الرئيسية المقالات مدارات الثلاثون من نوفمبر.. تحرير الأرض والإرادة
الثلاثون من نوفمبر.. تحرير الأرض والإرادة
القاضي يحيى محمد الماوري
القاضي يحيى محمد الماوري

شكل يوم الثلاثين من نوفمبر 19 67 م بداية لمرحلة تحول تاريخية في حياة شعبنا اليمني علي مستوي الساحة الوطنية وعلي مستوي علاقة اليمن الخارجية ودورها القومي ومحيطها الاقليمي. 

الوحدوي نت

فعلى المستوى الوطني كان التحرير والاستقلال من الوجود الاستعماري يعني تحرير الارض واستقلال القرار السياسي اليمني وتنفيذ الجزء الاول من الهدف الاول للثورة اليمنية (التحرر من الاستبداد والاستعمار ....) وتحرير الإرادة اليمنية من الضغوط الخارجية والهيمنة الأجنبية وتقريب يوم استعادة اللحمة الوطنية وتحقيق الإرادة الشعبية والإجماع الوطني في إعادة تحقيق وحدة الوطن اليمني الواحد . لقد جسد الاستقلال انتصار الإرادة الوطنية في مواجهة القوي الاستعمارية الغاشمة بعد أن نجحت في اسقاط النظام الامامي المتخلف لال حميد الدين, لكن الثورة تعثرت في تنفيذ الجزء الثاني من الهدف الاول ..المخلفات. .المتمثلة في القوى التقليدية التي ربطت مصالحها بالحماية الاستعمارية وبقاء التشطير والتي راحت تحيك المؤامرات والدسائس لإعاقة الثورة عن تنفيذ اهدافها و اجهاض مشروعها الوطني وأهم مقوماته اعادة الوحدة الوطنية , فأخذت تلك القوي في إشعال عوامل الصراعات الضيقة بين التيارات الوطنية بمختلف اتجاهاتها القومية والإسلامية واليسارية ثم خلق أسباب الانقسام والاختلاف داخل كل تيار مما شل قدرتها على توحيد العمل الوطني تجاه القضايا المصيرية الهامة, والاتفاق على رؤية سياسية موحدة تتجاوز حدود الصراعات الحزبية الضيقة, وكادت تلك المؤامرات تسقط الثورة والنظام الجمهوري لولا تلاحم القوى الوطنية مع القاعدة الشعبية في كسر الحصار(السبعين يوما) والانتصار للإرادة الشعبية كما انتصرت الثورة في الجنوب بانتزاع الاستقلال وطرد الاستعمار..وتاجل مشروع الوحدة لاسباب كثيرة ..

فقد شكلت حركة 5 نوفمبر 67 م مبررا سياسيا (ظاهريا) لتسويغ الانقسام بين النظامين .. رغم انه لم يكن من السهل على قادة الثورة صبيحة يوم الاستقلال القبول بفكرة إقامة نظام شطري فقد اخذ القرار حوارات وخلافات جدية تركزت حول مقترحين الأول يرى إعلان الانضمام الفوري في إطار الدولة الواحدة والثاني يرى إقامة حكومة شطرية مؤقتة حتى يتم القضاء على القوى الملكية المحاصرة لصنعاء ومن داخل هذا الفريق كان هناك من يرى إقامة نظام شطري بحجة استيلاء الجناح اليميني للثورة في صنعاء على السلطة بعد حركة 5نوفمبر ومع عدم تجاهل تأثير حركة 5نوفمبر في تغيير التحالفات السياسية فان ذلك لم يكن هو السبب الوحيد (وطنيا) كما لم يكن بمعزل عن تداعيات نكسة 1967 (قوميا) والتي نقلت مركز التحكم بالقرار العربي من القاهرة بعد رحيل الرئيس جمال عبد الناصر إلى واشنطن عبر عواصم عربية معروفة وتأثير الصراع الدولي بين المعسكرين وانقسام الصف العربي بعد حرب 73م إلى معسكرين: معسكر كامب ديفيد وما جره من الهزائم والانكسارات على الأمة العربية، ومعسكر الصمود والتصدي المتمسك بما أمكن من الحقوق القومية وفي مقدمتها القضية المركزية قضية فلسطين وكان اليمن (الرسمي) قد انقسم بنظاميه بين كلا المعسكرين أو هكذا صنف ومن هنا كانت البداية العلنية لازمة الفكر السياسي اليمني وانقسام هوية الثورة اليمنية وان كان ذلك لم يكتسب الاعتراف الشعبي (بالشرعية الواقعية) للنظامين ،ولم يكن للدولة الشطرية أي اثر نفسي أو اجتماعي أو سياسي على المستوى الوطني وان كان قد حصل على الشكل الدولي بفعل سياسة الاستقطاب الإقليمي والدولي ، وبداء الفكر الثوري الوحدوي حينها يتراجع لصالح الفكر السلطوي الشطري، وأحس اليمنيون لأول مرة بأوجاع التشطير لأنه ينفذ هذه المرة بفعل الثوار ولم يعد بفعل الاستعمار.

ولان الفكر التشطيري فكر دخيل على فكر الثورة وثقافة الثوار ويتناقض مع حقائق التاريخ النضالي للشعب اليمني فقد كان من الصعب على من أرادوا فرض هذا الواقع (غير الطبيعي) الاستمرار فيه أمام إرادة الشعب اليمني في الوحدة وإقامة الدولة اليمنية الحديثة التي ضحى من اجل الوصول إليها بتضحيات جسيمة فكان لا بد من إيجاد مبررات وذرائع لإقناع المجتمع بأسباب تراخي النظامين عن تحقيق الوحدة وكانت مبررات بائسة وعقيمة تسببت في حربين شطريتين وأثارت صراعات دموية باسم الوحدة وتحت شعار (النضال لتحقيق الوحدة اليمنية) كما اندفع النظامان في تضييق الخناق على التيارات السياسية الوطنية وقمع الحريات العامة تحت مبررات التصدي لأعداء (الثورة والوحدة) ! وكانت معاناة المجتمع اليمني شديدة ومؤلمة لكن النظامين رغم كل ذلك ، حافظا في خطابيهما السياسي والإعلامي على ثقافة الوحدة وقيمها في واقع المجتمع وهو ما يحسب لهما في سجل الوحدة اليمنية .

ومع كل ما رافق تلك المرحلة من صور مأساوية وتصفيات دموية فيما بين النظامين وداخل كل نظام سقط فيها خمسة رؤساء فقد كانت الوحدة هي الثابت الوحيد والقاسم المشترك بين كل القوى الوطنية بغض النظر عن اختلاف الرؤى في كيفية الوصول إليها وبمن ،وفي اعتقادي إن قضية كيفية تحقيق الوحدة وبمن كانت هي ابرز جوانب أزمة الفكر السياسي اليمني إذ أن كل طرف لم يكن يرى من سبيل إلى تحقيقها إلا عن طريق إسقاط النظام الأخر بالقوة ولهذا خاض النظامان حربين شاملتين وشهد الشطران عدة انقلابات وأهدرت الكثير من الدماء وخسر الوطن الكثير من خيرة أبنائه وحرم الوطن من توظيف الأموال والموارد في تنميته وتطويره إلى حد العجز عن توفير مرتبات الموظفين في بعض المراحل والاعتماد على الغير في قطاع التعليم وميزانيات بعض المرافق والقطاعات الهامة ذات المساس بالسيادة الوطنية ولكن الشعب اليمني وجد عزاءه عن كل ذلك في إعادة الوحدة التي فوجئ بها حقيقة ماثلة بعد أن كاد اليأس يسيطر عليه .

عجز النظامان عن أن يلغي اي منهما الاخر بالقوة ، ولم تعد الاوضاع الوطنية تحتمل المزيد من معاناة التشطير ، فكانت الوحدة هي المخرج المعجزة ، وبذلك سجلت قيادتا الشطرين موقفا تاريخيا عظيما أنسى المجتمع كل ماسي الماضي وآلامه تحت شعار:(الوحدة تجب ما قبلها) وتأثرا بقول الشاعر اليمني( البحتري) :

( إذا احتربت يوماً فسالت دمائها × تذكرت القربى ففاضت دموعها ) .

واليوم وشعبنا اليمني يحتفل بذكرى الاستقلال في ظل ظروف حرجة ومخاطر حقيقية تهدد الكيان الوطني فاننا في حاجة ملحة الي استذكار كل معاناة التشطير وآلامه والي اعادة قرأة التاريخ السياسي اليمني وصراعاته الدموية لندرك عظمة الوحدة ونعمة السلم والأمن والاستقرار والتي لا يمكن الحفاظ عليها بدون الوحدة الوطنية في ظل دولة مدنية ديمقراطية تتحقق فيها المواطنة المتساوية والشراكة الوطنية في الثروة والسلطة وكرامة الإنسان اليمني المهدرة في الداخل والخارج .

حفظ الله اليمن وشعبه حرا مستقلا موحدا وكل عام والجميع بخير.

إقراء أيضا