الرئيسية المقالات مدارات اليمن على حد السكين
اليمن على حد السكين
الخليج الإماراتية
الخليج الإماراتية

لم يكن بمقدور الحوثيين الاستيلاء على السلطة في اليمن بالقوة، لولا حالة الاهتراء السياسي المزمنة، التي تحولت إلى واقع مفجع بعد إسقاط رأس النظام السابق المتمثل في الرئيس علي عبدالله صالح، حيث ظلت مخرجات الحوار الوطني خاضعة للمساومات السياسية والصراعات المعلنة والمضمرة للمكونات السياسية المشاركة فيه، إضافة إلى ضعف المؤسسات الشرعية في اتخاذ القرارات الحاسمة التي تضع المقررات موضع التطبيق العملي .

حال هذا الواقع الانقسامي وبقاء الولاءات القبلية للقيادات العسكرية على حالها، دون تمكن المؤسسات من الإمساك بناصية الأمور، والانتقال باليمن إلى مرحلة جديدة تلبي طموحات وأهداف شباب الثورة الذين ضربوا المثل في سلمية ثورتهم .

أما وقد فعلها الحوثيون ووضعوا اليد على مقدرات البلاد وأسقطوا ما تبقى من مؤسسات شرعية، وفرضوا شروطهم عبر "إعلان دستوري" لا يستند إلى دستور أو قانون، ولا يحظى بإجماع، فإنهم بذلك وضعوا اليمن على حد السكين وأمام خيارين، إما القبول بهم وبانقلابهم عنوة، وإما انشطار اليمن أفقياً وعمودياً وإدخاله في المجهول، والمجهول هنا هو الفتنة، بما تعنيه من احتراب داخلي واقتتال، وإذا ما حدث ذلك لا سمح الله، فالكارثة واقعة لا محالة، وسيدخل اليمن في أتون الفوضى، كما هو حال سوريا والعراق، خصوصاً مع وجود أرضية وحاضنة متمثلة في المجموعات الإرهابية التي تشكل تهديداً داهماً، إضافة إلى الصراعات والخلافات السياسية والقبلية التي قد تنفجر حمماً في أي لحظة .

لذلك، جاء بيان مجلس التعاون لدول الخليج العربية رافضاً لهذا الانقلاب لأنه ينسف العملية السياسية من الأساس، ويستخف بالجهود الوطنية والاقليمية والدولية التي سعت مخلصة للحفاظ على أمن اليمن واستقراره ووحدته .

إن تأكيد المجلس على أن الانقلاب الحوثي تصعيد خطير ومرفوض، فلأنه يتناقض مع نهج التعددية والتعايش، ويعرض أمن اليمن وسيادته للخطر، إذ لا يمكن لأي فئة أو حزب أو تنظيم في بلد مثل اليمن فيه هذا "الموزاييك" من الأحزاب والقبائل والولاءات المختلفة، أن يتفرد بالسلطة ويفرض دستوره وقانونه وشروطه عنوة على الآخرين . إن الحكم في مثل هذه الحالة يتحول إلى نار تحرق مُشعِلها، خصوصاً في بلد محشو بالبارود والسلاح حتى الثمالة، إضافة إلى تاريخ من الصراعات الدامية على أساس سياسي ومذهبي لم تندمل جراحه بعد، ويبدو أنه عاد للنزف مجدداً .

يبدو أن الحوثيين مازالوا مبتدئين في العمل السياسي، وفي إدارة لعبته، ويسقطون في وهم كبير إذا ما اعتقدوا بأن القوة يمكن أن تخلق واقعاً جديداً إلى أمد بعيد، أو تحقق استقراراً وهدوءاً، أو تقيم نظاماً مستقراً وعادلاً . القوة الخارجة على القانون أسهل وسيلة وأداة لإطلاق سعير الحروب الأهلية والفتن . . فهل وضع الحوثيون ذلك في حسابهم؟

كان الأمل معلقاً حتى اللحظة الأخيرة، بأن هناك بقية تعقل وحكمة مازالت متوافرة، تحول دون سقوط اليمن في المجهول . . لكن هذا الأمل تلاشى مع إصرار الحوثيين على أخذ الأمور بأيديهم والاستفراد باليمن .

 

إقراء أيضا