الرئيسية المقالات مدارات هل سيبقى لنا وطن؟
هل سيبقى لنا وطن؟
د. أحمد قايد الصايدي
د. أحمد قايد الصايدي

كان السؤال الملح: اليمن إلى أين؟ هو السؤال، الذي جعلت منه عنواناً لمقال، نشرته في منتصف أبريل 2014م، حددت فيه بعض العوامل الفاعلة، التي يمكن أن ترسم مستقبل اليمن، كالعامل الجغرافي والعامل الإقتصادي والعامل السياسي والعامل الإجتماعي. ثم كُلِّفت، ضمن نشاطات التجمع الوطني لمناضلي الثورة، أن أعد محاضرة، تحت نفس العنوان. ولكن هل يستطيع أحد في هذه اللحظة التاريخية العصيبة أن يجيب عن سؤال معقد، كهذا السؤال؟

كنت أظنني قادراً على الإسهام في وضع إجابة تقريبية، انطلاقاً من العوامل المذكورة. ولكن تلاحق الأحداث واختلاط الأوراق، وما يبدو عليه المشهد السياسي من تعقيد وغموض مفزع، كل هذا يربك العقل إلى درجة الشلل. وأكثر مايقلقني الآن هو أن تكون حالة المكونات السياسية، هي الحالة نفسها، التي يعيشها المواطن العادي. حالةٌ عنوانها قِلَّة الحيلة والقلق والتوتر والترقب الخائف، على مستقبل اليمن كله. وفي حالة سائدة، كهذه الحالة، يصبح السؤال الأكثر إلحاحاً، هو: هل سيبقى لنا وطن؟

لا أريد أن أوصف الحالة الراهنة، فملامحها واضحة واحتمالاتها مفزعة. إذا لم يسترد العقل السياسي هدوءة وتنخفظ درجة حرارة العواطف الملتهبة. اليمن بحاجة إلى العقل في هذه اللحظة التاريخية أكثر من أي وقت مضى. ولعل في مانشاهده من دمار وإفناء لمقومات الحياة البشرية، في العراق وسوريا وليبيا وقبلها جميعاً الصومال، التي أُدخلت نفقاً مظلماً، منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، لم تتمكن من الخروج منه حتى الآن، لعل في ذلك عبرة وعظة للعقلاء، وغير العقلاء.

لم أشعر في أي وقت مضى، كما أشعر الآن، بأن دور المكونات السياسية قد أصبح ضرورة ملحة، يتوقف عليه وجود اليمن واليمنيين، ولا أقول مستقبل اليمن واليمنيين،. فإذا ماتغلب حوار السلاح، على حوار العقول، فلا مجال للحديث عن مستقبل لهذه البلاد ومن فيها.

العد التنازلي للإنفجار يتسارع. والخطاب الإعلامي اللامسؤول يزداد انفلاتاً، وكأنه يتسلى أويمارس نوعاً من اللعب البريء. وردود الأفعال توشك أن تتغلب على الحكمة. إنها لحظة ترتسم فيها المصائر وتتحدد الأقدار. ولا أظن أن أية قوة عاقلة، يمكن أن تغامر بوطنها وبشعبها، لمجرد تفريغ شحنة من غضب. لأن الغضب إذا انفجر وكانت لغته الرصاص والقذائف والصواريخ، بدلاً من لغة اللسان، فلن يكون هناك منتصر ولامهزوم. بل سيكون هناك أكوام من الأنقاض والأشلاء، كان اسمها (اليمن).

هنا على وجه التحديد يأتي دور المكونات السياسية، التي يجب أن تنتقل من طور التراخي إلى طور العمل، والعمل السريع، الهادف إلى وقف عجلة الصدام المتسارعة. وعلى رأس هذه المكونات حزب المؤتمر الشعبي العام والحزب الإشتراكي اليمني (الشريكان في تحقيق الوحدة). فكلاهما معاً لابد أن يتحملا الآن المسؤولية الأولى في إخراج البلاد من هذا المأزق المخيف. وكل منهما له جسور علاقة مع الجميع، ويمتلك القدرة على التحرك، بقواعده العريضة، القادرة على التأثير الإيجابي، والدفع بقطار الحرب خارج مساره الخطر. وأضيف إلى الحزبين حزب ثالث، وهو حزب الإصلاح، شريكهما في المسؤولية عما نحن فيه، منذ ثمانينيات القرن الماضي على الأقل. فإذا استطاع أن يتغلب على المؤثرات السلبية، في علاقته بمحوري، التوتر: أنصار الله والرئيس هادي، ووضع نصب عينيه اليمن كله، وارتقى في هذا الظرف العصيب، إلى مستوى المسؤولية الوطنية، المنتظرة منه. فإنه يستطيع أن يلعب دوراً إيجابياً مؤثراً. فهو حزب له حجمه وتأثيره، اللذان يمكن توظيفهما في هذه الأزمة، لمصلحة اليمن وشعبه. ودور حزب التجمع الوحدوي الشعبي الناصري، لايقل أهمية عن أدوار الأحزاب الثلاثة المذكورة. فهو يستطيع، بحكم مواقفه المؤيدة للرئيس هادي، يستطيع أن يسمع هادي رأياً متوازناً، يخدم اليمن، ولا أظن إلا أن رأيه سيكون مؤثراً لدى الرئيس هادي. ويتطلب الظرف منه أيضاً تطبيع علاقته بالإخوة أنصار الله. فالوطن فوق الخلافات والحساسيات، مهما بلغت.

هذه الأحزاب الكبيرة في اليمن، ومعها الأحزاب الأصغر حجماً، مهمتها الأولى الآن إيقاف العجلة المتسارعة نحو الصدام، ومهمتها الثانية إعادة الجميع إلى طاولة الحوار. فحوار العقول والألسن، وحتى التلاسن، هو أرحم بما لايقاس من حوار النار والبارود. 

أما الأخ الرئيس هادي والإخوة أنصار الله، فالمطلوب منهم ضبط النفس وتحاشي الحرب، بكل الطرق الممكنة. فالحرب دمار سيطال الجميع. والإندفاع، تحت مشاعر الغضب أو ردود الأفعال، إلى دائرة النار، لن يؤدي إلا إلى حريق يلتهم الجميع. كل منكم مسؤول، عن حياة اليمنيين وعن وجود اليمن، الذي لن يبق وطناً إذا ما تم إشعال فتيل الحرب، سواءً بأيدكم، أو بيد فاعل مجهول. تداركوا وطنكم وشعبكم، قبل أن تخسروهما وتخسروا أنفسكم.  

إقراء أيضا