ستنتصر غزة..
فائز عبده
فائز عبده

اعتادت غزة أن تنتصر على الغزاة المحتلين، في كلّ مرةٍ تخوض مواجهةً معهم، أو تتعرّض لعدوانهم. ولسوف تنتصر، هذه المرة أيضاً، لأنها لا تستطيع أن تتخلّى عن عادتها الأثيرة.

وها هي غزة العزة، منذ أزيد من أسبوعين، وهي تقاوم العدوان الإسرائيلي الهمجي والغاشم. تقاومه بأسلوبها الفريد من نوعه: تزفّ شهداءها وتقاوم؛ تضمد جراحها وتتحدى العدو، تنبض بالحياة في وجه قاذفات الموت، ولا تكفُّ عن دعم المقاومة، ومساندة أبطالها الشجعان الذين يصنعون ملاحم الفداء والمجد، ويرسمون طريق النصر الأكيد.

مَن غير أهل غزة تتعرض منازلهم للقصف، فيصابون، إن لم يستشهدوا، وقد ينجو بعض الجرحى من قصفٍ آخر استهدف سيارة الإسعاف التي كانت تقلهم إلى المستشفى، ثم يكونون عرضةً للاستهداف بقصفٍ تعرض له المستشفى نفسه، وإذا بنيران العدو تطال سيارة إسعافٍ تحاول إجلاء المصابين.. مَن غير أهل غزة يتعرضون لسلسلةٍ من الاستهدافات الضارية، ولا يتوقفون عن الشعور بالقوة في مواجهة أعتى آلة قتلٍ حربيةٍ في العالم، ولا يفقدون الثقة بقدرة المقاومة على دحر العدوان، وتحقيق الانتصار.. مَن غير هؤلاء يأتي النصر إليهم، منبهراً بصمودهم وصلابتهم، ويقول: خذوني!

إن أهل غزة، بصمودهم الأسطوري وإرادتهم الصلبة، لا يقلّون بطولةً عن مغاوير المقاومة الفلسطينية، الذين تمتلئ نفوسهم عزيمةً وإصراراً على مقاتلة العدو الغاصب، وصدّ عدوانه الهمجي، ببسالةٍ وشجاعةٍ نادرتين، ويسطرون البطولات بعملياتٍ نوعيةٍ تقتحم دفاعات جيش الاحتلال، وتضربه في العمق، وتتفوّق عليه رغم فارق الإمكانات والتجهيزات.

لقد فاجأت المقاومة، هذه المرة بالذات، قوات الاحتلال المعتدية، وأربكت حسابات مخططي الجيش الإسرائيلي الغازي، ما دفعهم إلى إيقاف التوغّل البري، الذي كانوا بدأوه نهاية الأسبوع الماضي، واللجوء إلى القصف الجوي الوحشي والانتقامي، الذي ارتكب العدو من خلاله مجازر بشعةً، ابتداءً من مجزرة "حي الشجاعية"، شرق مدينة غزة، فجر الأحد الماضي، واستمرّ بعدها القصف العشوائي في أجزاء مختلفةٍ من قطاع غزة، والذي لا تستثني نيرانه أحداً، وليس له هدفٌ محددٌ في كامل القطاع المحاصر من الأشقاء والأعداء على حدٍّ سواء.

إنها غزة؛ الأرض الأكثر كثافةً سكانيةً على وجه المعمورة، والتي لا تضاهيها سوى كثافة النيران الإسرائيلية التي تتلقاها بصبرٍ عجيبٍ، وقدرةٍ فائقةٍ على الصمود. غزة التي تخلّى عنها الشقيق والقريب، وهي في خضم محنتها، وأوج مأساتها، ووقف المجتمع الدولي يتفرّج، بصمتٍ رهيبٍ، على العدوان الهمجي المستمرّ، والمجازر الوحشية البشعة، ولا يبدو أنه يتأثر، أو تهتز إنسانيته، أو يشعر بفداحة ما يتعرض له شعب غزة. وبات أقصى ما ينطق به أحدهم هو "الأسف" لسقوط مدنيين.. هكذا بكل بساطةٍ، دون أن يرفَّ له طرفٌ، أو تبدو على وجنتيه حمرة خجلٍ.

من أجل ذلك، لم تعد غزة، ولا شعبها الصابر، في وارد انتظار مساندةٍ أو موقفٍ داعمٍ من شقيقٍ أو صديقٍ. وإنها لمسألةُ وقتٍ، لتفاجئ غزة العالم بانتصارها المحتَّم، ونصرها المؤزَّر، وتجبر الصهاينة المحتلين على الهروب بعيداً، وهم يجرّون أذيال الهزيمة، ليتوارى أذنابهم العملاء والخونة، وهم يحملون علامات الخيبة والعار، ويرفلون بأسمال الذلّ والخنوع.

[email protected]


إقراء أيضا