الرئيسية المقالات مدارات ازدواجية النخبة اليمنية!
ازدواجية النخبة اليمنية!
فائز عبده
فائز عبده

من حقّ كلّ شخصٍ أن ينتقد العدوان السعودي على اليمن، مثلما هو حقّ أيّ شخصٍ آخر في انتقاد جماعة الحوثي واعتداءاتها المتواصلة على المواطنين اليمنيين. لكن ليس على أيٍّ منهما أن يتوقف عند ذلك، ويكتفي بهذا الموقف، مدعياً أنه قام بواجبه الوطني تجاه بلده، بينما هو يتجاهل جانباً مما يجري في البلد الذي تئنّ أوصاله، وتسيل دماء أبنائه في كل الأنحاء.

لا ينبغي على أحدنا أن ينبري لانتقاد العدوان السعودي، ويصرخ بحدةٍ، ويبكي بحرقةٍ، مثلما يفعل خطيب الجمعة في الجوار، أو المحلل السياسي في هذه القناة أو تلك، أو الكاتب في أية صحيفةٍ؛ متأثراً بضحايا العدوان وأضراره، ويشتم ويقدح قادة السعودية، وزعماء دول التحالف، والمتحالفين معه من القيادات اليمنية، والمؤيدين للعدوان من المواطنين اليمنيين، ويصف هؤلاء بالعمالة، ويتهمهم بالخيانة.. وفي الوقت ذاته، يسكت عن اعتداءات المليشيات الحوثية ضد أبناء محافظات عدن ومأرب وتعز والضالع وشبوة، وغيرها من المحافظات التي سيطرت عليها الجماعة بقوة السلاح، وفرضت نفسها كسلطة أمرٍ واقعٍ عليها وعلى البلد ككلٍّ.

وفي المقابل، يتعيَّن على الآخر ألا يتصدى للحديث المتشنج عن اعتداءات مليشيات الحوثي في عديد محافظاتٍ، وأعمال القتل والتدمير التي تقوم بها، وتصرفاتها العبثية داخل مؤسسات الدولة، وانتهاكاتها الصارخة في مناطق تواجدها، ويكيل للجماعة ما استطاع من الاتهامات، ويلقي عليها أسوأ الأوصاف.. في حين يتغاضى عن جرائم العدوان السعودي السافر في مختلف المحافظات اليمنية، ولا يلتفت إلى آلاف الضحايا من القتلى والجرحى، وأضعافهم من المشردين والنازحين، وأعدادٍ مهولةٍ من الفاقدين أعمالهم، ولا يتحدث عن الخسائر الطائلة التي أصابت البلد في اقتصاده وقدراته، بسبب توقف الإنتاج ونزيف الإيرادات، ولا شكّ أنّ لكل ذلك آثاراً فادحةً على اليمن: الإنسان والوطن والمستقبل.

العدوان هو نفسه، في شكله ومضمونه، وفي نتائجه وآثاره، سواءً كان من الداخل أو من الخارج. والتبرير للعدوان السعودي الذي دمّر مقدرات البلد، وقتل العديد من أبنائه، وأرهب وشرّد مئات الآلاف، لا يختلف في شيءٍ عن التبرير لاعتداءات جماعة الحوثي على المواطنين، وانتهاكاتها الجسيمة لحقوقهم وحرياتهم، وفي مقدمتها حق الحياة وحرية التعبير.

والعمالة هي جريمةٌ بحقّ الوطن، أكانت قبلتها الرياض أم طهران، ولا يخفى أنّ لكلٍّ منهما حجيجاً ووكلاء وأبواقاً تنعق بالذم والتجريح للفريق الآخر، وتقذفه بأقذع النعوت، وتلصق به أبشع الاتهامات، وتقول فيه كلّ ما هو فيها.

والمؤسف أنّ أبواق الطرفين تواصل هدم بنيان المجتمع اليمني، وتفكيك نسيجه الذي ظل لمئات السنين متماسكاً بفعل التعايش الديني والمذهبي الذي صبغ فتراتٍ طويلةً من تاريخ اليمن، قبل أن تغزوه مظاهر وأدوات الصراع الوهابي الصفوي، الذي تخوضه السعودية وإيران، عبر مدارسَ ومراكزَ وجماعاتٍ مرتبطةٍ بهما، وتنفذ أجنداتهما ومشاريعهما المذهبية، على حساب استقرار اليمن وأرواح أبنائها.

إن الازدواج الذي يقع في شراكه الكثيرون، ومنهم نخبة اليمن من مثقفين وقادة رأيٍ وسياسيين، يثير الانقسامات بين أفراد المجتمع، ويبعث عوامل الفتنة وعدم الثقة، ويخلق أسباب التفرّق. فهل تراجع النخبة اليمنية مواقفها، وتعيد الاعتبار لنفسها ودورها الذي يسعى للبناء والتطور والنماء..؟

[email protected]


  

إقراء أيضا