الرئيسية المقالات مدارات بين هجوم باريس وتفجير صنعاء
بين هجوم باريس وتفجير صنعاء
فائز عبده
فائز عبده

نزل الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، إلى موقع الهجوم المسلح الذي استهدف، الأربعاء، صحيفة "شارلي إيبدو" الأسبوعية الساخرة، وقُتل فيه 12 شخصاً، بينهم شرطيان، وجرح آخرون، وتحدث لوسائل الإعلام، بحزنٍ شديدٍ، وعلى وجهه صدمةٌ باديةٌ بوضوحٍ تامٍّ، ثم تحدث إلى شعبه، عند الـ8 مساءً بتوقيت باريس، وأعلنت الرئاسة اجتماعاً طارئاً للحكومة فور وقوع الهجوم، وتم تشديد الإجراءات الأمنية على وسائل الإعلام ومحطات النقل والمحلات التجارية الكبرى.

هذا في العاصمة الفرنسية باريس، أما في عاصمتنا صنعاء، فلم ينزل الرئيس اليمني، ولا أيّ شخصٍ ينوبه أو يمثله، إلى موقع العملية الإرهابية التي استهدفت طالبي الالتحاق بكلية الشرطة بصنعاء، صباح الأربعاء، وأدت إلى مقتل 37 شخصاً (ارتفع العدد إلى 40 بوفاة بعض المصابين، اليوم التالي)، وجرح أكثر من 65 آخرين، ولم يخرج وزير الداخلية، ولم يتحدث مسؤولٌ حكوميّ لوسائل الإعلام، وربما لم يبدُ قليلٌ من الحزن وبعض الصدمة على وجوه مسؤولي الرئاسة والحكومة في صنعاء، ولن تمنع الإجراءات الأمنية الهشة تكرار الاعتداءات والعمليات الإرهابية، في أيّ مكانٍ، ولن ينتظر الشعب اليمني حديثاً موجهاً له، من أدنى مسؤولٍ في حكومته..!

يبدو هنا الفرق بين تعامل المسؤول الرسمي الغربي مع مواطنه، قلّ شأنه أم عظم، واهتمامه بأيّ حدثٍ يقع في بلاده، كبر حجمه أم صغر، وبين تعامل المسؤول الرسمي في بلادنا مع مواطنه الذي لا يستحقّ بنظره الاهتمام، ولا يجدر به الحصول على أية أهميةٍ، ولذا فإنه لا ينال التفاتةً بسيطةً من مسؤولي حكومته، إزاء ما يتعرض له من معاناةٍ، وما أشدها، وحيال أيّ مصابٍ ينزل بساحته، وما أكثر المصائب في "اليمن السعيد".

العملية الإرهابية التي استهدفت متقدمين للالتحاق بكلية الشرطة، في العاصمة اليمنية صنعاء، صباح الأربعاء، سقط فيها ابتداءً 37 شهيداً، و66 جريحاً، والهجوم الإرهابي الذي استهدف مقر صحيفة "شارلي إيبدو"، في العاصمة الفرنسية باريس، في اليوم ذاته، أدى إلى مقتل 12 شخصاً، وعددٍ قليلٍ من المصابين، واستحوذ على تغطيةٍ حيةٍ مباشرةٍ في "الجزيرة منتصف اليوم"، لمدة ساعةٍ ونصف، تخللها (بعد الـ40 دقيقة الأولى) خبرٌ عن العملية الأولى، وتقريرٌ لمراسل "الجزيرة" في صنعاء، لم يزد عن 4 دقائق..!

فضلاً عن تصدّر هجوم باريس نشرات الأخبار طوال اليوم، في كل القنوات الفضائية العربية، وحظوته بتغطياتٍ واسعةٍ ومستمرةٍ، وتناوله بالتحليلات والإيضاحات والاستنتاجات، وبحث التفاصيل والجزئيات.. مقابل انزواء خبر عملية صنعاء في هامش نشرات الأخبار، وفي خلفية الفترات الإخبارية لذات القنوات العربية، أو "بعد الفاصل"، وتضاؤل أهميته، وتقلص نصيبه من التغطية مع مرور الوقت.

الأمر يقدم تقديراً مجمعاً عليه لقيمة الإنسان الغربي، ومدى أهميته لدى تلك الوسائل الإعلامية، مقارنة بمن يفترض أنه "نظيره" اليمني الذي لم يحظَ بنفس التقدير والأهمية، من قبل حكامه أولاً، ومن لدن الإعلام ثانياً، وربما فقد الاهتمام به لدى الجمهور.

قد يعزو البعض هذا الفارق، إلى كون مثل هذه الأحداث الجسيمة نادرة الحدوث في فرنسا، ومن هنا يأتي الاهتمام بها، بينما يتكرر حدوثها في اليمن كثيراً، وباتت اعتياديةً، ولا تستدعي أولويةً في التناول الإعلامي، لكنّ الأمر، في كل الأحوال، قاسٍ ومؤلمٌ، ولا يمكن استيعابه بيسرٍ وبساطةٍ.

ويبدو "أربعاء صنعاء الدامي" نسخةً مكررةً لتفجيرٍ انتحاريٍّ، حدث في المكان نفسه، في 11 يوليو 2012. وهو الأمر الذي يفضح عجز أجهزة الأمن، ويفصح عن خللٍ فادحٍ في السياسة الأمنية التي لم تستفد من مخرجات الإرهاب، أقامت به جماعاتٌ أو قوىً أو تنظيماتٌ أو دولٌ، ونفذته أيادٍ داخليةٌ أو خارجيةٌ، ولم تستوعب السلطات الأمنية دروساً من العمليات المماثلة التي ضربت بدمويتها ووحشيتها في صنعاء وحضرموت وإب وذمار وصعدة والبيضاء، وفي غير مكانٍ ومدينةٍ من بلادنا المنكوبة بصراعاتٍ دمويةٍ وحروبٍ لا تتوقف.

إقراء أيضا