الرئيسية المقالات مدارات على هامش مبادرتَي الإشتراكي والناصري
على هامش مبادرتَي الإشتراكي والناصري
د. أحمد قايد الصايدي
د. أحمد قايد الصايدي

في أكثر من لقاء رسمي وعابر، وفي أكثر من مناسبة، أكدنا على الأهمية الوطنية لتنسيق الحزب الإشتراكي اليمني والتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري جهودهما ومواقفهما تجاه الأحداث الجارية والمستقبلية، بل وطالبناهما بإرساء قواعد شراكة بينهما، لالمجرد التنسيق في المناسبات وإزاء بعض الأحداث، بل لتحقيق عمل مشترك سياسي وثقافي وحركي يومي. وحلمنا بأن يرتقي الحزبان إلى مستوى من التفاعل بينهما، يقود إلى خلق حالة من توحيد العمل بين قواعدهما في مختلف مناطق اليمن.

مع العمل على تأسيس شراكة وطنية مع المكونات والأحزاب الأخرى، متقاربة الرؤى والتوجهات، ليشكلا معها الحامل السياسي والإجتماعي للمشروع الوطني النهضوي، وفي مقدمته بناء الدولة اليمنية المدنية الديمقراطية القوية العادلة، التي يحلم بها اليمنيون. لماذا يتجه اهتمامنا إلى الإشتراكي والناصري؟ سؤال يمكن الإجابة عنه بإيجاز شديد. فهما أولاً حزبين مدنيين كبيرين، لهما تاريخ ممتد ونضال وطني طويل. وهما ثانياً حزبان يمثلان المستقبل، من الناحية الموضوعية، من حيث فكرهما وبنيتهما التنظيمية والأوضاع العامة في اليمن، التي توفر لهما البيئة المواتية لعمل سياسي تاريخي كبير.

وبالطبع لايكفي توفر الشروط الموضوعية، إذ لابد أن تتوفر فيهما شروط ذاتية، تمكنهما من توظيف الشروط الموضوعية للإنتقال إلى حالة أرقى في أدائهما السياسي. وهما ثالثاً حزبان وحدويان، بالمعنى اليمني وبالمعنى العربي. وهما رابعاً، إذا جاز لنا أن نقول هذا، موضع نقدنا الدائم، يتحملان نقدنا، فلا يغضبان ولا تأخذهما العزة بالإثم، فيكفِّراننا أو يخوِّناننا. مما يدل على أنهما حزبان قابلان، موضوعياً، لأن يلعبا دوراً ريادياً في إيجاد تجربة ديمقراطية يمنية متسامحة، تكمل فيها المكونات السياسية اليمنية بعضها بعضاً، لتصب جهودها كلها في مصلحة اليمن ونهضته.

هذه بعض نقاط ارتكاز بالنسبة لنا، في تقييمنا لهذين الحزبين الكبيرين. وهناك نقاط أخرى تلامس جوانب القصور، نذكر منها في هذا السياق: أن كلاً منهما يعيش في واد، يسيران في خطين متوازيين، بل أحياناً متباعدين، وكأن كلاً منهما له مشروعه الوطني الكامل المكتفي بذاته الغني عن أية إضافة أو إسناد يأتيه من أحزاب أخرى. وعندما يصدران التصريحات والبيانات والبرامج المتشابهة، يبدوان وكأنهما يعملان ذلك على سبيل رفع العتب. وقد يعبر أحياناً أحد الحزبين أو كلاهما أو بعض قياداتهما عن مواقف قد يُفهم منها، ولو خطأً، بعض الميل مع أو ضد هذا الطرف أو ذاك من أطراف الصراع المسلح. وهذا أمر يجب تحاشيه.

فطبيعة الحزبين وطبيعة الأوضاع وتعقيداتها تحتم عليهما أن يحتفظا بدور وطني متميز ومؤثر وموضع قبول من القوى الداخلية المتصارعة كلها. وفي الوقت نفسه عليهما أن يحتفظا بموقف وطني واضح وصريح، لا يحتمل اللبس، تجاه أي عدوان خارجي على اليمن، مهما كانت ذرائعه المعلنة، ومهما بالغ المرتبطون بالخارج في الترحيب به وتبريره والهرولة للإنضواء تحت رايته. إن مبادرتي الحزبين، الهادفتين إلى إخراج اليمن من محنته الراهنة تتشابهان في جوهرهما، وإن اختلفتا في لغتهما وفي بعض تفاصيلهما الجزئية. فالهدف الأبرز في كل منهما هو وقف العدوان الخارجي والإقتتال الداخلي ورفع الحصار الشامل، المضروب على اليمن، وعودة اليمنيين إلى مائدة الحوار، ليرتبوا بيتهم الداخلي، بصورة توافقية، يَطْمئن بها اليمنيون على حاضر اليمن ومستقبله. وقد نضيف إلى ماورد في المبادرتين، مسألة هامة، لفت المناضل حاتم أبو حاتم انتباهنا إلى غيابها في كلا المبادرتين، رغم أهميتها، وهي حدود المسؤولية، التي يجب أن تتحملها دول التحالف المعتدي، فيما يتعلق بما دمرته طائراتها وقطعها البحرية، من مساكن ومنشآت عامة وخاصة، ومن طرقات وجسور، وما أزهقته من أرواح وسببته من عاهات وتشوهات جسدية ونفسية لأطفال اليمنيين ونسائهم وشبابهم وشيوخهم، وما نجم عن حصارها الجوي والبري والبحري لليمنيين، من أوضاع إنسانية كارثية، في كل جوانب حياتهم. فهل سيترتب على كل هذا مسؤولية ما؟ كأن تعيد دول التحالف بناء مادمرته صواريخها وتقدم تعويضات مادية عادلة للجرحى ولأسر القتلى والمعاقين جسدياً ونفسياً من جراء قصفها الجوي والبحري؟ أما التعويض المعنوي عما لحق بهذا الشعب وبوطنه من أذى فلا سبيل إليه.

 فأموال الدنيا لاتكفي لتعويض اليمنيين عما لحق بهم، من جرح لكرامتهم وكبريائهم وانتهاكاً لحرمة وطنهم. ولكن ليُترك هذا للزمن، فقد ينسى اليمنيون مالحق بهم من أذى متعمد، دون أن يؤذوا أحداً، وقد يبقى هذا الأذى في الذاكرة الجمعية تتوارثه الأجيال. ودون أن نخوض في مناقشة هذه الجزئية أو تلك في مبادرتي الحزبين، فإننا في التجمع الوطني لمناضلي الثورة اليمنية، ننظر إلى هاتين المبادرتين على أنهما في جوهرهما مبادرة واحدة. وهذا يتطابق مع نظرتنا وتعاملنا مع الحزبين الكبيرين، فهما في اعتبارنا أشبه بحزب واحد، ولكن بتنظيمين منفصلين. ومن المنتظر أن يتحركا في هذه الظروف الصعبة، تحركاً سريعاً، يتناسب مع تسارع الأحداث، فيوحدا جهودهما معاً، باتجاه تكوين نواة لتحالف وطني قوي ومتماسك، يتسع لكل القوى الخيرة في اليمن، وينجز المهمة الملحة، وهي وقف الإقتتال الداخلي والعدوان الخارجي، وعودة المكونات السياسية اليمنية إلى طاولة الحوار في دولة محايدة، ولتكن عُمان، إذا تعذر عقد الحوار في الداخل اليمني، كما قلنا في مقالنا السابق. إنها مهمة يجدر بهذين الحزبين الكبيرين الإضطلاع بها، فإن استطاعا إنجازها، فسيكونان قد أسهما في وضع أقدام اليمنيين على بداية الطريق الصحيح نحو بناء اليمن الجديد، الناهض من وسط الأنقاض، والذي ستتحقق فيه أحلامنا ونتجاوز في كنفه جراحنا وأحزاننا ونستعيد لحمتنا، التي كادت أن تتمزق.

ملاحظة إستدراكية: تأخر إرسال هذا المقال للنشر، بسبب الإنقطاع الطويل للتيار الكهربائي. وقبل أن أتمكن من إرساله إتصل بي صديق، وبصوت مفجوع قرأ عليَّ رسالة موجهة إلى الرئيس الأمريكي أوباما. وقع عليها في الرياض أشخاص يمثلون بعض الأحزاب اليمنية. وعلى رأسها الإصلاح والإشتراكي والناصري. وما كاد ينتهي من قراءتها حتى علقت عليها دون تردد، بأنها رسالة مدسوسة. فلا لغتها ولا محتواها ولاهدفها، ولا الجهة التي وُجهت إليها، يمكن أن تعبر عن فكر وسياسة وتاريخ بعض الأحزاب الموقعة، وذكرت بصورة خاصة الحزب الإشتراكي والتنظيم الناصري، وهما موضوعا هذا المقال.

ولكن من المفجع حقاً أن الرسالة صحيحة، كما تبين فيما بعد، وأن ممثلي الحزبين وقعا عليها مع أحزاب أخرى، ربما باجتهاد فردي خاطئ من الموقعين، وهو ما أتمناه.

وشعرت بأن المقال لم يعد ذا موضوع، وترددت كثيراً في نشره. وبعد أن دخلت مع نفسي في جدل لايخلو من التوتر وخيبة الأمل، قررت نشره، مع وضع هذه الملاحظة الإستدراكية في نهايته. هل يُعقل هذا الأمر، هل وصلت الأحزاب ذات التاريخ النضالي الطويل والفكر الثوري الإشتراكي التقدمي، المقاوم للإستعمار القديم والحديث (والمختلط)، هل وصلت إلى هذا الحد من العمى السياسي وعدم التمييز؟ سؤال مطلوب من الحزبين الإشتراكيين التقدميين، الكبيرين بحجمهما وتاريخهما، مطلوب منهما الإجابة عنه، وتحديد موقف واضح من هذه الرسالة الصادمة، التي وجهت إلى رأس النظام الرأسمالي المتوحش، الذي ينفث شروره وفتنه واستغلاله في كل زوايا العالم. لقد ظهرت إشارات على تراجع السعودية نفسها عن فكرة عقد الحوار اليمني في الرياض، لأنه مؤتمر فاشل قبل أن يبدأ، لأسباب موضوعية، أهمها غياب أو تغييب الطرف الآخر الأهم في هذه الأزمة، وهو الحركة الحوثية، الموجودة اليوم بقوة على الأرض، والتي لايمكن أن ينجح حوار وتوضع حلول دون مشاركتها. وإلا فمع من سيتحاور الموقعون على العريضة المرفوعة إلى سيد البيت الأبيض؟ هل ينشدون فعلاً حواراً يخرج اليمنيين من المحنة التي هم فيها، أم حواراً للإستهلاك والإستعراض الإعلامي وتعقيد الموقف وتأجيج نار الحرب، التي لايحسون بحرها في غربتهم كما نحس؟

  

إقراء أيضا