الوحدة العظيمة .. كيف أمست مجرد احتفال رسمي ؟!
أمين الوائلي
* القول أن" الوحدة هي منجز عظيم وحلم تأريخي ناضل اليمنيون طويلاً لأجل تحقيقه",مفروغ منه ولا يقدم جديداً ,باستثناء أنه يحاول التلبيس أو التستر على الحقيقة التي لا تقال, ويجب أن تقال بالفم المليان, باتجاه إعادة بناء المقولات المتعلقة بالوحدة وكيف أنها باتت مثار جدل ومادة للخلاف والاختلاف بعد أن كانت مادة اتفاق ومثار توافق بين جميع الفرقاء.
* الوحدة منجز عظيم, لا خلاف. ولكن من الذي ,وكيف, حول المنجز العظيم إلى مكسب شخصي ,وأساء التصرف والاستئثار بالمكتسبات الوطنية لتغدو مكاسب شخصية وعائلية ؟!
وكيف غدا الحلم التاريخي ,إذاً, مرتعاً للكوابيس ومزاداً مفتوحاً ,أمام المزايدين بالوحدة ,والمزايدين عليها,على السواء؟!
المكابرة دون الاعتراف بجوهر الأزمة الوطنية المركبة ,سوف تجر ورائها الوضع العام في البلد إلى حالة من الغليان والفلتان؛ يصعب معها تعويض الثقة الجماعية والتماسك الداخلي والسلم الأهلي,بمظاهر احتفالية مصطنعة على شكل مآدب وولائم ومهرجانات تبديدية ,تقدم للأشقاء والأصدقاء ,المانحين والداعمين للحكومة والسلطة في اليمن, تصوراً سيئاً حول مصارف المساعدات المالية المقدمة..وكيفية التعامل معها.. بطريقة الهدر والتبديد والإنفاق(الحاتمي)..على مناسبات رسمية, تكرس الحرمان والإفقار الشعبي ,وتضاعف مشاعر الاستياء والاحتجاج لدى غالبية المواطنين, الذين يعيشون ظروفاً اقتصادية وخدمية سيئة ,زاد من سوءها الغلاء المتصاعد والجرع الحكومية المتسارعة خلال الفترة الأخيرة التي أعقبت اجتماعات" لندن" و"أصدقاء اليمن"..
* في بلد فقير,كاليمن, وتتناهبه الأزمات والتحديات الداخلية المشهودة ,لا يحتاج إلى سلطة تركب رأسها وجراحه ..وتذهب إلى احتفالات رسمية باذخة ..والإنفاق على المواكب والمآدب والضيافات والخدمات الفندقية.. وصرف الهبات والسيارات والمنح على دائرة ضيقة من المقربين ورؤؤس القبائل ووجهاء المحليات الناقمة والمضطربة في مناطق الحراك الجنوبي,لحج-الضالع-أبين وعدن,لكسب الولاء.. وطمعاً في سيطرة هؤلاء على المواطنين المحتجين.. وتحجيم مظاهر الفلتان ومشاعر النقمة, التي بلغت في الأسابيع والأيام القليلة الماضية حداً ,لم يعد ممكناً التستر عليه أو تجاوز الواقع الجديد الذي صارت إليه الأوضاع الداخلية للسبب المذكور..
* تقترف السلطة أخطاءاً مميتة, بتجاهلها للوقائع والمعطيات اليومية المتافقمة على الأرض ,فتلجأ,كعادتها الوحيدة والعتيدة, إلى الاستخفاف المتعالي ,والالتفاف على المشاكل والقضايا المتفجرة والأزمات التي تحاصرها من كل مكان,عبر اقتطاع جزء من الميزانية لشراء الولاءات ومحاولة استرضاء وإسكات الخصوم والإنفاق على حلفاء, سرعان ما ينقلبوا عليها طلباً للمزيد من المصالح والأموال التي تفسدهم أكثر مما تصلح. وتجربة السنوات الماضية مع هؤلاء وأمثالهم لم تفد السلطة شيئاً وكأنها لا تريد أن تتعلم من أخطاءها..!
* كان يجدر الاحتفال بذكرى الوحدة, بالطريقة الوحيدة المتوقعة والمطلوبة في مثل هذه الأحوال والظروف, طريقة تليق بالوحدة وتعيد الاعتبار لهذا المنجز..والاعتذار له,بالذهاب إلى حلول ومعالجات جريئة عبر مائدة حوار وطني شامل وموسع لا يستثني أحدأً,مع إحضار إرادة سياسية جادة ورغبة حقيقية في الوصول إلى نتائج عملية تضع تسوية نهائية لكل مشاكل وأزمات اليمن ..وفقاً لمقتضيات الشراكة والإجماع ,باعتبار أن هذا وحده الضمانة الوحيدة الممكنة والمقبولة الآن لتلافي الأزمات وتدارك مافات ..وقد فات أكثر مما يمكن تداركه بسهولة ويسر..ويحتاج الأمر إلى شجاعة وتجرد كبيرين ,هذا إذا كان الناس حريصين على بلادهم ومستقبل شعبهم ..وعلى دورهم وسمعتهم وحضورهم في التأريخ ..
* ما الذي سنحصل عليه من احتفالات رسمية ,يشهدها الرسميون وحدهم؟
بينما المواطن والوطن في وادٍ آخر..غير ذي زرع,ولا يعني لهما الرقص والبرع والغناء ومعلقات شعراء البلاط شيئاً,في ظل أوضاع غير مسبوقة وظروف معيشية طاحنة أنست الناس معاني الأعياد ومواعيد المناسبات ,وطنية وغير وطنية..!
* في ظروف مشابهة..تتأكد الحاجة اليمنية القصوى إلى إعمال الحكمة والعقل واستدعاء المخزون الوطني منهما,
وليس من الحكمة أبداً,أن يحتفل الحاكم- لوحده..وحيداً- بوحدة, تتفحص في وجوه الحاضرين صُنَّاعها ..الشركاء فيها..شركاء الوطن واليمن,فلا تجد منهم إلا نفراً قليلا..وتفتقد الكثيرين – ممن يقاسمون هؤلاء,بل يفوقونهم, وطنية ووحدوية ورصيداً في بنك اليمن ومصرف التأريخ..!
* عوداً على بدء : "الوحدة منجز عظيم",نعم..
ولكن..ما حدث..وما يحدث..ليس منجزاً..وليس عظيماً
ليس هذا هو "الحلم"الذي ناضل من أجله اليمنيون ,
هذا "كابوس" ثقيل, يناضل اليمنيون ..اليوم ..لتخليص الحلم من بين أنيابه.