الرئيسية المقالات مدارات لنلتق جميعنا في مؤتمرنا الحادي عشر
لنلتق جميعنا في مؤتمرنا الحادي عشر
د. عبدالله الخولاني
د. عبدالله الخولاني

تشرئب الأعناق، وتشخص الأبصار، مترقبة بزوغ هلال الديمقراطية التنظيمية الناصرية، والذي تحدد مطلعه في العاصمة صنعاء مع شروق شمس صباح الرابع من يونيو القادم- موعد انعقاد المؤتمر الوطني العام الحادي عشر- فيه يطبق الناصريون مبدأ الديمقراطية في الواقع العملي، ليثبتوا – دائما- للقوى السياسية التقليدية، أو لتلك الكراديس المراهقة، أن التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، ليس مجرد كيان سياسي عريق يقترب عمره من نصف قرن، وإنما هو – منذ تأسيسه في 25 ديسمبر 1965- مدرسة مجددة يلقن المنتمين إليه دروس الديمقراطية منذ نعومة أظافرهم، ويوطنهم على ممارستها في حياتهم العملية لتصبح سلوكا عاما وخاصا، يتميز به الناصريون على منافسيهم على مر الزمن، وفي كل وطن.

وغالبا ما يدور – في ظل العمل السياسي العلني، ومع دنو مواعيد مؤتمرات التنظيم الناصري العامة والفرعية - جدل واسع بين كوادر التنظيم وأنصاره، وبين بعض المتطفلين عليه ومنافسيه. من هذا الجدل ما يستحق أصحابه الاحترام والتقدير، كونهم يجادلون بموضعية، يتبدى من خلال القضايا التي يطرحونها حرصهم الشديد على بقاء تنظيمهم كائنا حيا، دائم النمو، متجدد الأفكار والرؤى، ويتملكهم شعور بالمسؤولية تجاه تنظيمهم، حتى وإن كانوا ليسوا في مواقع قيادية معينة.

لكن جزءا من الجدل – وهو جزء ضيق المساحة والأفق - لا يمكن أن يوصف إلا بكونه هرجا ومرجا سفسطائيا، ليس له من غاية، بقدر ما هو تعبير بائس عن فشل أصحابه في حياتهم العملية والاجتماعية. وهذا النوع من الجدل لا يستحق أن يُصغى إليه، ولا يستلزم من الناصريين العقائديين أن يزجوا بأنفسهم في مستنقعه، لأنه لا يسمن ولا يغني من جوع. بل إن تجاهله يشكل صفعة يسددها الناصريون إلى قذال القوى الرجعية المنشدة لحقبة ما قبل الثورة الشبابية الشعبية، بهدف فت عضد الناصريين، حتى لا تعود الروح الثورية للمشروع الحضاري العربي.

هذا الجدل - الموضوعي منه والسفسطائي- يُعد ظاهرة صحية لا تبعث على الخوف ولا تستدعي الخجل. بل تستحق الفخر والاعتزاز. فتنظيم عملاق وعريق، بحجم وعراقة التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، يكون من الطبيعي أن تثار حوله المناقشات، والاختلافات الشكلية لا العقائدية، سيما أن قادته في كل المستويات التنظيمية، ليسوا ملائكة ولا أنبياء منزهين من الخطأ، وإنما هم بشر؛ يصيبون ويخطئون، وإلا ما كان للمؤتمرات التنظيمية من دور أو معنى. إذ أن إحدى مهامها تقييم المرحلة الفاصلة بين كل دورتين تنظيميتين، يتم فيها تثبيت الصواب، وتدعيم نقاط القوة، والاستفادة من الفرص، وفي نفس الوقت تقويم الخطأ، والقضاء على نقاط الضعف، وتبديد التهديدات، وتجنب المخاطر.

وهنا يجدر التنبيه إلى أن الجدل حول العمل التنظيمي يتطلب المحافظة على موضوعيته، والحرص على الاستفادة من نتائجه، ولا يكون ذلك إلا من خلال تحديد المواقع المناسبة التي يجب أن يدار فيها مثل هذا الجدل، واختيار اللغة الراقية التي تتناسب مع تنظيم محترم، يضم في مستوياته التنظيمية كوادر تتمتع بالأخلاق الثورية النبيلة. وأجزم هنا أن ليس ثمة أماكن مناسبة لإدارة الجدل الموضوعي غير الاجتماعات والمؤتمرات التنظيمية، لأنها تمثل ميدان الممارسة العملية للديمقراطية التنظيمية.

وقبل التفكير بالديمقراطية التنظيمية كممارسة، يجب أن يتوفر أولًا الالتزام التنظيمي في من يود ممارستها في مواقعها الصحية. إذ يشكل الالتزام التنظيمي المبدأ الأول للعمل التنظيمي الثوري، قبل القيادة الجماعية، ثم الديمقراطية التنظيمية.

أما الثرثرة التي يستمرئها البعض في مجالس القات، أو على مواقع التواصل الاجتماعي، فإنها غير مجدية، حتى وإن كان بعضها منطقيا وموضوعيا، بيد أن توقيت ومكان طرحها غير المناسبين يفقدانها منطقها وموضوعيتها، لأن هدف بعض المتفوهين بها يتقزم ليصبح مجرد رغبة جامحة في جر قيادات وكوادر التنظيم إلى مهاترات، يتلذذ بسماعها أو قراءتها أعداء المشروع الحضاري العربي، المتربصون لتنظيمه الناصري الدوائر.

وإنني على ثقة عالية بأن كثيرا من الأخوة الأعزاء، الذين يمتلكون رؤى قيمة وتحديثية، يمكن أن يعرضوها في المستويات والمؤتمرات التنظيمية، بل ويمكن أن يجعلوا منها موضوعات لحوار علمي ناصري – ناصري، للخروج بنتائج تسهم في تطوير نضال التنظيم من أجل تحقيق أهدافه الوطنية والقومية في بيئة مضطربة كالبيئة اليمنية. أما بدون ذلك؛ فإن تلك الرؤى تفقد بريقها، وتنعكس سلبا على أصحابها، فيضطروا إلى الانكفاء الشخصي، والانعزال عن المجتمع الناصري، ولا نستبعد أن يصابوا بأمراض نفسية خطيرة، خصوصا عندما تغذيها بعض التدخلات الخبيثة، بالتشجيع والتحريض، بهدف زرع وهْم العظمة، الذي يتطور إلى اكتئاب شديد، ونعوذ بالله مما ينتظر بعض المكتئبين من مصير، في ظل تماديهم في مضغ القات بشراهة، خصوصا عندما يذوي صدى ما يطرحون من قضايا وأفكار، وسط تخرصات وسخرية المتطفلين.

ويشهد الله أنني –شخصيا-كثيرا ما أثرت انباه العديد من المناضلين العزيزين إلى قلبي، إلى ضرورة نبذ العزلة، والعودة إلى حضن التنظيم، والمساهمة بأفكارهم الرائعة، من أجل السمو بالعمل التنظيمي من خلالها، لأن الانعزالية عندما تصبح ظاهرة، فإنها تشكل خطرا داهما على الجميع بمن فيهم الكيان السياسي الذي يشاركون أعداءهم في توجيه السهام إلى عموده الفقري، إذ بسبب ابتعاد الكوادر الجيدة وانكفائها على ذاتها، تتاح الفرصة للانتهازيين بالتسلل إلى مفاصل التنظيم بهدف تدميره من الداخل. فأمر طبيعي أن تستأسد الذئاب والثعالب عندما تغيب الأسود.

بعض الأخوة الأعزاء قد ينكرون على أنفسهم مسألة الانعزال، كونهم يعملون جاهدين على تكوين شلل أو تجمعات غير رسمية، يمارسون فيها أبوية مزيفة، وقد تُطرح فيها عديد أمور قيمة، لكن مفعولها يتبدد بين نفايا القات الممضوغ في دواوين المقايل، التي يتفننون في تسميتها أحيانا بالمنتديات الفكرية، أو ما شابه، لأن هكذا تجمعات المفتقدة لخاصية الالتزام التنظيمي، لا يمكن أن تكون بديلا للتنظيم السياسي.

وعندما لا يفلح البعض في تسويق أفكارهم- وإن كانت قيمة- فإنهم يلجؤون إلى الشخصنة، من خلال كيل الاتهامات لأفراد بعينهم، حسدا ليس إلا، متناسين أهمية مبدأ القيادة الجماعية التي يرتكز عليها التنظيم، في الوقت الذي تنشأ في دواخلهم خاصية الـ(أنا) الطاغية على كل ما هو موضوعي في القضايا التي يتشيعون لها.

أختم بالقول: مازال ثمة وقت ليس بالطويل .. نعم!. ولكن –في رأيي- أنه وقت كاف لمراجعة الذات، والعودة إلى جادة الصواب، واللحاق بالركب، والمشاركة في المؤتمر الوطني العام من منطلق الحرص على إيصال الأفكار الرائعة التي يحملها إخوتي في عقولهم النيرة، وأنا متأكد بأنهم سيجدون أن أغلب المؤتمرين سوف ينجذبون إليها، وبدلا من أن تظل تلك الأفكار حبيسة الجماجم، أو مخدرة برائحة القات المقرفة، يمكن أن تتحول إلى قضايا تنظيمية يشارك الجميع في إثرائها، وتحويلها إلى برامج تسير على هداها قيادة التنظيم التي ستنبثق عن المؤتمر. ثم إن حرص الجميع على الالتزام بالقواعد المنظمة للعمل التنظيمي، وعدم التغريد خارج السرب الناصري، قمينان بمراقبة ومتابعة سير عمل القيادة القادمة، وردها إلى جادة الصواب، إذا ما لاحظت الكوادر الناصرية انحرافا أو تقصيرا في أداء قياداتهم، ولقد اثبتت التجربة أن اتخاذ مواقف سلبية أو انعزالية لا تصوب الأخطاء، بقدر ما تدفع المخطئين إلى التمادي في أخطائهم، بل واقتراف خطايا لا تغتفر.  

إقراء أيضا

وليد أبو حاتم
وليد أبو حاتم
إبراهيم العشماوي
إبراهيم العشماوي