الرئيسية المقالات مدارات هل فقد اليمنيون رشدهم؟
هل فقد اليمنيون رشدهم؟
د. أحمد قايد الصايدي
د. أحمد قايد الصايدي

على مدى أشهر ونحن نحاور مكونات سياسية، من خلال اللجنة الشعبية للتقريب بين المكونات السياسية، ومن خلال التجمع الوطني لمناضلي الثورة اليمنية، ننقد ونقيِّم ونطرح حلولاً ونبدي تخوفات من السير في الطريق الخطر، المؤدي إلى الكارثة.

كان هذا هو مبلغ جهدنا وحدود قدرتنا. إذ لانملك قوة عسكرية قادرة على أن توقف الأطراف اليمنية المتصارعة عند حدها، حفاظاً على اليمن وشعبه، وحفاظاً على الأطراف المتصارعة نفسها. ولا نملك حزباً سياسياً قوياً، يستشعر المسؤولية ويقف في وجه المعرقلين للحوار بين المكونات السياسية، الذي طال أكثر مما تسمح به الأوضاع. نحن لانملك سوى الكلمة والرأي والموقف والحب لكل اليمنيين.

وإذا أردنا أن نلقي بمسؤولية ما وصلنا إليه على جهة بعينها، فإنه لايمكننا أن نلقيها على الخارج وحده، وعلى مصالحه المتعارضة، التي وجدت لها في اليمن ساحة مفتوحة لتصفية حساباتها بأجساد اليمنيين ودمائهم. كما لايمكننا أن نلقيها على وسائل الإعلام السيئة والأقلام المنفلتة، التي واصلت صب الزيت على النار، وعملت جهدها على إلهاب مشاعر الطائفية والمناطقية، التي لاعهد لليمنيين بها. فالمسؤولية في تدهور أوضاعنا الأمنية والإقتصادية والسياسية ووصولنا إلى دائرة الإقتتال، نتحمَّلها نحن اليمنيين بالدرجة الأولى، وفي مقدمتنا قياداتنا السياسية، أعني قيادات الأحزاب، لاسيما الأحزاب الكبيرة منها.

فقد تاهت هذه القيادات في خضم الأحداث وأضحت التداعيات تتقاذفها على غير هدى، بدلاً من أن تنهض بدورها الحقيقي، فتمسك بزمام الأحداث وتسيطر عليها، وتعمل على رص صفوف اليمنيين جميعهم، ليشكلوا كابحاً لدولاب الحرب وجسراً للتواصل والتفاهم مع الأطراف المتصارعة، وحائلاً دون الإنزلاق إلى مستنقع الحرب الأهلية، الذي يسْهُل الإنزلاق إليه، ويصعب الخروج منه.

وقبل مسؤوليتنا، نحن المواطنين، ومسؤولية قيادات الأحزاب السياسية، تأتي مسؤولية مؤسسة الرئاسة، المتمثلة بالرئيس عبد ربه منصور هادي، الذي منحناه ثقتنا وراهنا على حكمته وقدرته وحنكته. ولكننا، وعلى مدى سنوات حكمه الثلاث، شعرنا بأننا افتقدنا الحكمة والقدرة والحنكة، التي حل محلها بطء في الحركة وارتجال في الإجراءات والقرارات وتجاهل لكل مايُقال ومايُكتب من آراء، إنطلق أصحابها من حرص على الوطن وعلى الرئيس نفسه وعلى وقار وهيبة الرئاسة، التي تستمد منها مؤسسات الدولة هيبتها، ويستمد الشعب طمأنينته وثقته بمستقبله.

ولاندري إن كان هناك ثمة بصيص أمل، في أن تستيقظ الحكمة والقدرة والحنكة، في هذه اللحظة الخطرة، ويبادر الرئيس نفسه، بحكم موقعه ومسؤولياته والدعم الإقليمي والدولي، الذي يحظى به، أن يبادر إلى احتواء الموقف، عبر اتصالات مباشرة بأهم القيادات المؤثرة في الأحداث، وعلى رأسها قيادات أنصار الله وقيادات المؤتمر الشعبي العام وقيادات حزب الإصلاح، وعبر اتصالات مباشرة باللاعبين الإقليميين والدوليين جميعهم دون استثناء، ودون حساسيات، فالوطن ومصلحته وسلامته فوق كل الإعتبارات والحساسيات، وذلك بُغية تهدئة الأوضاع وتجميد التحركات العسكرية والدفع بعجلة الحوار المتعثر نحو الأمام، ليصل إلى غايته، المنشودة؟ وهل هناك ثمة أمل في أن يتراجع من يملكون قرار السلم والحرب، الذين يحثون الخطى نحو الكارثة، أن يتراجعوا جميعهم عما هم مقدمون عليه، رأفة بأبنائهم وإخوتهم وآبائهم، وحرصاً على وطنهم من أن يتمزق وشعبهم من أن يتشرذم ويتشرد، وأن يجعلوا بناء الدولة الضامنة لأمن وسلامة وخير الجميع، هماً يجمعهم وقاسماً مشتركاً يوحدهم؟ 

إن من ينظر اليوم إلى الخنادق المتجابهة المفتوحة، كقبور متلهفة إلى جثث اليمنيين، ويرانا ونحن نُساق نحوها بجنون، سيدرك أننا جميعنا، وفي مقدمتنا من يملكون قرار السلم والحرب، قد فقدنا رشدنا وأصبحنا مهيئين لتدمير أنفسنا بأيدينا وقادرين على إلحاق الضرر بشعبنا الطيب والتفريط بوطننا، الذي أثبتنا حتى الآن أننا لانستحقه.   

إقراء أيضا