الرئيسية المقالات مدارات في رحيل القائد عبدالجليل
في رحيل القائد عبدالجليل
فائز عبده
فائز عبده

المناضل الناصري والقائد الجماهيري، وصاحب التاريخ التعاوني؛ الوالد عبدالجليل قائد حسن، انتقل، اليوم، إلى رحمة الله، إثر حادثٍ مروريّ في طريق "الضباب" بمحافظة تعز، مخلفاً تاريخاً حافلاً بالنضال الوطني الممتدّ، والكفاح الطويل في سبيل حياةٍ كريمةٍ لأبناء شعبه. رحل وقد سطر سجلاً زاخراً بالعطاء والبذل والتضحية من أجل رخاء ورفاه مجتمعه الذي لم يدّخر جهداً في محاولة توفير الخدمات الأساسية له، وإمداده بسبل العيش اللائق، من خلال ما استطاع إيصاله من مشاريعَ تعاونيةٍ وخدميةٍ إلى أقاصي الأرياف في عديد مناطق، إبان توليه مسؤولية قيادة هيئات التطوير التعاونية بمديرية جبل حبشي بتعز، وبعد ذلك أيضاً.

الوالد عبدالجليل قائد، ناضل في صفوف التنظيم الناصري، منذ سنوات نشأته الأولى، وبذل الكثير من الجهد والمال، وباع من ممتلكاته في سبيل مبادئه الناصرية، كما ضحى من أجلها بالكثير من مصالحه، ورفض العديد من المغريات التي عُرضت عليه، في أصعب المراحل. وفي فترة خفوت وتوقف العمل التنظيمي، عقب حركة 15 أكتوبر 1978، بقي النشاط قائماً في "موقع جبل حبشي"، وذلك بفضل جهوده العظيمة، وإصراره على الاستمرار، وتحدي قمع السلطات، وظروف المرحلة. ورغم تاريخه النضالي هذا، فإنه رفض في المؤتمر العام الـ10 للتنظيم، في 2005، الترشح مجدداً لعضوية اللجنة المركزية للتنظيم الناصري، متيحاً الفرصة للشباب والأجيال الجديدة لأخذ دورهم في تولي المواقع القيادية.

عرفته المعتقلات كثيراً، وأمضى بعضاً من السنوات، مطارداً من أجهزة الأمن التابعة لنظام علي عبدالله صالح، بسبب نشاطه السياسي والحزبي والجماهيري، وسنواتٍ أخرى ملاحقاً من أجهزة الأمن في المملكة السعودية؛ لنشاطه القومي هناك، وعلاقته بالمعارض السعودي ناصر السعيد.

وفي مظهرٍ آخر من حياة الفقيد؛ ما زلتُ أذكر ذلك الكرت الدعائي الأخضر، الذي احتفظ به والدي يومين قبل أن يذهب إلى مركز الاقتراع، لانتخاب المرشح عبدالجليل قائد حسن، في انتخابات مجلس الشورى، عن مديرية جبل حبشي، العام 1988، والذي عمل النظام الحاكم حينها، بكل الوسائل والأساليب، على إسقاطه، وتمكّن من ذلك، بفضل إمكانيات الدولة المسخّرة، دوماً، لمرشحي السلطة.

كان للفقيد العديد من الأدوار، في مختلف المجالات، حيث جنّد نفسه للعمل التنموي والخدمي، ما مكّنه من توفير عدد من المشاريع كالطرقات والمدارس، إضافةً إلى حرصه على مساعدة المحتاجين من الأفراد والأسر. كما كان من ضمن اهتماماته، إنشاء مكتباتٍ في القرى، لتثقيف المواطنين. ولقد شهدتُ شخصياً مراحل تكوين 3 من هذه المكتبات في قريتي "قشيبة"، واستفدت منها، حيث قرأتُ العديد من الكتب والمجلات التي كانت تحتويها، فضلاً عن كتبٍ ومجلاتٍ خاصةٍ بالأطفال. وكنتُ أيامها في المرحلة الإعدادية من الدراسة.

ومن أدواره البارزة، أيضاً، اهتمامه بالطلاب، ومن ذلك أنه خصص عمارةً يمتلكها بمدينة تعز، سكناً مجانياً للطلاب، وما كان يتحصله من إيجارات المحلات أسفل العمارة، كان ينفقه لفائدة أولئك الطلاب، دون التطرق إلى انتماء الطالب أو توجهه السياسي، أو المنطقة التي أتى منها.

كل هذه الصفات والمناقب والأدوار العظيمة التي تميز بها الفقيد، كانت جزءاً من دوره الاجتماعي الكبير، كشخصيةٍ حظيت بالاحترام والثقة، وإزاء ذلك، لم يبخل في تقديم مصالح الناس، وتقدير حاجاتهم، ومدّ يد العون بسخاءٍ ومودةٍ ورضا.

ينتمي الفقيد الكبير إلى مديرية جبل حبشي، لكنّ له شعبيةً تتعدّى محافظة تعز، إلى أجزاء واسعةٍ من اليمن. ولقد امتلك من الصفات والأخلاق ما حاز به حبّ وتقدير كلّ من عرفه، حيث اتصف بالكرم والشهامة والإيثار، وكانت علاقاته مع الناس حميميةً، وتتميز بالودّ والبساطة. ونال بفضل ذلك جماهيريةً تتجاوز الانتماءات الحزبية والفكرية، وتتخطى الحدود المناطقية. ورغم أنه ليس متاحاً هنا التمثيل والتدليل وذكر الأسماء، غير أنه يلحّ على خاطري، في هذا المقام، الأخ عسكر الضمين، ابن محافظة الجوف، الذي أسأل الله تعالى أن يشفيه ليعود إلى حيويته وحضوره الصاخب.

تعازيّ الحارة وعظيم مواساتي لأبناء الفقيد: عبدالناصر، جمال، وخالد، ولكافة أفراد أسرته الكريمة، وجميع محبيه ومعارفه. ومن الله أسأل الرحمة والغفران لفقيدنا الغالي، وأن يسكنه الجنة، ويلهم فاقديه الصبر والسلوان.. "إنا لله وإنا إليه راجعون".

إقراء أيضا