الرئيسية المقالات مدارات اغتيال المتوكل.. خسارة لمشروع المدنية
اغتيال المتوكل.. خسارة لمشروع المدنية
فائز عبده
فائز عبده

كلما اجترح اليمنيون إنجازاً سياسياً، أو شهدوا بادرة انفراجٍ في أزماتهم المتناسلة، سرعان ما تغدر بهم القوى المتربّصة بنجاحاتهم، وتفجعهم بمصيبةٍ تسلبهم فرحة الإنجاز من ناحيةٍ، ومن ناحيةٍ أخرى تدخلهم متاهاتٍ جديدةً من التأزيم والصراع.

وفي أحدث حلقةٍ من سلسلة الفجائع، صُدم اليمنيون، بمختلف مشاربهم واتجاهاتهم وانتماءاتهم السياسية والفكرية، باغتيال الكاتب والأكاديمي والسياسي والمفكر، الدكتور محمد عبدالملك المتوكل، الذي تعرّض، عصر الأحد، لإطلاق النار، قرب تقاطع شارعي العدل والزراعة بالعاصمة صنعاء، من قبل مسلحٍ ملثمٍ، استقلّ دراجةً ناريةً كانت وسائقها في انتظاره بالجوار، وفرّا هاربَين عقب ذلك، فيما تمّ نقل الدكتور المتوكل إلى المستشفى الجمهوري، حسب إفادات شهود عيان.

لقد مثّلت عملية اغتيال الدكتور المتوكل، صدمةً عنيفةً تكاد لم تستثنِ أحداً من اليمنيين، وفُجعت بها كافة القوى السياسية والفعاليات الشعبية، وربما هزّت مشاعر عامة اليمنيين، باستثناء الجناة والجهة الواقفة وراءهم.

ولا غرو أن ينزل خبر الاغتيال على الجميع، كالصعقة، ويزلزل كياناتهم بضربته الصادمة وشديدة الوقع، وأن تتوالى التنديدات والإدانات من مختلف التشكيلات الحزبية والجماهيرية والمدنية، وعموم القوى السياسية في البلاد.

ذلك أنّ الرجل يحظى باحترامٍ وتقديرٍ واسعين، لأنه مثّل بحقٍّ السياسيّ المعتدل، والأكاديميّ المحترم، والمثقف المستنير، والشخصية العقلانية، في بلدٍ طغى على مشهده العام نفرٌ من السياسيين الانتهازيين، وذوي المصالح وأصحاب النفوذ.

كما شكّل رحيل الدكتور المتوكل، خسارةً فادحةً لليمن عامةً، ولمشروع الدولة المدنية الحديثة، الذي كان الراحل واحداً من حملة مشاعله، منذ عقودٍ ماضيةٍ، وجسّده في حياته سلوكاً وممارسةً، وليس تنظيراً وادِّعاءً مثل بعض الطارئين على هذا المشروع.

والدكتور محمد عبدالملك المتوكل، أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء، وعضو المجلس الأعلى لاتحاد القوى الشعبية، وأحد أبرز مؤسسي وقادة تكتل اللقاء المشترك؛ يعدُّ من الشخصيات المستنيرة القليلة في البلاد، وواحداً من العقلاء الذين كثيراً ما يهمّهم حال الوطن، وتسكنهم الخشية مما يراد أن يسير إليه الوضع السياسي في اليمن.

ولا أستبعد أن تؤثر عملية الاغتيال هذه، سلباً، على مسار العملية السياسية الراهنة في اليمن، وتساهم في تقويض اتفاق تفويض هادي وبحاح، تشكيل حكومة "كفاءات"، الموقّع عليه، مؤخراً، من قبل كافة الأطراف السياسية، والذي كان بمثابة انفراجةٍ في مشوار المفاوضات والمشاورات القائمة منذ أشهرٍ، لتشكيل وزارةٍ جديدةٍ تخلف حكومة "الوفاق" المستقيلة.

القتل بحدّ ذاته فعلٌ شنيعٌ وجريمةٌ كبرى.. وأكبر من ذلك حين يكون الضحية بحجم وشخص الدكتور محمد عبدالملك المتوكل، كسياسيٍّ معتدلٍ ومثقفٍ متنوِّرٍ، وداعية سلامٍ ومدنيةٍ، وصاحب رؤىً مدنيةٍ متقدمةٍ وطموحةٍ.

لن أعزّي أبناء وأسرة الفقيد الكبير وحسب، فالعزاء موصولٌ لكافة اليمنيين المصدومين والمفجوعين والمكلومين بهذا المصاب الجلل.

[email protected]

 

 

إقراء أيضا