الرئيسية المقالات مدارات الثورة المعجزة
الثورة المعجزة
الخليج الإماراتية
الخليج الإماراتية

بداية، ننحني إجلالاً لثوار 30 يونيو، لأضخم وأعظم حشد جماهيري في التاريخ . . لملايين نزلت في الشوارع والميادين في ساعة واحدة، وفي يوم واحد، كانت مصر وكأنها عن بكرة أبيها على موعد مع القدر تكتب فيه تاريخاً جديداً يسجل مأثرة في كتاب الإنسانية المعاصرة .

لم يسبق أن نزل مثل هذا الحشد البشري في يوم واحد، في دولة من دول المعمورة، يهتف بصوت واحد “ارحل” لرئيس جاء صدفة، وفي غفلة عن القدر، تسلل و”إخوانه” في ليل إلى ثنايا ثورة عظيمة أخرى في 25 يناير، متلبسين لبوس الثوار الأنقياء، المنافحين عن حقوق الفقراء والغلابى الذين حملوا شعار الثورة “عيش، حرية، كرامة إنسانية”، لكنهم سرعان ما انكشفوا في اللحظة التي اعتلوا فيها كرسي الحكم، فإذا بهم يريدون احتكار مصر وشعبها وتاريخها وتراثها وثقافتها، وتحويلها إلى “إمارة إخوانية”، بعدما أخلفوا الوعد الذي قطعه مرشدهم بلسانه من أنهم لن يترشحوا لأي منصب قيادي .

لذا كانت ثورة 30 يونيو امتداداً لثورة 25 يناير، وتصحيحاً لها، لتخليصها من “الإخوان” ومشروعهم المشبوه المعلن منذ عشرينات القرن الماضي والذي يتجاوز مصر إلى الدول العربية الأخرى .

لقد أدرك شباب مصر بفطنتهم ووعيهم ويقظتهم، أن الثورة قد سرقت، وأن مصر قد تضيع، وتضيع معها أحلامهم وآمالهم التي بشرت بها ثورة 25 يناير، وبعدما أمهلوا “الإخوان” سنة اكتشفوا خلالها حقيقتهم مجدداً، فقاموا بهبّة عظيمة لتصحيح المسار وتحديد المصير الذي أرادوه .

 

خلال تجربة عام لم يكن تاريخ “الإخوان” الحافل بالانتهازية والتحايل والكذب والعنف والعلاقات المريبة غائباً عن الأذهان، بل أعطوا فرصة لعلهم يتغيرون ويخرجون من كهوف الماضي، ويوفون بوعودهم ويستفيدون من كوارث ماضيهم، إذ لم ينس المصريون بعد، كيف تحالف “الإخوان” منذ نشأتهم العام 1928 مع إسماعيل صدقي باشا ضد الحركة الوطنية، وكيف رفضوا الالتحاق بالمقاومة الشعبية ضد الاحتلال البريطاني في السويس بعد ثورة يوليو ،1952 وكيف حاولوا اغتيال زعيمها جمال عبدالناصر العام 1954 في الإسكندرية، إضافة إلى المخطط الإرهابي الذي حاولوا تنفيذه في الستينات .

 

 . . وكانت ذروة تحالفاتهم المشبوهة لوصولهم إلى الحكم بعد ثورة 25 يناير مع الولايات المتحدة والدول الغربية استكمالاً لدورهم .

الآن، تدخل مصر مرحلة جديدة في تاريخها . فالشعب بملايينه هو الذي صنع ثورته، والقوات المسلحة أيدتها، إذ من طبيعة الأمور أن يقف الجيش مع الشعب بصفته صاحب الشرعية ومانحها، ولا سلطة فوق سلطة الشعب.

على “الإخوان” أن يدركوا أنهم فشلوا، ويعقلوا، ويعيدوا الحساب بما جنوه على أنفسهم وعلى مصر، وأن توسلهم العنف بإدعاء امتلاك الشرعية لا يعطيهم الشرعية، بل يعزلهم أكثر ويكشفهم على حقيقتهم أكثر .

هناك مرحلة انتقالية تعيد فيها مصر الثورة تنظيم مؤسساتها، وصولاً إلى انتخابات برلمانية ورئاسية نأمل أن تكون قريبة، فلينخرطوا فيها ويجربوا حظهم، ويكتشفوا شعبيتهم الحقيقية . . هذا إذا كانوا يريدون لمصر أن تقف مجدداً شامخة قوية كما يدعّون .

 . . وعلى العالم، وخصوصاً الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى، أن تكف عن التدخل في شؤون مصر، وتمارس عليها “الوصاية” كما كان الحال في العهود السابقة، وأن تتخلى عن أساليب التهديد والابتزاز والتدخلات الدبلوماسية الممجوجة والمرفوضة، فالشعب الذي كسر حواجز الخوف وهدم الأنظمة المصفحة لن ترهبه مثل هذه السياسات، ولن يخضع لها، وعلى قادة هذه الدول أن يشاهدوا الملايين تملأ ساحات مصر، وعلى سفرائهم أن يفتحوا عيونهم ويروا بعيون الحقيقة هذه الأمواج البشرية ليتأكدوا أن ما يجري في مصر ثورة شعبية حقيقية تاريخية وحضارية، وليست انقلاباً عسكرياً كما يزعمون .

كلمة صحيفة الخليج الاماراتية

إقراء أيضا