الرئيسية المقالات مدارات اليمنيون بين الحوارات العصية والحروب العبثية
اليمنيون بين الحوارات العصية والحروب العبثية
فائز عبده
فائز عبده

يذهب اليمنيون إلى حواراتهم، إذا قرروا الذهاب إليها أصلاً، بعد لأيٍ وجهدٍ، متسلِّحين بقوائمَ من الشروط والاشتراطات والضمانات والحسابات المتعددة، وقد قطعوا أشواطاً من المشاورات والأخذ والردِّ، ومن الاتهامات المتبادلة بين الأطراف، والتشكيك في جدِّية الدعوة إلى الحوار والمشاركة فيه.

ومن الممكن أن تفضي الحوارات إلى نتائجَ إيجابيةٍ وحلولٍ ومعالجاتٍ للقضايا المثارة، أو إلى صفقاتٍ بين الأطراف المتحاورة، تحكمها المصالح بعيداً عن جوهر الأزمة محل الحوار. ولكن، غالباً ما تصطدم كثيرٌ من المخرجات الباهرة لتلك الحوارات، بتمنُّع هذا الطرف أو ذاك، عن التنفيذ، والسعي لوضع ما استطاع من العراقيل، وصنع العقبات في طريق تفعيل ما تمَّ الاتفاق عليه في جلسات الحوار.

بينما يهرول اليمنيون أنفسهم إلى القتال والحروب الداخلية، دون مقدماتٍ، ومن غير أيِّ شروطٍ مسبقةٍ، أو تفكيرٍ في عواقبها ومآلاتها على الأفراد والمجتمعات. كلُّ ما يلزم أحدهم هو تناول بندقيته المتوفرة في البيت، أو شراؤها من الأسواق، أو امتطاء واحدةٍ من الآليات العسكرية التي تملكها القبائل ضمن ما تملكه من الأسلحة المتوسطة، لتشتعل ساحة المعركة، وتستعر الحرب كأيِّ فعلٍ عاديٍّ يُقدم عليه أبناء القبائل ضمن يومياتهم التي تفتقر عادةً إلى التخطيط والتنظيم.

وقد تتدخّل وساطاتٌ لإنهاء مثل هذه الحروب، أو تأجيل حسمها من خلال هدنةٍ محددةٍ بزمنٍ، سرعان ما يعود بعدها المقاتلون إلى متاريسهم، لاستئناف حوار البنادق؛ المهمة الأثيرة لدى البعض، والتي لا ينتج عنها إلا حصد الأرواح وتنمية الإعاقات، وخلق الثارات التي يمكنها أن تبعث شرارة الحرب مجدداً، ولو بعد سنين طويلةٍ، إذا وجدت من ينبش ملفات الماضي وأحداثه الأليمة.

على أنّ اليمنيين لا يلبثون أن ينسوا حواراتهم العصية، التي لا يبنون على مخرجاتها، وفي كلّ مرةٍ يريدون أن يبدأوا من الصفر، دون الاستفادة مما تفتّقت عنه أفكارهم كمرجعيةٍ أو أساسٍ لحوارٍ قادمٍ، ربما أعانهم تراكم تجاربهم الحوارية على تجاوز مشاكلهم الكثيرة، وحلّ أزماتهم المتناسلة، ما يسهم في تطور البلد وتقدّمه في كلّ المجالات، وفي رفاه المجتمع ورقيِّه واستقراره.

فيما هم عادةً ما يتذكَّرون حروبهم العبثية، ويتفاخرون بمآثرهم القتالية، ويمجِّدون ما يعتبرونها بطولاتٍ، ولا ينسون قتلاهم في تلك الحروب التي تستولد الثارات، وتورّثها للأجيال الجديدة التي تترسَّخ في أذهانها حوارات العنف والدماء كثقافةٍ أصيلةٍ وعنوانٍ للرجولة والقبْيلة، على حساب ثقافة الحوار الحقيقي؛ حوار العقول والأفكار، المفضي إلى مجتمعٍ سلميٍّ منتجٍ وخلاَّقِ، وخالٍ من ترسُّبات الجاهلية وموبقات التعصُّب.

 [email protected]


إقراء أيضا