الرئيسية المقالات مدارات عيسى محمد سيف استطراد ثانِ
عيسى محمد سيف استطراد ثانِ
حسن العديني
حسن العديني

عن عضوية مفترضة لابراهيم الحمدي لحركة القوميين العرب أو الحزب الديمقراطي قال لي عبدالملك المخلافي إنه سأل مرةً المرحوم جار الله عمر فنفى ذلك. قلت له بأن محمد ناجي أحمد اكد لي على أنه لم يسترد في ما روى إلى المتأخرين من مناضلي الحزب الديمقراطي وأن مصدره عضو قديم في الحزب هو أحمد محمد الحربي. فضحك وقال: وهل يعقل أن تنتهي تلك العلاقة بدون سبب سوى سفر المسئول الحزبي المكلف بالتواصل معه عبدالحافظ قائد كما جاء في رواية محمد ناجي. عدا ذلك فإن أي علاقة حزبية قديمة حتى وإن انقطعت منذ ثمان أو عشر سنوات لا بد وأن تدفع بالحزب إلى العمل على إحيائها بعد أن تولى الرجل رئاسة الدولة.

إن صلة عبدالله عبدالعالم بالتنظيم انقطعت في 1968 ومع ذلك فقد تواصل مع اخواننا أو هم تواصلوا معه بعد الحركة مباشرة وكان واسطتهم في الحوار مع ابراهيم الحمدي.

أضاف عبدالملك: لو أن الحزب الديمقراطي اتخذ موقفاً محايداً وحجب تأييده عن حركة 13 يونيو لكفى هذا دليلاً على بطلان المزاعم التي تروج الآن عن علاقة سابقة به، أما وقد تبنى موقفاً معادياً وجارحاً فهو تأكيد يدحض كل إدعاء ويقطع كل قول. والباعث على السخرية ان هذا الحديث طرأ الآن بعد خمس وثلاثين سنة على استشهاد الحمدي.

قال أيضاً: إن التنظيم الناصري دفع ثمن علاقته بابراهيم الحمدي عندما حاول ان يستعين الخط الوطني الذي مثله وضحى بأفضل رجاله وتعرضت غالبية قيادته وكوادره للسجن والتشريد والفصل عن الوظيفة. أليس أمراً ذا دلالة أن صورة ابراهيم الحمدي رفعت لأول مرة في صنعاء منذ استشهاده عند افتتاح المقر الرئيسي للتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري بعد قيام الوحدة. والآن وقد زال الخوف وسقط من علياء السلطة الرجل الذي كان اسم الحمدي يقظ مضجعه وصورته تحرق اعصابه هناك من يسعى لاستثماره.

مع ذلك ليكن أنه انتمى لحركة القوميين العرب كما يشاع فقد كانت الحركة ذات توجه قومي كما يدلل على ذلك اسمها وشعاراتها وادبياتها المبكرة، بل كانت ذات توجه ناصري صريح الزمها أن تتخلى عن شعارها القديم “حديد، نار، ثأر” وتستبدلها بالأهداف الناصرية “حرية، اشتراكية، وحدة” ثم حين أخذت في الانعطاف نحو الماركسية الذي أسس لميلاد الحزب الديمقراطي انصرف عنها كثير. والحال أن هذا الذي ساقه لي عبدالملك المخلافي على التلفون صحيح في مجمله ودقيق في تفصيلاته. واتذكر حديثاً جرى في القاهرة بيني وبين المرحوم حمود عبدالجبار (ذكرته في مقال سابق باعتباره الضابط الذي وضع خطة حركة 15 اكتوبر) اخبرني فيه انه بدأ حياته السياسية في حركة القوميين العرب ثم فوجئ ومعه آخرون جنوحها المفاجئ عن الفكر القومي وتغير البرنامج التثقيفي المقرر على الأعضاء بتكثيف الكتب والدراسات الماركسية، وعلى نحو خاص الكتب والدراسات التي تنتقد الفكر القومي من منظور ماركسي. عندئذ قلت لهم (هكذا اخبرني حمود) انني التزمت للحركة على أساس هذا الفكر الذي تنقلبون عليه الآن وكان كتاب العروبة لساطع الحصري أول ما يقرر على الأعضاء بعد انتسابهم. ولما ايقنت انهم ماضون إلى الماركسية مصممين على القطيعة مع الفكر القومي تركتهم حتى وجدت نفسي في التنظيم الذي يوافق قناعاتي.

على أنني بشأن ابراهيم الحمدي اشعر بأني وقعت في هفوة في مقال الاسبوع الماضي حين جزمت أنه انتمى لحركة القوميين العرب في وقت ما من الستينات، ومن غير ما اقطع الآن بعكس لذلك فإنني اضيف إلى ما ذكره لي نقلاً عن جار الله عمر ان عبدالله عبدالقادر كان قد نبهني من قبل إلى بطلان هذا الافتراض، وأن عبدالله الحمدي وحده التزم للحركة لبعض الوقت ولم أخذ كلامه مأخذاً جدياً، ولعلي في هذا لم أرد أن أنكر ما قد استقر في ذهني بناءً على أقوال طائشة ترددت على مسامعي في زمن بعيد. لكني غداة صدور الجمهورية منشوراً فيها ما كتبت تلقيت اتصالاً هاتفياً من الصديق احمد عبدالرحمن قرحش، وقد بدأ حديثه معي بالعتاب لأنه يبحث عني من اليوم السابق وأزعجه أن تلفوني مغلق ثم انتقل في الكلام انه قرأ مقالي فظننت انه سوف يلومني على إشارة وردت فيه إلى السبتمبريين قد يُفهم منها تقليل من أهميتهم، لكنه تابع وقال بأنني أعفيته عن الرد عن محمد ناجي احمد، ذلك أنه يعرف ابراهيم الحمدي زميلاً وصديقاً من سنة 56 فقد درسا معاً في التحضيرية والمراحل اللاحقة لها ثم تواصلت زمالتهما إلى كلية الطيران وما بعدها خلال معارك الدفاع عن الثورة وحتى اليوم السابق على استشهاده حيث جمعهما لقاء.

قال أحمد قرحش إنه على يقين بأن ابراهيم الحمدي لم ينظم في أي يوم لحركة القوميين العرب وأن هذا الظن مصدره التباس سببه أخوه عبدالله، وكان ضابطاً في الشرطة فقد التزم للحركة في القاهرة ثم قطع صلته بها عقب عودته إلى اليمن. وسألته عن محمد عبدالله الارياني وما إذا كان قد التزم للحركة في مرحلة ما فرد بالإيجاب.

أما عن التزام ابراهيم الحمدي للتنظيم الناصري فأنا أروي بناءً على شواهد ودلائل سواء من واقع التعميمات والنشرات والتحليلات السياسية أو من حساسية عيسى المفرطة تجاه أية انتقادات أو مواقف سلبية يفصح عنها بعض أعضاء التنظيم تجاه الحمدي. وقد أوردت في مقال الاسبوع الماضي كيف عنفني عيسى على ما قال أننا في القاهرة- وهو يقصدني بالذات- نصدق عبدالله العليبي فيما نقوله عن ابراهيم الحمدي وعبدالله هو ضابط الشرطة الذي تحفظت على اسمه الاسبوع الماضي وقد سألني عبدالملك المخلافي عمن يكون ذلك الضابط فأفصحت عن اسمه فقال: إنه عرفه من وصفه ولكنه فهم من السياق بأنه من عمران. وقلت له بأن المناضل عبدالله العليبي كان في ذلك الوقت يرأس إدارة المرور في عمران.

وأثناء الحديث عنه جئت على الواشي في القاهرة لأن عيسى ربط بين منتقدي الحمدي وعبدالله العليبي فأدركت أن ما بلغه قد نقل بواسطة ذاك. وليس في الجزم على أننا نصدق العليبي ظل من حقيقة فما كان لي أن انساق وراء ما يقول أو أصدقه. واقع الأمر أنه كان ثمة شخص آخر ذكي ورصين ومثقف، عبدالملك سعيد (السفير الآن) شديد الانتقاد لما يراه من مبالغة قيادة التنظيم في تأييد ابراهيم الحمدي ودعم سياساته. وكانت لديه مخاوف من أن الحمدي الذي وصل إلى الرئاسة بدون قاعدة سياسية يستند عليها عثر على تنظيم جاهز يقف على أكتافه دون أن يكون معه أو جزءاً منه. وتلك في اعتقاده مخاطرة غير مأمونة وغير مضمونة. وكان بعضنا- وأنا منهم- نرى في حديثه منطق وفي حججه وجاهة. وقبل التحضيرات للمؤتمر الوطني العام الخامس قررت القيادة التنفيذية إيقاف التواصل التنظيمي مع عبدالملك لأن وجوده في أي مستوى سيهيء له الصعود عبر الانتخابات إلى المؤتمر بما تتوفر لديه من امكانيات وقدرات سياسية وفكرية لافتة. والخشية عند القيادة انه سيكتشف وجود ابراهيم في المؤتمر وذلك ما لا تريده. والحق أن هذا التحفظ لم يكن في محله لأن عبدالملك لديه من الحصافة والذكاء ما يحصنه من الزلات والهفوات التي وقع فيها شخص آخر.

لقد بالغت القيادة في الحرص والتكتم مع رجل يقدر المسئولية لكنها، للأسف البالغ، تعاملت بتهاون مع شخص خفيف ومستخف لا يحفظ سراً ولا يرعى قيمة. شخص سيكشف سر الحمدي، وسيسهم، مع أشياء أخرى، في التعجيل بالمؤامرة عليه.

صحيفة الجمهورية

إقراء أيضا

وليد أبو حاتم
وليد أبو حاتم
إبراهيم العشماوي
إبراهيم العشماوي