعي

عاتبني بعض الزملاء من الوسط السياسي حين أتحدث عن النكسات والنكبات التي مر بها الوطن أن مرجعها إلى ضيق الأفق والسقوط السياسي لدى النخبة وهو ما يزيدني قلقاً من المستقبل وخوفاً على التضحيات التي قدمها شباب الثورة السلمية الذين خرجا مطالبين بإسقاط النظام وبناء الدولة المدنية الحديثة ويرفعون صور الحمدي مع أنهم لم يعيشوا فترت حكمة ولم يعرفوا عنها شيئاً خاصة وأن النظام السابق والنخب السياسية سعت  في تضليل جماهير الشعب عن التاريخ الناصع لفترة حكم الحمدي وهو مالم يتحقق وضلت تلك المعالم راسخة في وجدان وضمير الجماهير .

ولست أدري لماذا هذا العتاب وبرغم أني كنت حديثاً على العمل السياسي في فترة إبراهيم الحمدي فعمري لم يكن يتجاوز السابعة عشر عاماً لكني أجزم أن اليمن شماله وجنوبه دخل النفق المظلم منذُ تاريخ 11 أكتوبر 1977م و26 يونيو 1978م . فإبراهيم الحمدي الذي أستوعب الواقع اليمني وسقلته التجارب والأحداث والصراعات مدركاً لأبعادها أستطاع التعامل معها بحنكة القائد وأختيار الطريق الصواب لإخراج الوطن والشعب وبدأ بنكران الذات والتجرد من المصالح الخاصة والأنانية الضيقة وكان دوماً في كل خطاباته يؤكد على أن الثورة هي على النفس أولاً ، وقد جسد ذلك سلوكاً وعملاً وحدد إنحيازه للشعب والوطن رافضاً للعصبوية والمناطقية التي كانت تسود المرحلة .

ومنذُ تولي الشهيد الحمدي لرئاسة مجلس القيادة لحركة 13 يونيو التصحيحية وبإجماع كافة الأطراف المتصارعة والمتخلفة التي كانت تنظر إليه بأنه في صفها ولكنه بالأساس كان مع الوطن وضد قوى التخلف ومراكز النفوذ والمصالح التي أعلنت مواجهته فور إصادره للقرار رقم 13 الخاص بتنفيذ القرارات والمطالب التصحيحية التي تقدمت بها القوات المسلحة في 1972م ومع تنفيذ تلك القرارات والتي تكللت بإنها مراكز النفوذ في 27 إبرايل 75 م حيث كشفت له حقيقة الواقع وتشابك المصالح وطغيانها على المصلحة الوطنية مع أنه كان قد بدأ بتشكيل اللجنة العليا للإنتخابات لإنتخاب مجلس شورى بديلاً عن المجلس السابق الذي أنتهت فترته بعد أن صدر به قرار تعليق سابق لمدة عام في يونيو 74م ، لكنه أكتشف أن إجراء الإنتخابات في ضل تلك الأوضاع وسيطرة قوى التنفذ وهيمنتها على السواد الأعظم من أبناء الشعب سوف تعيد إنتاج تلك القوى والتي كان من الواجب أن يتم تحرير الشعب من سيطرة وهيمنة هذه القوى وتمكين الشعب من إمتلاك الأرادة بتحسين الأوضاع المعيشية والمشاركة في إدارة شؤونهم .

 

فكان توجه القائد إلى التوسع في إنتشار الحركة التعاونية وتشكيل لجان التصحيح والنقابات والإتحادات في كل أرجاء الوطن وكافة أشكال العمل الجماهيري كما دعا القوى الوطنية لتحمل مسؤوليتها تجاه الوطن وكان يقف على مسافة متساوية من كافة القوى ، في الوقت الذي كان البعض يتجاهل هذه الدعوات وكردة فعل لجاء البعض لتشكيل الجبهة الوطنية في فبراير 76 كموقف في مواجهة الحركة التصحيحية بالرغم من مشاركة بعض قيادات هذه القوى والفصائل في الهم الوطني العام ولم يستمر معه سوى الناصريين الذين كانوا قد تقدموا بتأييد الحركة فور إعلانها بإرسال وفد للتهنئة من القيادة ومحددين موقفهم منها بالنقاط العشر التي توافقت مع توجهات حركة يونيو وتجسد التأييد بالمواقف والممارسات العملية وبعد حوارات أستمرت عام ونصف قرر الرئيس الحمدي إنضمامه لتنظيم الطلائع الوحدوية في إبريل 76م ومع أن إنضمامه للتنظيم لم يحقق مكاسب خاصة للتنظيم وإنما زاد من المسؤوليات والواجبات على قيادة التنظيم في سبيل تحقيق الأهداف والتوجهات للحركة التي أنحازت للشعب وتوسيع الدور الشعبي والجماهيري من خلال التعاونيات ولجان التصحيح وكذلك إنعقاد المؤتمر العام للمغتربين في صنعاء عام 76م وأنبثق عنه الإتحاد العام للمغتربين برئاسة المناضل عبد الفتاح البصير وتشكيل اللجنة العليا للإعداد للمؤتمر الشعبي وإعداد الخطة الخمسية الأولى والحضور الدولي الذي حققته اليمن في المحافل الدولية وواصلت قيادة التنظيم تحمل مسؤوليتها الوطنية بعد إغتيال الرئيس الحمدي حيث قدم التنظيم كوكبة من قياداته في 15 أكتوبر 78م والكثير من التضحيات على أمتداد مسيرة العمل الوطني .

 

وبفعل توسيع الأداء في مجال التصحيح والتوسع في العمل الشعبي التعاوني الذي أنعكس بدوره على مجال تحسين الأوضاع الإقتصادية والمعيشية للمواطن وهذا بدوره خلق إلتفاف شعبي حول الحركة وقائدها حيث أضعف قوى الهيمنة والنفوذ ناهيك عن إحداث تقارب مع القيادة في شطر اليمن الجنوبي ، وشكل لقاء قعطبة بين الرئيسين الحمدي وسالمين وإنعقاد مؤتمر أمن البحر الأحمر في مارس 77م قلق دولي تجاه الخطوات التي بدأ فيها الزعيمان وتجلى ذلك في إنزعاج المعسكر الرأسمالي والقوى الإستعمارية وزاد من حدته بالتقارب الذي أحدثه الحمدي مع المعسكر الإشتراكي " الصين " وتجلت تلك المواقف في تصريح لقائد الأسطول الأمريكي في الخليج والذي قال " هناك ناصر جديد في اليمن " ، وترافق هذا القلق مع مواقف الشقيقة التي بدأت أكثر إنزعاجاً من التقارب مع الشطر الجنوبي وكذلك من التضييق على أدواتها من مراكز القوى والتنفذ التي بدأت تمارس عقد اللقاءات على مستوى المحافظات الشمالية وتقود التحالفات مع المصالح الطفيلية التي أزعجتها التوجهات الوطنية ومطالبة القيادة لهم بالمساهمة في عملية التنمية والذي خاطبهم بقوله " أن شهر العسل قد أنتهى " .

 

ولذلك بدأت ممارسات الضغوطات الإقليمية وكان أبرزها إجبار شركة " شل " الفرنسية التي تم الإتفاق معها في إبريل 77 بالتنقيب على النفط وباشرت عملها وكان محدداً للإعلان عن أول إنتاج نفطي في إحتفالات عيد سبتمبر من نفس العام لكنها أوقفت أعمالها في اغسطس نتيجة لضغوطات الشقيقة عليها وكانت دوافع هذه الضغوط وفقاً لما طرحته المملكة بأن يتم ترسيم الحدود ووقف التقارب مع الشطر الجنوبي بإتجاه إعادة تحقيق الوحدة وإنهاء العلاقة مع المعسكر الإشتراكي وتنفيذ مطالبتهم بإعادة مجلس الشورى الذي سبق تعليقه وهو ماتم رفضه من قبل قيادة الحركة معتبراً أن ترسيم الحدود هو حق للشعب اليمني وليس للسلطة وأن مطالبها الأخرى هو تدخل بالشأن اليمني لا علاقة للسعودية به .

وكان تبعات تلك المواقف الرافضة للتدخل السعودي في الشؤون اليمنية أن سارعت المملكة ومعها قوى العدوان الأخرى إلى التخلص من الرئيس الحمدي لأنه أصبح يشكل خطراً على مصالح تلك القوى التي لاتريد لليمن أمنه وازدهاره فكان التخطيط لتلك المؤامرة دولياً والتمويل إقليمياً والتنفيذ محلياً بأيادي الغدر والخيانة ممن سعوا إلى تدمير المشروع الوطني والتفريط بسيادة الوطن ولم يتوقف ذللك التدخل عند هذا الحد بل أمتد إلى شريكه في إعادة تحقيق الوحدة سالمين ليمثل ذلك الفعل الغادر والجبان في ظهيرة ال11 من أكتوبر فاجعة كبرى لليمنيين في الداخل والخارج وكان هذا الإستهداف الذي طال كافة قيادة العمل الوطني وعلى رأسها الشهيد الحمدي هو إستهداف للمشروع الوطني والقضاء عليه وإنهاء الخطوات الوحدوية التي كان محدداً تحققها في 14 أكتوبر 1977م .

وأستمر ذلك المسلسل بإستهداف قيادات الحركة ورموزها الوطنية بإختطاف الرائد علي قناف زهرة وعبدالله الشمسي ونفي عضو مجلس القيادة عبدالله عبد العالم على خلفية أحداث الحجرية والتي تم من خلالها تصفية القيادات الإجتماعية والرموز الوطنية في المحافظة وفي مقدمتهم عضو التنظيم منصور شائف العريقي الذي راس مؤتمر الروضة والتي كانت أحدى قراراته حل مجلس الشورى لتتواصل المؤامرة بتحقيق مطالب الشقيقة والقوى المتخلفة بإعادة تشكيل مجلس الشورى وعودة مراكز النفوذ والسيطرة والتفريط بالسيادة الوطنية وترسيم الحدود وإنهاء القيادة الجماعية التي تبنتها حركة يونيو وما حدث بعدها من إقصاء وتكريس لحكم الفرد وهو ما حدث أيضاً في 94 بإنهاء مجلس رئاسة دولة الوحدة لإفراغ الوحدة من مضامينها وتكريس نفس الممارسات السابقة التي أنتهجتها تلك القوى وتدل على ضيق الأفق السياسي الذي يكرر أخطاءه منذ 67م فهل يدرك المعاتبون ما أقصده بضيق الأفق السياسي ويستلهموا ذلك بالإنتصار لأهداف ثورة 11 فبراير .

  

إقراء أيضا