الرئيسية المقالات مدارات الجيل الصاعد.. مدرسة آيلة للسقوط !
الجيل الصاعد.. مدرسة آيلة للسقوط !
فائز عبده
فائز عبده

(كنت كتبت المقال أدناه، الخميس الماضي، إحساساً –ولو متأخراً- بمسؤوليتي تجاه المدرسة التي بدأت فيها تعليمي، لكنني أجلت نشره إلى حين أتحصّل على تفاصيل ومعلوماتٍ إضافية قد تمكنني من تحويل المقال إلى تحقيقٍ صحفي. حتى علمت، مساء السبت، أن الطلاب ثاروا على وضع مدرستهم المتردي، وطالبوا بتغيير المدير.. فرأيت أن أنشر المقال مع بعض التعديلات).

تعاني مدرسة "الجيل الصاعد"، في قرية "قشيبة" التابعة لمديرية جبل حبشي بمحافظة تعز، من تدهورٍ في عدة مستويات؛ حيث أزمة إدارتها مستمرةٌ، وتتعرض مبانيها للتشقّق، ومقاعد التلاميذ للتكسّر، وتسير العملية التعليمية فيها نحو المزيد من التدني والتدهور كماً وكيفاً.

وفي التفاصيل، وجدت المدرسة العريقة في المنطقة، نفسها أسيرة أزمةٍ إداريةٍ فاقمت خلافاتٍ ونزاعاً على تولي الإدارة منذ سنوات، ورافقها إهمالٌ متعدد الوجوه للمدرسة والطلاب والعملية التعليمية، إضافة إلى نشوب خلافاتٍ متعددة بين بعض المدرسين والطلاب وأولياء الأمور. وكان نتيجة ذلك تسرّب عديد طلابٍ من المدرسة، وانتقالهم إلى مدارس مجاورة.

تقع المدرسة التي تأسست منتصف سبعينيات القرن الماضي، على حافة منحدرٍ خطير، ما استدعى إنشاء أكثر من جدارٍ ساند، غير أن تلك الجدران تتعرض للانهيارات المتكررة بفعل الأمطار والتقادم، ويمرّ وقتٌ طويلٌ قبل أن تتجسّد في الواقع مبادرةٌ عسيرة الولادة، لإعادة بناء ما انهار من الجدار.

المبنى القديم الذي شُيِّد منذ تأسيس المدرسة، ويحوي الفصول الدراسية الأولى، ومكاتب الإدارة، يوشك أن تهوي أسقفه فوق رؤوس الطلاب الصغار، وجدرانه متشققةٌ بسبب قدمها وتعرضها للرطوبة، وافتقارها إلى الترميم.

أما المبنى الجديد الذي بني قبل أكثر من 20 عاماً، وأضيف إليه قبل 10 سنوات، فيبدو أفضل حالاً من سابقه، ومن بقية الفصول التي تتمثل في أكواخٍ من الزنك.

مشكلة مدرسة "الجيل الصاعد" أنها تقع في مكانٍ ناءٍ تحدّه المنحدرات من 3 جهات، الأمر الذي يحدّ من إمكانية توسّعها أفقياً لاستيعاب تزايد الملتحقين بها في الصفوف الأولى من المرحلة الأساسية، ما دعا الإدارة إلى توزيع هؤلاء التلاميذ على حجراتٍ وبيوت بعيدة عن المدرسة، واستحداث فترةٍ مسائية لهم.

المدرسة الرائدة في المنطقة، استقطبت، منذ إنشائها، طلاباً من عدة مناطق مجاورة، في مختلف المراحل التعليمية: الابتدائية والإعدادية، ثم الأساسية والثانوية؛ نظراً لعراقتها، ولما كانت تتميز به على المستويين الإداري والتعليمي. بيد أنها باتت مؤخراً طاردةً لطلابها نتيجة المشاكل التي تكاثرت وتفاقمت، وأثرت سلبياً على العملية التربوية، وعلى مستوى التحصيل العلمي للطلاب، ما دفعهم للانتقال إلى مدارس أخرى في المناطق المجاورة.

وفي حين تضطر المدرسة لاستقبال المزيد من أطفال أهالي المنطقة، مع تزايد أعدادهم عاماً بعد آخر، تظل بنيتها التحتية على حالها، بل تتناقص بعض أجزائها، ما يزيد من معاناة الطلاب الذين تكتظّ بهم الفصول الضيقة، ويجلس بعضهم على الأرض نتيجة نقص الكراسي، وتكسّر كثيرٍ من المتوفر منها.

ومن مظاهر التدهور الحاصل في المدرسة، أنه على أكثر من طالبٍ التشارك في المنهج الدراسي، بسبب نقص الكمية التي تحصل عليها المدرسة من المنهج، فضلاً عن تأخّر وصول الكتاب المدرسي وتوزيعه على الطلاب، إلى جانب العجز في المدرسين، وبخاصة للمواد العلمية.

وتفتقر المدرسة إلى المرافق والملحقات؛ فلا معامل علمية، ولا مكتبة، ولا ملاعب أو ساحات ترفيهية، ولا يمارس الطلاب أي أنشطةٍ ثقافية أو رياضية أو اجتماعية، ولم تعد المدرسة تستضيف أية فعاليات مثلما كانت تفعل خلال سنوات الاستقرار الإداري الذي شهدته لفترةٍ طويلة. حيث كانت في الماضي مكاناً للاحتفال بأعياد الثورة، وملتقىً لاجتماع الأهالي في الأعياد الدينية ومناسباتٍ أخرى، وكانت تشهد عديد أنشطةٍ طلابية، من مسابقاتٍ ثقافية وفعاليات كشفية ومنافسات علمية، حتى إن فتراتٍ ماضيةً شهدت تنافساً بين الطلاب والصفوف في برنامج الإذاعة المدرسية، وفي المجلات الحائطية. وقديماً كسر التواصل المستمر، الحواجز بين الأهالي والمدرسين العرب الذين كانوا يحلّون ضيوفاً على منازل المنطقة، ويشاركون الناس في المناسبات الاجتماعية، ويحبذ غالبيتهم العمل في المدرسة أطول فترةٍ ممكنة، انسجاماً مع أجواء الألفة التي كانوا يعيشونها.

وفيما أضحى الكادر التدريسي في المدرسة، محلياً خالصاً، بات ذلك سبباً للخلافات بين المدرسين تارةً، وبينهم وبين بعض الطلاب تارةً أخرى، وصارت المدرسة بيئةً للمشاحنات المتعددة، وباعثةً لمشاجراتٍ بين الأهالي، أو بين بعض المدرسين وأولياء الأمور.

ولقد شهدت المدرسة، في نوفمبر 2004، حدثاً نوعياً، أظنه آخر الإيجابيات الغائبة عن هذا الصرح، خلال السنوات الـ10 الأخيرة، وتمثل ذلك في انتخاب مجلس الآباء. وأذكر أن كلاماً جميلاً قيل في تلك الفعالية، ووعوداً هائلةً قُطعت، وخططاً طموحةً طُرحت فيها. بيد أنني لا أحسب المجلس المنتخب عقد اجتماعاً واحداً حتى اليوم.

  [email protected]


إقراء أيضا