الرئيسية المقالات مدارات هل صناعة الحرب أسهل من صنع السلام؟
هل صناعة الحرب أسهل من صنع السلام؟
د. أحمد قايد الصايدي
د. أحمد قايد الصايدي

عجز اليمنيون عن صنع السلام حتى الآن، وتابعنا حوارات موفمبيك وكتبنا عنها وعن بطئها وتعثرها، قبل أن نشاهد إفشالها. وانطلقت الحرب الداخلية والعدوان الخارجي، بسرعة وسهولة عجيبة. فهل صناعة الحرب أسهل من صنع السلام؟ سؤال محير حقاً. وتزداد الحيرة، عندما نرى بأعيننا يومياً كلفة الحرب الباهضة: قتل لايميز  بين مقاتل وبين طفل وامرأة ومسن، وتدمير للبنية التحتية والأحياء السكنية وخوف وحصار شامل وإفقار وإنفاق المليارات وزرع الكراهية بين الإخوة وتفتيت النسيج الإجتماعي وتمزيق الوطن. في حين أن السلام لايكلف شيئاً، ولا يحتاج إلا إلى حسن النية وتنازل الأخ لأخيه وحرص الجميع على سلامة الوطن وأبنائه وتحصين النفوس من نوازع التبعية للخارج.

ورغم أن السؤال محير، فقد جاءتنا إجابة مؤسفة عنه من مؤتمر الرياض، الذي ظننا أنه سيكون مؤتمر حوار يضع اليمنيون فيه حداً للعدوان الخارجي وللحرب الداخلية ويرسخون قواعد ثابتة للسلم، فإذا به مؤتمر (قرار)، كما أُعلن على لسان بعض كبار المشاركين فيه، والقرار المقصود كان جاهزاً قبل أن يلتئم شمل المؤتمرين. كان قراراً لمواصلة الحرب والحصار واستمرار عاصفة الحزم بعملياتها الجوية والبحرية، بل والتهيؤ لإنشاء جيش جديد ينهض بمهمة إطالة زمن الحرب، إستنساخاً للنموذج السوري. لقد كان المؤتمر بنتائجه المعلنة مؤتمر حرب لامؤتمر سلام. وليس لهذا سوى معنى واحد، وهو أن صناعة الحرب لدى البعض منا أسهل من صنع السلام.  

هرول بعضنا إلى الخارج للإستعانة به عسكرياً على خصومه في الداخل. وكأن هؤلاء لا يدركون أن التدمير الذي يحدثه الخارج في الداخل اليمني لن يصيب خصومهم فحسب، بل يمتد أذاه إلينا نحن المواطنين، إلى الشعب اليمني، الذي يتحمل محنة القصف الجوي والبحري المتواصل والحصار الشامل، في البر والبحر والجو، أكثر مما يتحملها الخصوم. 

وفي الطرف المقابل للمهرولين، إندفع بعضنا إلى الخيار العسكري، مستهيناً بردود الفعل الداخلية والخارجية، في منطقة حساسة، يؤثر كل تغيير فيها على المصالح الإقليمية والدولية، بصورة مباشرة. وهذا ماحذرنا منه مسبقاً في كتاباتنا ولقاءاتنا. فقد كنا ندرك أن الصراع الداخلي ستكون له روافد خارجية، ولن ينتهي سريعاً بانتصار الأخ على أخيه، لأننا نعرف مكر الخارج، وما صنعه في العراق وسوريا وليبيا، وقبلهما في الحرب العراقية ـ الإيرانية. فكلما أوشك طرف على أن يحسم الحرب لصالحه، بادر الخارج إلى حقن الطرف المقابل بأسباب القوة، لإدامة الحرب حتى تصل إلى غاياتها. وإذا كنا لم ندرك هذه الغايات حتى الآن، فإننا في غفلة من أمرنا نستحق عليها أن يمزقنا الآخرون كما يشاؤون.

وهنا أذكر، والشيء بالشيء يذكر، كلاماً قيل أن (الأستاذ)، وهو اللقب الذي كان يطلق على زعيم حركة الأحرار اليمنيين، أحمد محمد نعمان رحمه الله، وجهه في مؤتمر حرض عام 1965م إلى المتخاصمين الجمهوريين والملكيين، بأسلوبه الذكي الساخر المعروف: "مالكم يا أهل اليمن، بعضكم متهم بالعمالة للسعوديين، وبعضكم متهم بالعمالة للمصريين، لماذا لاتتوحدون في العمالة لليمن". وقد كان مصطلح العمالة سائداً في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، ثم خُفِّف وحل محله مصطلح التبعية ثم التحالف. فلماذا لايتحالف جميع المتخاصمين اليمنيين مع اليمن وشعبه، ليحدوا من التأثيرات السلبية القادمة من الخارج؟

إن التحالفات الإقليمية والدولية أمر طبيعي في علاقات الدول وفي حسابات المصالح الوطنية. ولكنها تحالفات يرسم حدودها الوطن كله، بكل أطيافه وبكل أطرافه السياسية. أما عندما يتشرذم الوطن وتدخل مكوناته السياسية، كل منها على حدة، في تحالفات مع طرف من الأطراف الخارجية المتصارعة، فإن هذه التحالفات تنقل صراعات الخارج إلى الداخل اليمني، وتحوِّل تحالف اليمنيين مع الخارج إلى مجرد تبعية، تكرس الانقسام الوطني.

هذا النوع من التبعية، لا يعبر عن علاقات ندية بالخارج ولايخدم الوطن، بل يدمره لصالح القوى الخارجية. هذه بديهيات نعرفها جميعنا. ولكننا قلما نعمل بما نعرف. لأن مصالحنا الضيقة، لاسيما مصالح بعض النخب السياسية، تطغى على المصالح الوطنية. ولذا انقسمت نخبنا السياسية إلى تابع متهافت، يتسول في الخارج ويستعديه على شعبه ووطنه، تحت راية الشرعية المهترئة، وبين مقاتل في الداخل، يسهم في تدمير شعبه ويؤدي دوراً في اللعبة الإقليمية والدولية الخطرة.

والمصيبة هنا أننا نفتقر حتى الآن إلى كتلة الوسط القوية، التي تقف بين هؤلاء وألئك، معبرة عن الموقف الوطني المتحرر من أية تأثيرات خارجية، كتلة تمسك بيدها زمام الموقف، وتسهل للطرفين المتصارعين في الداخل اليمني العودة إلى مسار العمل الوطني السلمي، القائم على الحوار والتفاهم والتعاون، كسبيل وحيد لإنهاء حالة الحرب والدمار والتمزيق، وكمدخل آمن إلى بناء اليمن الجديد. وهذه مهمة يجب أن تنبري لها الأحزاب السياسية المدنية، التي لم تحمل السلاح بعد، وفي مقدمتها الحزب الإشتراكي اليمني والتنظيم الوحدوي الناصري، وهما حزبان نتمنى أن لايخذلانا وأن لايخيبا آمال اليمنيين فيهما وأن لايهرولا إلى الخارج كغيرهما. فمن يهرول إلى الخارج يرهن نفسه له ويفقد قواعده في الداخل، بل ويخسر قضيته الوطنية. لقد لمسنا لدى الحزبين الكبيرين وعياً بأهمية إيجاد هذه الكتلة الوطنية، أو لنقل (الجبهة الوطنية)، ولكن الوعي وحده غير كافٍ، إذا لم يترجم إلى عمل حثيث وسريع، يتناسب مع تسارع عجلة الكارثة، التي تدهسنا يومياً. 

ومن البديهي أننا لن نتحرر من الوصاية الخارجية، إلا إذا وصلنا إلى قناعة تامة، بأن تنازلنا، بعضنا للبعض الآخر، ونحن أعزاء كرماء، خير من أن نقدم التنازلات للخارج، ونحن أذلاء. تنازلنا لبعضنا سيعود بالخير علينا وعلى وطننا. وتنازلنا للخارج سيفرض علينا مزيداً من التبعية له ومن التفريط باستقلالنا وبمصالحنا الوطنية. هذا كلام طبيعي وبديهي وصحيح ومعروف. فلماذا لانفهمه ونتجه إلى صنع السلام، لنبي مجتمعاً متماسكاً ومستقبلاً واعداً ووطناً عزيزاً يتسع للجميع، ولايكون فيه مكان للحرب والقتل والذبح وهيمنة الخارج على قرارنا السياسي؟ ولماذا لانثبت للعالم أن صنع السلام أسهل وأقرب وأحب إلينا نحن اليمنيين من صناعة الحرب، التي يستفيد منها غيرنا من مقاولي الحروب وتجار السلاح وسماسرة السياسة؟.

 

إقراء أيضا

وليد أبو حاتم
وليد أبو حاتم
إبراهيم العشماوي
إبراهيم العشماوي