الرئيسية المقالات مدارات 11 سبتمبر وتداعياته على الوطن العربي
11 سبتمبر وتداعياته على الوطن العربي
القاضي يحيى محمد الماوري
القاضي يحيى محمد الماوري

يتذكر العالم اليوم احداث 11 سبتمبر2001 م بصورة تختلف كثيرا عن تلك الصورة التي كانت لديه في الأيام الأولى التي تلت الحدث بحيث يمكن القول أن التعاطف الذي أبداه العالم مع ضحايا الحادث من المواطنين الأمريكيين وغيرهم في مدينة نيويورك قد تحول اليوم إلى نقد واستنكار لسلوك الإدارة الأمريكية في الرد والانتقام العشوائي من العرب والمسلمين بالدرجة الأساسية وفي ما أصاب الحقوق والحريات الإنسانية من أضرار فادحة داخل الولايات المتحدة الأمريكية وفي بلدان العالم بحيث وصفها البعض بأنها تمثل ردة حضارية أصابت الحضارة الإنسانية بانتكاسة خطيرة فما حدث ويحدث في العراق وأفغانستان وفلسطين وما يحدث في معظم الدول العربية والإسلامية من صراع دموي واقتتال اهلي منذ 2001 م حتآ اليوم بفعل الضغوط الامريكية تحت ستار الحرب على الإرهاب قد شكك في مصداقية المشروع الحضاري  الأمريكي الذي بشرت به الولايات المتحدة منذ إعلان حقوق الإنسان بالولايات المتحدة (إعلان فرجينيا) 1776م، وإعلان الثورة الفرنسية 1790م، ثم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر 1947م عن الأمم المتحدة.

لا شك أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م قد هزت الوجدان العالمي على اختلاف أديانه ومعتقداته واتجاهاته السياسية إذ أن المشاعر الإنسانية كغريزة فطرية ترفض مثل تلك الأعمال البشعة التي تنافي كل القيم والمبادئ والأخلاق.

الا ان العالم لم يكن يتوقع من الإدارة الأمريكية أن يأتي رد فعلها بذلك القدر الهائل من العنف والحقد المعبأ بالتحريض العنصري والعصبية الدينية ضد شريحة من المجتمع الإنساني هم العرب والمسلمون وأن تشن عليهم حرب إبادة جماعية استهدفت وجودهم الحضاري وعقيدتهم الدينية وكرامتهم الإنسانية وخرقت بذلك كل القيم والمبادئ الإنسانية والمواثيق والمعاهدات الدولية بل وضربت عرض الحائط بدستور وقوانين الولايات المتحدة الأمريكية نفسها.

لقد استغل الجناح المتطرف في الإدارة الأميركية تلك الأحداث ليمرر الكثير من القوانين التي تنتهك حقوق الإنسان وتجيز للإدارة الأمريكية حق التعسف والاضطهاد للأقليات العربية والإسلامية والتي أعادت الى الأذهان بعض صور الأعمال والممارسات التعسفية ضد المهاجرين اليابانيين عقب الحرب العالمية الثانية والهجوم على (بل هاربر) وما تلاها من الهجوم على (هيروشيما ونجزاكي) بالقنابل النووية ، وقد اعتبر المقيمون في أميركا وأولهم العرب والمسلمون أنه تم تقنين التمييز العرقي والديني، من خلال قوانين تعطي سلطات الأمن صلاحيات التحكم في مصائرهم، دون رقيب من السلطة القضائية، وتفتح الباب لذوي النزعات العنصرية بتطبيق القانون على طريقتهم الانتقائية الخاصة. وكان صدور القانون المتعلق بمكافحة الإرهاب – والمعروف باسم Patriot Act – في 26 /10/ 2001 قد عمق مخاوفهم أكثر.

وتتفق الجاليات المقيمة في الولايات المتحدة الأميركية بمن فيها المنحدرون من أصول عربية إسلامية ومعهم الليبراليون الأميركيون في توجيه انتقادات إلى القانون الجديد، والطعن في دستوريته.

وقد واجه المسلمون الأميركيون ظروفا عصيبة خلال الأسابيع التي تلت هجمات 11 سبتمبر. إذ تشير إحصائيات "مجلس العلاقات الإسلامية – الأميركية" CAIR عن الحوادث التي أبلغ بها المجلس، إلى أن أحداث التمييز ضد المسلمين خلال الفترة الفاصلة بين 11/9 و29/11/2001 قد بلغت 1452 حادثة، تتراوح بين القتل والتحرش اللفظي.

فشل النموذج الديمقراطي الأمريكي :

كان يمكن أن يجد النموذج الديمقراطي الأمريكي قبولا في العالم العربي خصوصا بعد سقوط الاتحاد السوفيتي ودول المنظومة الاشتراكية أوائل التسعينات من القرن الماضي وبدأت على اثرها مؤشرات التحولات الديمقراطية في كثير من البلدان العربية والإسلامية تحت تأثير الزخم الإعلامي والمد الديمقراطي القادم من الولايات المتحدة والدول الغربية والذي كان يمكن أن يثمر ويحقق نجاحا واسعا للتجربة الأمريكية في العالم العربي والاسلامي دون كثير من الأعباء والنفقات بل كان يمكن أن يستقبل بالورود والترحيب كما توقع بعض خبراء الإدارة الأمريكية لكن ما حدث هو العكس تماما فقد استقبل المشروع الحضاري الأمريكي القادم على فوهات المدافع وقنابل الطائرات بالمقاومة والرفض في افغانستان والعراق وبأعمال العنف في معظم بلدان المنطقة العربية والإسلامية وبالاستنكار والمظاهرات داخل الولايات المتحدة والبلدان الأوروبية وغيرها.

ركَّزت الإدارة الأمريكية على البُعْد الأمني في حربها على الإرهاب، رافضة إجراء أي محاولات تقييميه لتفهم الظروف والملابسات الموضوعية. وبدلاً من أن تشرع الإدارة الأمريكية في إعادة النظر في الملفات التي جلبت السخط على الإدارات الأمريكية المتعاقبة، ذهب الرئيس بوش إلى أن سبب هجوم الإرهابيين على أمريكا يكمن في حقدهم على الديمقراطية والحريات التي يتمتع بها المجتمع الأمريكي!! وكأن ملفات الصراع العربي – الإسرائيلي، والتدخل غير العادل في القضايا الدولية وفي القضايا العربية بشكل خاص، وسياسة التجويع والحصار الاقتصادي واستغلال البنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية لخنق اقتصاديات الشعوب العربية واخضاعها لمشيئة الولايات المتحدة والمصالح الغربية. كأن هذه الملفات لم تخلق مشاعر عدائية إزاء الإدارة الأمريكية !.

القانون بين مواجهة الإرهاب وحماية الحقوق والحريات :

نشأت اشكالية قانونية بعد احداث سبتمبر أمام دول العالم تمثلت في صعوبة المحافظة على التوازن بين أمن الدولة وحقوق المواطن مرجع هذه الإشكالية في أن ظاهرة الإرهاب اصبحت تهدد أمن وسلامة الكثير من دول العالم وتفرض معالجتها بإجراءات قانونية حازمة والذي قد يؤدي إلى الانتقاص من حقوق وحريات المواطنين ولهذا فقد استلزم التعامل مع الارهاب مراعات جوانب هامة تتعلق بمبدأ المشروعية وسيادة القانون ومبادئ الديمقراطية وحقوق الانسان ومن ناحية اخرى متطلبات حماية قيم العدالة التي يهددها الارهاب.

هذه الجوانب القت على الدول والمجتمع الدولي مسئولية الحفاظ على التوازن بين حقوق المتهم وحقوق المجتمع او بين حقوق المتهم وامن الدولة والمجتمع , فمن ناحية اولى يتطلب الامر مواجهة الارهاب من خلال تشريعات قانونية لمنع الجريمة قبل وقوعها وايقاع العقاب العادل في حق مرتكبها بعد وقوعها ومن ناحية ثانية الالتزام بحماية واحترام الحقوق والحريات العامة للمواطنين وهي موازنة صعبة وعويصة عند التطبيق كما تمثل تحد حقيقي امام الجهات القضائية .

والحقيقة التي لا يختلف عليها اثنان أنه لم يوجد حتى الأن في تاريخ الدول والحكومات من أظهر حرصا حقيقيا على وجود سلطة قضائية مستقلة وقوية أو وجود تشريعات قانونية تحمي الحقوق والحريات العامة قابلة للتنفيذ والاحترام سواء في الدول المتقدمة أو النامية وحينما بدأت الحركات الشعبية الناشطة في مجال الحقوق والحريات أواخر القرن الماضي وبدأت تحقق نتائج تدريجية في مجال التحول الديمقراطي وحماية الحقوق والحريات جاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر بمثابة المنقذ لبعض الأنظمة التي افزعتها حركة التحول الديمقراطي بذلك الزخم الاعلامي والحماس الجماهيري فالتقطت هذه الأنظمة المبادرة الأمريكية او بالأصح الأوامر الامريكية بالانضمام الى التحالف ضد الارهاب بترحيب وارتياح كانت بمثابة صفقة مع الادارة الامريكية للوقوف معها في حربها على الارهاب مقابل التضحية بالحقوق الديمقراطية والحريات السياسية وحقوق الانسان وهو ما صرح به وزير الخارجية الامريكي الاسبق الكسندر هيج عام 1981 م بان الارهاب سوف يحتل محل حقوق الانسان ليشغل المكانة الاولى من اهتمام السياسة الخارجية الأمريكية .

الموقف العربي من الحرب على الارهاب:

قد لا يكون من المستغرب ان نتساءل هنا عن حقيقة الإرهاب في الوطن العربي وكيف تحولت المواجهة مع الأخر الى إرهاب ذاتي دون ان نعي أسبابا واضحة أو مبررات منطقية له هل نقوم بهذا التدمير الذاتي لمصلحة الامة ام بالوكالة عن الغير وخدمة مصالح الاعداء؟

لنعود الى بداية أحداث سبتمبر ونعيد قراءة بعض ما جاء في خطاب الرئيس بوش حينما قال: (لقد استهدفت أمريكا لأننا المنارة الأكثر إشعاعا في العالم وان سبب هجوم الإرهابيين على امريكا يكمن في حقدهم على الديمقراطية والحريات التي يتمتع بها المجتمع الأمريكي) وقسم العالم يومها الى محورين محور الشر ومحور الخير وأعلن الحرب المقدسة على المسلمين باعتبارهم يمثلون محور الشر وهو تعبير اعاد الى الاذهان شعارات الحروب الصليبية على المسلمين.

وفي الجانب الآخر ظهر على العالم الطرف الآخر من رموز الصراع اسامة بن لادن ليعلن للعالم بدئ الحرب المقدسة ضد معسكر الكفر وقسم العالم الى فسطاطين (فسطاط الحق وفسطاط الباطل) .

حينما نتأمل في موقف الرجلين وتصريحاتهما يتبين توافقهما على ثلاثة أمور:

تقسيم العالم الى معسكرين لا ثالث لهما.

اعتبار من لم يكن معهما فهو ضدهما.

اغلاق باب الحوار والاصرار على الحرب والمواجهة.

التساؤل الثاني هو ان المتأمل للصراع بين القاعدة والولايات المتحدة الامريكية قد تحول بقدرة قادر الى صراع بين القاعدة وبعض الدول العربية والاسلامية ولم تعد المصالح الامريكية هدفا رئيسيا للقاعدة بقدر ما كانت المصالح الوطنية للدول المستهدفة ومنها اليمن التي استهدفت في اكثر من موقع لا يمت للمصالح الامريكية بصلة ولم يقتصر الارهاب الذاتي الموجه نحو الداخل اليمني على تنظيم القاعدة بل تحول الى صراع طائفي باسم جناحي الامة ( الشيعة والسنة) بدفع وترويج سياسي داخلي واقليمي ودولي لتعميق الصراع والاقتتال تحت شعارات طائفية مختلقة بهدف تمزيق النسيج الاجتماعي للمجتمع العربي والإسلامي بجناحيه السني والشيعي والذي بلغ اقصى درجات العنف والصراع الدموي في سوريا والعراق وليبيا واليمن ومصر وتونس والجزائر والسودان وما يزال المخطط يسير بتسارع مخيف ليشمل كل الوطن العربي وان لم يهيئ الله لهذه الامة صحوة حقيقية من غفلتها لتتدارك الانهيار الشامل لكيان الامة ووجودها الحضاري ،فان المخطط الصهيوني المدعوم سيحقق أهدافه .

والتساؤل الذي يثير الاستغراب في هذا الجانب هو الموقف الامريكي والدولي بشكل عام مما يجري اليوم في الوطن العربي من انتهاكات سافرة لحقوق الانسان العربي وبوحشية لم يشهد لها التاريخ مثيلا دون ان تتخذ أمريكا والهيئات الدولية مواقف جادة لوقف هذه الاعمال التي لا نشك في تغذية بعض القوى المهيمنة على القرار الدولي لأطراف الصراع لإطالة امده وتدمير كل مقومات الحياة في الوطن العربي وتمزيق مقومات وحدته السياسية والاجتماعية والاقتصادية فلا يبقى لهذه الامة قرار او موقف يحمي مصالحها وامنها القومي.

نماذج من الارهاب الدولي :

النموذج الصارخ لممارسة الإرهاب الدولي هو دولة اسرائيل التي لم تقتصر على عمليات الإرهاب ضد اهل فلسطين او الدول العربية المجاورة بل تعدتها الى الدول التي تقف الى جانب العرب، المجازر الدموية التي لا تنسى مجزرة دير ياسين وذبح 255 فلسطيني عام 1948 ومذبحة اللد وقتل 250 فلسطيني عام 1948 , ومجزرة الحرم الشريف وقتل 23 شهيداً وأكثر من 600 سائح عام 1990 , ومجزرة صبرا وشاتيلا عام 1982 ومجزرة قانا ومجازر غزة المتواصلة حتى اليوم ،واغتيال الاديب الفلسطيني غسان كنفاني ببيروت عام 1972 واغتيال كمال ناصر وكمال عدوان ويوسف النجار عام 1973 , واغتيال سعيد حمامي ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في لندن عام 1979 واغتيال خليل الوزير ( ابو جهاد ) في تونس عام 1988 ومجازر عديدة وكثيرة لا يتسع المجال لحصرها .

11 سبتمبر والسيادة الوطنية :

بعد احداث 11 سبتمبر سنة 2001م. اصبح مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الذي كفله النظام الدولي-نظام الدولة الوطنية الحديثة-عدم التدخل من دولة في الشؤون الداخلية لدولة اخرى . في حفظ النظام وسيادة القانون داخل أراضيها. هذا المبدأ لم يعد له وجود بعد احداث 11 سبتمبر سنة 2001م . فقد انفتح الباب لشتى انواع التدخل في شؤون الدول من قبل دول اخرى تحت مختلف الدعاوي!! ولندلل على تلاشي نظام الدولة الوطنية الحديثة بسبب تداعيات احداث 11 سبتمبر وان الدولة الوطنية لم تعد صاحبة السيادة وحدها على اقليمها السياسي بما حدث في العراق وافغانستان والذي يعتبر خير شاهد على تلاشي سيادة الدولة الوطنية على اقليمها السياسي .. فقد لجأت الولايات المتحدة الى قوتها الذاتية ولم تلجأ للأمم المتحدة للمطالبة بتسليم المشتبه بهم في احداث 11 سبتمبر بل شنت الحرب على افغانستان .. كما حدث بعد ذلك اجتياحها للعراق دون أي مسوغ دولي وبذلك فقد أصبح مبدأ السيادة !! ومبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول من تراث الماضي وذكريات التوازن الدولي بين المعسكرين الشرقي والغربي. 

 

إقراء أيضا