الرئيسية المقالات مدارات هل يخسر الخليج اليمن مرتين؟
هل يخسر الخليج اليمن مرتين؟
ميساء شجاع الدين
ميساء شجاع الدين

سياسة نبذ اليمن التي اعتمدتها دول الخليج كانت سبب رئيسي لما وصلت إليه الأوضاع، وهي سياسة اتبعت بشكل كبير بعد حرب الخليج واتخاذ اليمن موقفها ضمن صف دول الضد. ومن ثم تجلى عندما رفضت دول مجلس التعاون الخليجي طلب اليمن الانضمام له دون اسباب واضحة، أو حتى محاولات لمعالجة التباينات التي قد تقف حائلا دون هذه العضوية. قبل عام 90م، عام الوحدة اليمنية وأزمة احتلال الكويت، كانت اليمن دولتان، دولة في الشمال استخدمت كحاجز صد لدولة الحزب الاشتراكي في الجنوب.

وكأي دولة تلعب دور وظيفي حيوي لجيرانه، اخذ الشمال بعض الامتيازات مثل فتح ابواب الهجرة للعمالة اليمنية في السعودية التي كانت تعيش مرحلة طفرة بترولية. هذا الدور كان له تداعيات مثل تخصيب البيئة اليمنية بالتعليم الديني المتشدد ونشاط الجماعات الدينية في مواجهة الماركسية جنوباً، والأهم تدعيم سلطة الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي طالما اجاد لعب الادوار الإقليمية والدولية وبشكل نفعي شخصي.

ففي وقت كانت تمول الكويت مشاريع تنموية باليمن، انشغلت السعودية بصب فلوسها على القبائل والجماعات الدينية وهي جماعات تزيد الدولة اليمنية ضعفاً ساعدها في ذلك شخصية الرئيس صالح التي تميل لشخصنة الحكم وليس بناء مؤسسات دولة، وهكذا بذرت بذور الدولة الضعيفة والرئيس الفاسد المتحايل.

بعد عاصفة الصحراء اتبعت سياسة عقاب اليمن أولاً ثم نبذه تالياً، وصارت نظرة الكثير من المسؤولين الخليجين لليمن مليئة بالشكوك والضيق من الجار المضطرب والفقير، لم تكن اليمن عمقاُ أمنياً استراتيجياً كما تقول هذه الدول اليوم لكي تبرر ضرب طائراتها لليمن. سياسة النأي عن مشاكل اليمن ظلت مستمرة حتى بعد ترسيم اليمن لحدوده البرية مع محيطه الخليجي، بل إن الترسيم الذي تم بداية الالفية اصبح نقطة تحول في تقوية نفوذ صالح كشخص وتمرير مشروعه التوريثي. فالسعودية قطعت أموالها على كل المنافسين والقبائل، وجاءت الحرب على الإرهاب كأكبر مشروع خدم سيناريو التوريث، هكذا اكتملت السيطرة الشخصية والعائلية لعلي صالح وتزايد خصومه بالداخل وتفاقم الفساد لترتفع وتيرة الغضب الشعبي.

جاءت الانتفاضات العربية التي كالعادة قابلتها معظم الدول الخليجية بسياسة ممانعة التغيير والتوجس الشديد، كانت اليمن تقع في وسط الحدث. كان للاضطراب جذوره العميقة، عدة انتفاضات عام 92م وعام 98 وعام 2005 وتمرد مسلح بالشمال وانتفاضة شعبية واسعة بالجنوب.

كانت المبادرة الخليجية عملية احتواء سريعة للحرب الأهلية في الظاهر لكنها في الواقع عملية احتواء للتغييرالذي كانت تحتاجه اليمن لتفادي الحرب الأهلية، صممت المبادرة في جزء كبير منها لحماية علي عبدالله صالح الذي انقلب على حلفائه الاقليميين اليوم، وكأن كل تقلباته على اليمنيين لم تكفي لاقناع دول الخليج أخذ موقف صارم تجاهه. مجدداً عادت ذات السياسة نبذ ومساعدات مالية لاسقاط الواجب، وترك الملف اليمني للأمم المتحدة ولمدة تزيد عن عامين لم تعالج جذور أي مشكلة، والاداء السيء لجميع الاطراف كان اكثر حقيقة مثبتة طوال المرحلة الانتقالية. حتى انهار الموقف كلياً وفجأة استيقظت دول الخليج على الكارثة، وهي لم تفتئ تعارض التغيير بل وبعضهن اندفع لدعم محاولات الانقلاب عليه دون ادراك إن اجبار الساعة على العودة للوراء نتائجها كارثية خاصة في بلد بهشاشة اليمن وضعفه.

هل تغير شيء بعد عاصفة الحزم التي تم ترويج لها كعملية انقاذ اليمن؟ بغض النظر عن الدور البطولي السامي الذي يحاول البعض ترويجه، هناك سؤال اكثر الحاح هل استمرار العمليات العسكرية لمدة ست شهور دون معرفة واضحة لما هي طبيعة الاهداف سيخدم اليمن أودول الخليج؟ هل تدرك دول الخليج انها سوف تكون احد الاسباب المباشرة لمرحلة الفوضى والخراب لما بعد الحرب، وطول الحرب يزيد من مسؤوليتها؟ هذه المرة تنخرط دول الخليج في الشأن اليمني لكنه انخراط ليس ايجابياً وجاء متأخراً وحتى لو افترضنا إنه كان ضرورياً وملحاً بهذا الشكل، فحتى الآن يبدو الجهل باليمن سيد الموقف.

فالعملية العسكرية طالت وتفاقمت بسببها المعاناة الانسانية مما يخلق حالة عداء مجتمعي تجاه دول الخليج خاصة في الشمال الذي لا يرحب تماما بالتدخل الخليجي كما الجنوب. الجنوب الآن صار تحت سيطرة التحالف وغارق في الفوضى ومعركة الشمال صعبة عسكرياً وتحتاج لقوات برية كبيرة لحسمها وهذا فضلاً عن عدم توفره لدى قوات التحالف فهو ايضاً سيناريو دموي، فما فائدة النصر العسكري إذا كان نتاجه عداء مجتمعي وفوضى سياسية في جوار جغرافي لصيق؟ المسألة ليست فقط في إطالة عملية عسكرية رغم امكانية التسوية السياسية بعد التوازن العسكري الأخير اثر انتصار قوات التحالف في عدن، بل أيضاً في المقاربة السياسية، فالمقاربة السياسية لدى دول الخليج تميل للتعامل مع اليمن كجزئين شمالي قبلي مزعج وجنوبي مظلوم، زيدي عميل لإيران مقابل شافعي مغلوب على أمره.

شيطنة الشمال يبدو جلياً في وسائل الإعلام الخليجية وهذا خطأ فادح يوازي خطأ الأميركيين عندما دخلوا العراق وشيطنوا السنة الذين تم تصويرهم كأقلية متغلبة ضد شيعة مضطهدين، وكان الحل الأمريكي تمثيل العراق سياسياً بتقسيم طائفي يضمن الغلبة للشيعة ومن ثم الأكراد، وكانت النتيجة فوضى ثم داعش. شيء مشابه يجري في اليمن فقيادات الصف الأول كلها من المحافظات الجنوبية التي تمثل خمس السكان، وحتى الآن تبدو الأمور متجهه نحو محاصصة مناطقية قبيحة. صحيح إن المحافظات الجنوبية تعرضت لظلم بين لكن معالجة أزمتها ليس بنقل الاضطهاد نحو جهة أخرى، بل بمعالجة جذور المشكلة الجنوبية وتأسيس نظام يضمن العدالة والمساواة لجميع اليمنيين.

تقسيم اليمن ليس بالسهل خاصة في الظرف الحالي، ولم يكن اليمن المنقسم مستقر كما يتوهم البعض، وعملياُ مشاكل اليمن الاقتصادية والسياسية يجب التعامل معها بدون استسهال وقوالب نمطية. كذلك تتوجس دول الخليج من طبيعة النظام الجمهوري في اليمن بما فيه من مظاهر ديمقراطية لا تتمتع فيها غالبية هذه الدولة، وهنا على دول الخليج ألا تحاول التلاعب.

كذلك تتوجس دول الخليج من طبيعة النظام الجمهوري في اليمن بما فيه من مظاهر ديمقراطية لا تتمتع فيها غالبية هذه الدولة، وهنا على دول الخليج ألا تحاول التلاعب في هذا النظام وهو أمر صعب لأنه يخالف نظمها السياسية. فالنظام السياسي الديمقراطي في اليمن ضروري حتى تضمن تمثيل فئات مجتمع كبير ومتنوع، ولا تمتلك دولته امكانيات مادية وفيرة وسهلة قد تخلق حالة رفاه تعوض غياب الديمقراطية كضامن لاستقرار اليمن. كذلك نمط تقديم المساعدات المالية ضمن عملية ارضاء الضمير ليس بالأسلوب الاقتصادي الأمثل في التعامل مع اليمن، الذي يمكنه خلق اساليب شراكة اقتصاديه مع جواره من خلال الاستثمار ورفع قدرات الدولة اليمنية على العمل بفاعلية ونزاهة. فعلى سبيل المثال لا أحد يعلم ما هي اسباب تعطل مشاريع تصدير المنتجات الزراعية اليمنية لجواره. الفراغ الذي تتركه دول الخليج في اليمن تملأه الفوضى وقوى إقليمية منافسة، وحصاد العملية العسكرية سيكون مر ككل حرب، لكن من سيتحمل مرارته ليس فقط اليمنيين بل جوارها الجغرافي الذي قد تستنزفه الفوضى باليمن وسوف تهدد أمنه في مرحلة لاحقة. هذا كله سيناريو قريب الحدوث لو لم يتم الخروج عسكرياً سريعاً مع تصور سياسي واضح للمشكلة اليمنية لا تغلب عليه النمطية والحلول السهلة التي قد تخلق أزمات كبيرة في وقت لاحق.

إقراء أيضا