الرئيسية المقالات مدارات الاصطفاف الذي نريد
الاصطفاف الذي نريد
فائز عبده
فائز عبده

كثرت، في الآونة الأخيرة، المبادرات والرؤى والفعاليات الداعية إلى الاصطفاف الوطني أو الشعبي، تجاه قضايا وطنيةٍ مختلفةٍ، بالتزامن مع ما تشهده البلاد من أحداثٍ وأزماتٍ متعددة الأوجه والصور، وما تواجهه من مخاطرَ وتحدياتٍ تضرّ بحاضرها، وتهدد مستقبلها، وأمنها وسيادتها.

وتصدر الدعوات إلى الاصطفاف من قبل أطرافٍ سياسيةٍ أو من منظماتٍ مدنيةٍ، أو شخصياتٍ مهتمةٍ، ولكلٍّ منها غايةٌ تبتغيها، وهدفٌ تسعى إليه. ولعلّ كل تلك الدعوات تلتقي، ولو في بعض أهدافها، عند الهمّ الوطني الذي يؤرق الجميع، في ظلّ الأحداث الدامية التي تضرب بقوةٍ في غير منطقةٍ على طول الجغرافية اليمنية وعرضها، ووسط أجواء ملتهبةٍ تسود علاقات أطراف الخارطة السياسية، وتلقي بظلالها على وضع وحياة الشعب اليمني، وتؤثر على حالته الاقتصادية والأمنية.

فالعنف هو القاسم المشترك في كلّ ما يحدث على المستويين السياسي والأمني. ذلك أنّ العلاقات القائمة بين مختلف الأطراف السياسية، لا تخلو من العنف؛ المادي أو اللفظي، ويتَّسم تعاملها مع القضايا العامة، بالخطاب المتشنِّج الموجَّه ضد طرفٍ أو أطرافٍ أخرى.

كما أن الوضع الأمني يكتنفه الكثير من العنف والانفلات الخطير؛ فالعمليات الإرهابية تتوالى بمجازرها البشعة، على أيدي عناصر تنظيم القاعدة، بمختلف المسميات التي تنضوي فيها، والتي تبثّ إرهابها، وتنشر الرعب من خلال جرائمها الفظيعة التي ترتكبها هنا وهناك، وتستهدف منتسبي المؤسسة العسكرية والأمنية، ولا تستثني المدنيين من المواطنين الأبرياء.

ولا ننسى مستجدات التحركات المناهضة للحكومة، والتي يتصدرها الحوثيون، بعد دعوة زعيمهم إلى الاحتشاد والتظاهر في المحافظات، والزحف تالياً إلى صنعاء، لمساندة من سمّاهم "الثوار". تلك التحركات لم تخلُ من المظاهر المسلحة، وهو ما ينبئ بنذر مواجهةٍ قد تكون عنيفةً وغير محمودة العواقب، ومخاوفَ مما قد تنزلق إليه البلاد، ومن مآلاتٍ سيئةٍ تنتظرها.

إنّ الوضع الأمني في البلاد مخيفٌ ومنفلتٌ حدَّ الرعب والخوف على الحياة، الأمر الذي يزيد من معاناة المواطن الذي يؤرقه التفكير في غياب الأمن، وما قد يسببه من خطرٍ على حياته، ويظلّ في ريبةٍ مما حوله؛ خشية أن يكون عرضةً لعمليةٍ إرهابيةٍ أو عملية اغتيالٍ، أو اشتباكاتٍ، أو حتى ضحية رصاصٍ راجعٍ من أحد الأعراس، وسط مظاهرَ متعددةٍ لإطلاق النار في مجتمعٍ يملك من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة ما يبلغ أضعاف عدد سكانه، بل إن بعض الأطراف والمليشيات المسلحة تمتلك بعضاً من المعدات العسكرية الثقيلة.

هذا الهمّ الأمني الثقيل على كاهل المواطن اليمني، يرافقه همٌّ اقتصاديٌّ يضاهيه ثقلاً، ولا يقلُّ عنه وطأةً ومعاناةً، وبخاصةٍ بعد قرار الحكومة الأخير برفع الدعم عن المشتقات النفطية، وما ترتب عليه من زيادةٍ في أسعار كثيرٍ من السلع الأساسية، ومن إضافة أعباء اقتصاديةٍ وهمومٍ معيشيةٍ تؤثر سلباً على حياة الأسر والأفراد، وقد تودي بالبعض إلى أسوأ العواقب، وأبغض الخيارات، لمواجهة متطلبات الحياة الإنسانية في أبسط مستوياتها.

هذا المشهد الدموي العنيف، وكلّ تلك الهموم والمصاعب المؤرقة، تعمّ أنحاء البلد الذي تكالبت عليه المصائب والبلايا، من صراعاتٍ مذهبيةٍ مقيتةٍ، ونزاعاتٍ طائفيةٍ، وحروبٍ قبليةٍ، وعملياتٍ إرهابيةٍ، وتدخلاتٍ أجنبيةٍ سافرةٍ، في ظلّ غياب الحكمة والرشد لدى سياسييه وقادته، وغلبة المصالح الضيقة على مصلحة الوطن الذي بات يفتقر إلى من يفكر فيه، وفي مستقبله.

من أجل ذلك، فإن الاصطفاف الذي نريده، هو اصطفافٌ ينبذ العنف بكافة أشكاله وصوره، ويحقق الأمن بكل أنواعه ومستوياته، ويدعو إلى توحُّد جميع اليمنيين، وتآلفهم واجتماعهم على حبّ الوطن وخدمته، وعلى قاعدةٍ عريضةٍ من التعايش والتسامح، ويحافظ على سيادة البلاد، واستقلال القرار الوطني.

[email protected]


 

إقراء أيضا